أشار عميد كلية إدارة الأعمال في جامعة الأنطونية د. جورج نعمة إلى ان "الدين العام اللبناني وصل إلى مرحلة بالغة الخطورة تحتّم على القطاع المصرفي اللبناني تحمّل المسؤولية وحث الدولة على إتخاذ تدابير إصلاحية .. فعملية تمويل الدولة وتأمين حاجاتها للإستدانة لا يجب أن تكون أوتوماتيكية بعد اليوم، بل يجب أن تكون مقرونة بخطوات وخطط لإصلاحية ضمن الموازنة العامة".

وفي حديث خاص لـ"الإقتصاد" أشار د. نعمه إلى أن "مؤسسات التمويل الدولية عادة – كصندوق النقد والإتحاد الأوروبي والبنك الدولي – يضعون شروط إصلاحية على الدول قبل دعمها بالأموال، كما حصل مع اليونان العام الماضي مثلا .. وعادة ما تكون هذه الشروط قاسية وتؤثر على القدرة الشرائية والمعيشية للمواطنين وعلى الوضع الإجتماعي للناس في هذه الدول، مما يساهم أحيانا في تفاقم الأزمة .. وهذه الأمور حصلت مع دول في أميركا الجنوبية واليونان وقبرص وغيرها".

وتابع "في لبنان الأمر مختلف حيث أن ثلثي الدين العام اللبناني هو دين داخلي للمصارف اللبنانية، وهذه الميزة تعتبر نعمة لأنها لا تضع لبنان أمام إملاءات خارجية من قبل المؤسسات التمويلية الدولية .. ولكن ما نخافه هو أن تتحول هذه النعمة إلى نقمة في المدى المتوسط، فإن لم نعمل على وضع ضوابط للإستدانة في ظل هذا الأداء المالي السيء جدا للدولة اللبنانية منذ تسعينات القرن الماضي فإن هذا الأمر سيوصلنا إلى الهاوية .. لذلك يجب أن يكون هناك جهات قادرة على فرض ضبط للإنفاق ومكافحة للفساد والتهرب الضريبي وتخفيف عجز الموازنة ".

ولفت نعمه إلى أنه "منذ عام 2015 نعاني من نزف في ميزان المدفوعات وصل إلى 10 مليارات دولار وهذا يعني ان القطاع المصرفي يُستَنزف تدريجيا، وكل المؤشرات تؤكد بأن الوضع لا يمكن أن يبقى على حاله على المدى المتوسط، لذلك يجب أن يكون هناك خرق معين ورقابة حقيقية .. فعملية إستدانة الدولة لا يجب أن تبقى عملية أوتوماتيكية، وبما أن أجهزة رقابة الدولة غائبة وكذلك الموازنات منذ 11 عاما .. لا بد على المصارف التجارية اللبنانية إتخاذ قرار شجاع، وفرض بعض الخطوات الإصلاحية على الدولة اللبنانية من أجل الإستمرار في تمويلها".

وإعتبر نعمه انه "على الرغم من الأرباح الجيدة التي تجنيها المصارف من خلال عملية تمويل الدولة وتأمين حاجاتها للإستدانة، إلا أن هذا الأمر لا يمكن الإستمرار به طويلا، فعلى المدى المتوسط ستصبح المصارف والدولة معاً في خطر كبير .. وصندوق النقد الدولي حذر العام الماضي كثيرا من هذه العلاقة الثنائية ما بين القطاع العام والمصارف التجارية".

ووجه نداءا للمصارف "لوضع حد ادنى من الضوابط والخطوات الإصلاحية، يكون على الدولة الإلتزام بها مقابل الإستمرار في مدّها بالسيولة ... فمن غير المقبول أن يستمر إستنزاف الموازنة العامة من خلال دفع الرواتب والأجور لعدد فائض من الموظفين، مقابل الإستمرار بتوظيف كميات كبيرة بنظام التعاقد ... ومن غير المقبول أيضا إستمرار الهدر في ملف الطاقة وكهرباء لبنان الذي يشبه الثقب الكبير بأسفل وعاء الخزينة العامة ... لذلك من مصلحة لبنان أن يكون هناك طرق معالجة، وإذا كانت الدولة لا تقوم بتحمل مسؤولياتها لأسباب سياسية زغير سياسية، فعلى المصارف أن تضغط على الدولة من خلال فرض خطط إصلاحية لتحسين الوضع المالي".

وفي سؤالنا عن الأمور التي تضمن تنفيذ الدولة لهذه الإصلاحات أشار د. نعمه إلى ان الإقتراحات والخطط الإصلاحية يجب أن تكون جزء من الموازنة العامة، ويتم في كل عام إضافة بنود او خطط إصلاحية أخرى لتحسين الأوضاع والتخفيف من عبء الدين العام".

وتطرق نعمه أيضا في حديثه لـ"الإقتصاد" إلى التهرب الضريبي وإلى الإنخفاض الكبير في إيرادات الدولة .. فقال "نشهد في موازنات الدولة الأخيرة زيادة في النفقات والتي وصلت اليوم إلى 24000 مليار ليرة، في حين أن إيراداتنا لا تتخطى الـ 16000 مليار ليرة، وهذه مشكلة كبرى. وبحسب دراسة فإن بلد مثل لبنان وبحجم ميزانه التجاري، يجب ان تبلغ إيراداته 20000 مليار ليرة على أقل تقدير مما يعني ان هناك تهرب ضريبي كبير يجب العمل على معالجته ... وبما أن الهيئات الرقابية الضريبية في وزارة المالية غير قادرة على معالجة المشكلة، فعلينا إذا الإستعانة بالقطاع الخاص كما فعلت الكثير من الدول النامية والتقدمة أيضا بما فيهم كندا".

وتابع "لذلك يمكننا كدولة لبنانية التعاقد مع مكاتب التدقيق الأربعة الكبرى الموجودة في العالم والتي تسمى بالـ"Big Four"، ووضع بروتوكول تفاهم مبني على شروط معينة وشفافية .. ويعطي هذا البروتوكول الحق لهذه المكاتب بإجراء عمليات تدقيق ومراقبة داخل وحدات وزارة المالية لكشف اماكن الخلل والتهرب الضريبي .. وتحصل هذه المكاتب على نسبة من الضرائب التي يتمكنون من تحصيلها او كشفها فيما تذهب الأموال المتبقية إلى الخزينة. هذه الطريقة أعطت نتائج كبرى لناحية زيادة الإيرادات الضريبية في الكثير من دول العالم التي إتبعتها".