في دولة مؤسساتها التجارية والدستورية وغيرها تعاني من شلل تام، فيما عمليات النصب والإحتيال تنشط بشكل مرتفع، لا بدّ للمواطن البسيط أن يكون ضحيّة أمراء النصب وتجميع المال.

أكثر من 2000 مؤسسة تجارية أقفلت منذ بداية العام 2016 على كافة الآراضي اللبنانية، وذلك بحسب بيانات صدرت سابقاً عن وزارة الإقتصاد والتجارة، وإقفال هذا الحجم من المؤسسات معناه أن أكثر من 4000 مواطن أصبحوا بلا عمل، وأملهم الوحيد هو إيجاد فرص جديدة.

الظروف المعيشية الصعبة وإرتفاع مؤشر البطالة لدى اللبنانيين الشباب  مع إرتفاع خط الفقر، عوامل ساهمت في نمو ظاهرة "الشركات النصّابة" أو الشركات الوهمية التي تضع إعلان على الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي وفي بعض الصحف المتخصصة تطلب موظفين من كافة المجالات وحين يتقدّم الشخص بطلب توظيف يتم إستغلاله لفترة شهرين بحجة أنه في مرحلة التجربة، ولو كانت لديه خبرة، ليتفاجأ أن بعد شهرين من عمله يتم الإستغناء عنه دون دفع بدل مواصلات له حتى.

عبد الكريم البخاري ( 22 سنة) تخرّج منذ سنة في مجال "إدارة الأعمال" وتدرّب لفترة قصيرة في مصرف معروف، ثم عمل في فندق في وسط بيروت لكن هذا الفندق إستغنى عن عدد من العمال، حينها قرأ إعلان في صحيفة متخصصة بالإعلانات تطلب موظفين من كافة المجالات للعمل لديها في منطقة المكلّس، وطبعاً كما غيره تقدّم وعدد كبير من الشباب إلى الوظيفة.

وبحسب البخاري الذي أطّلع "الإقتصاد" على تفاصيل الحادثة التي حصلت معه ومع زملائه، يقول " عملية النصب من قبل الشركة كانت محكمة جداً للوثوق بهم، طلبوا منّا إحضار إخرجات قيد وسجل عدلي وشهادتنا، وغيرها من الأوراق بإعتبار أن الشركة حريصة جداً على سمعتها"، مضيفاً " بعد إتمام كل الأوراق إتصلوا بنا على انه تم إختيارنا لنكون من فريق العمل، ومن الشهر الاول  لم يدفعوا أي راتب، مضى الشهر الثاني ونحن ننتظر، في الشهر الثالث دفعوا نصف راتب على أن يتم دفع كافة المبالغ في آخر الشهر وسيتم تثبيتنا في الضمان".

بعد مرور 3 أشهر، قام صاحب المؤسسة بطرد 15 موظفاً دون أي حقوق مادية، وأبقى على 4 منهم فقط، واعداً إياهم بتثبيتهم ودفع كل المستحقات ومع بداية الشهر الرابع لهم في العمل أعطى كل واحد منهم 100 دولار على أنه سيكمل لهم باقي الدفع في ختام الشهر، ولكن تملّص من واجبه، فقرروا ترك العمل وقصدوا الضمان الإجتماعي، ولكن لم يصلوا إلى حل كون المسألة ليست عندهم.

تقديم أفكار ومشاريع على سبيل التجربة... ثم سرقتها

في حادثة أخرى منفصلة ، أعلنت شركة "ميديا" في سن الفيل عن حاجتها لعدد من موظفي الغرافيك ديزاين والسوشال ميديا في مؤسستها، ومن البديهي أن يتقدّم لهذه الوظيفة أكبر عدد من خريجي الجامعات الشباب، وبحسب المعلومات التي توفّرت لـ"الإقتصاد" من قبل عدد من المتقدّمين لهذه الوظائف، فإن مديرة التوظيفات (س.ح) في الشركة طلبت منهم عبر الهاتف دون مقابلتهم حتى في مقر الشركة، أن يقدموا لها نماذج من أعمالهم، ولكن خلال التواصل معهم عبر البريد الإلكتروني والهاتف كانت تطلب من كل شخص حسب إختصاصه تقديم مشروع فكرة صغير كعيّنة من عمله، وبموجبه  يتم التوظيف لقاء راتب شهري يقارب الـ1500 دولار أميركي.

وبحسب، حسين مرتضى، أحد ضحايا هذه الشركة، فإنه قدّم لهم "لوغو" خاص بالشركة كما نفّذ 3 أفكار لـ"كتالوغ" تعود لمشروع مطعم، مع تصميم بطاقات "بزنس كارد" لـ3 شركات مختلفة أيضاً.

بعد الإنتهاء من مشروعه إنتظر أن يتصل أحداً به، إلا أن مرّ شهرين ولم يبلغه أحد إما الموافقة أو الرفض، ليتفاجأ بعد فترة أن تصاميمه يتم إستخدامها تجارياً كذلك بالنسبة إلى 20 شاباً غيره وقعوا في شرك نصب هذه الشركة، بينهم شباب تقدموا لوظيفة مبرمجين وقدموا مشاريع على هذا الأساس. إلا أنّ أحداً منهم لم يقبض أي أتعاب ولم يحصل على الوظيفة.

في سياق آخر، وردت شكاوى أيضاً إلى موقع "الإقتصاد" مضمونها أن شبانا يعملون في شركة لتوزيع المواد الغذائية مقرها منطقة الجناح، ولها مندوبين في الشمال والجبل، وهذه الشركة التي لها وكالة في لبنان من شركة سعودية، توظف حوالي 70 شخصاً نسبة 70% منهم غير مسجّلين في الضمان الإجتماعي وأصحاب الشركة لا يصرّحون عن أسماء العاملين لديهم، ومنذ فترة 5 أشهر بدأت إدارة الشركة التضييق عليهم بحجة أن المبيعات لا تغطي نفقات المؤسسة مع العلم أن حركة البيع بحسب الموظفين وما يملكونه من مستندات وفواتير بين أيديهم تُثبت عكس اقاويل الشركة.

ومنذ 5 أشهر والشركة تماطل في دفع المستحقات وتحاول التنصل بدفع كامل الرواتب وأحياناً تستعيض بدفع نصف راتب، والموظفون يصبرون على وضعهم كون الوضع في البلد بات معروفاً لكن هذا لا يسمح بأن تقوم الشركات بإستغلال الظروف الحياتية للموظف ومعاملته بطرق الإستعباد.

وهناك شعور لدى هؤلاء العمال بأن الشركة تحاول إعلان إفلاسها للتهرب من دفع المستحقات ومن الضرائب ومن المتوجبات القانونية، وربما تعود وتفتح بإسم جديد وشركاء جدد كنوع من التغطية.

من يحصّل الحقوق .. ومن يراقب الشركات ؟

ضحايا هذا الإستغلال لا يدركون حتى الساعة كيف يتصرفون وما يفعلون لتحصيل حقوقهم، فبحسب كلامهم جميعاً أن "لا دولة في لبنان تحميهم، وأن الـ"واسطات" والدعم السياسي أسياد الموقف في هذه الحالات، لا سيما أن معظم أصحاب الشركات يحاولون أيهام الموظفين لديهم ان لديهم علاقات كبيرة مع شخصيات نافذة في البلد".

وللوقوف على هذه المشاكل وإيجاد الحلول المناسبة للعمال المغبونين، تواصلنا في موقع "الإقتصاد" مع مدراء في الضمان لمعرفة حقيقة ما يجري فأشار مصدر في الضمان أن "على أي موظف مضى على وجوده في أي شركة اكثر من 3 أشهر عليه التوجه لقسم الآجراء في الضمان وتقديم شكوى دون تردد".

ويضيف المصدر "في معظم الأحيان لا أحد يتقدّم فهناك تقاعس من الموظف أو ربما إهمال أو خوف من قطع رزقه، مع العلم أن الشاكي يبقى حقه محفوظاً ولا يتم الكشف عنه، ولا يهمنا سوى المعلومات ونحن نتدبر الامور بسّرية مطلقة".

وفي هذا السياق  قمنا بالإتصال بوزير العمل ​سجعان قزي​، الذي إعتبر أن هذه المشاكل لا تُحلّ بالإعلام فقط، وإنما على كل شخص متضرر سواء من عدم دفع رواتب له أو إستغلاله أو حتى عدم إدخاله في الضمان عليه التقدّم إلى دائرة شؤون العمال في وزارة العمل وتحديداً عند السيدة جمانة حيمور المسؤولة عن هذه الأمور، وتقديم الشكوى لديها وهم يقومون بالتحقق وملاحقة كل شركة مخالفة، وكل شخص سياخذ حقه بالقانون".