يسمونها في مصر يابان مصر، نظرا لتشابه ملامحها الاقتصادية والاجتماعية مع اليابان، كما أنها تشبه اليابان في قلة الموارد، واعتمادها على الثروة البشرية المدربة تدريبا جيدا لتوليد قيمة مضافة، مما تستورده من خامات من الخارج والداخل.

فهي مشهورة بصناعة الأثاث وصناعة الأحذية وصناعة الحلويات وصناعة الغزل والنسيج، وتصدير تلك المنتجات للخارج بينما لا تتوافر بها خامات تلك الصناعات، فهي تستورد الأخشاب من السويد وغيرها لتقوم بتصنيعها غرف نوم وسفرة وصالونات وأنتريهات ومطابخ وأبواب، ثم إعادة تصدير تلك المنتجات إلى المحافظات المصرية وإلى دول الخليج العربي.

كما أنها تستورد الدقيق والسكر والمكسرات، لتعيد تصنيعها في نوعيات متعددة من الحلويات أشهرها: المشبك الدمياطي والهريسة والبسبوسة والبقلاوة والبغاشة والجزارية، والفولية والحمصية والحمام والسمسمية واللديدة والكنافة، إلى جانب الفطائر المتنوعة والكعك المتنوع الحشو.

كما تستورد دمياط الجلود لتصنيعها أحذية، والأمر نفسه مع القطن الذي يعاد تصنيعه في شكل أقمشة وبياضات وملابس جاهزة، وهكذا تحولت ​محافظة دمياط​ الواقعة في أقصى شمال مصر على ساحل البحر المتوسط والتي يسكنها واحد ونصف مليون نسمة، إلى خلية نحل تكاد تنعدم بها معدلات البطالة، بل إنها جذابة للعمالة المعاونة من المحافظات المجاورة.

وتعود شهرة دمياط إلى نوعية العمالة بها حيث التخصص الشديد في العمل، فصناعة الأثاث بما أكثر من خمسة عشر تخصصا، فالنجار يختلف عن الدهان وعن الأشرجي الذي يقوم بلصق طبقة من القشرة على سطح الخشب، والأويمجي الذي يتخصص في حفر أشكال الزخرفة على الخشب.

وفي كل حرفة هناك تخصص داخلي، فالنجار المتخصص في صناعة حجرات الأثاث يختلف عن النجار المتخصص في صناعة الأبواب والشبابيك، بل لقد وصل الأمر إلى التخصص في صناعة نوعيات معينة من حجرات الأثاث، حيث يطلقون على التصميمات المختلفة لحجرات النوم أو الصالونات أو السفرة أسماء معينة معروفة مثلما يحدث في طرازات السيارات.

 وهكذا تجد ورشا متخصصة في صناعة حجرات النوم، ولكن هذه متخصصة في صناعة الحجرة المسماة كليوباترا، والأخرى في الحجرة المسماة نفرتيتي وأخرى في حجرة رقبة الجمل، بحيث تجد نفس الطراز هو هو في أي معرض للموبيليات، مما يسهل مهمة زائري المحافظة الذين يحضرون لشراء طراز معين، قد يكونون قد شاهدوه في أحد معارض الأثاث بالقاهرة أو الإسكندرية.

ويعد ابتكار التصميمات الجديدة لأشكال الحجرات الأثاث أحد عوامل الاستثمار بالسوق وزيادة المبيعات، كما يعد الحفاظ على تلك التصميمات نوعا من الحفاظ على الملكية الفكرية للتصميم الجديد، ولهذا يتم منع صناع الأثاث من الدخول للمعارض بصحبة الزبائن، خشية تقليد التصميم في ورشهم بعد رؤيتهم له.

وتلك مهارة أخرى حيث يتعامل صانع الأثاث الدمياطي مع الخشب، مثلما يتعامل البعض مع طين الصلصال بتحويله إلى أي شكل مطلوب، وهكذا يمكنه تنفيذ أي تصميم موجود في أي كتالوج للأثاث أو مجلة للديكور، بل تصل المهارة إلى تنفيذ التصميم الذي يقترحه الزبون بالجمع بين مواصفات عدة تصميمات لابتكار نمط جديد.

ويصل الأمر بالتخصص إلى وجود حرفة للتنجيد وحرفة لدهان الأستر وحرفة لدهان اللاكيه أو البوية، وحرفة لمن يلصقون الذهب الخالص على قطع الأثاث، بل وحرفة لمن يقومون بنقل قطع الأثاث داخل الشقق، وهنا تظهر مهارة هؤلاء في إدخال قطع النيش الضخمة من أبواب الشقق الضيقة.

كذلك حرفة رص قطع الأثاث في سيارات نقل الأثاث إلى المحافظات أو البلاد الأخرى، فلا يمكن أن يتخيل أحد أن سيارة نقل الأثاث، يمكنها أن تحمل أربع عشرة حجرة أثاث بداخلها، وتزداد المهارة أن هناك خط سير لتلك السيارة حيث يكون مطلوبا منها نقل حجرات أثاث إلى عدة مدن ولهذا يتم التحميل بترتيب عكسي، والإنزال دون اختلاط قطعة أثاث واحدة.

والصانع الدمياطي يعتمد على دقة الصناعة في ترويج منتجاته، حيث تؤدي جودة المنتج المباع لأحد الزبائن في قيام المشتري بعمل دعاية للبائع، مما يجلب له زبائن آخرين من أسرة المشتري أو معارفه وجيرانه لسنوات طويلة، ولهذا تقل بشكل كبير أشكال الإعلان عن معارض الأثاث الدمياطي في الصحف والمجلات والتلفزيون.

ولم تكتف دمياط بنقل التخصص الشديد عن اليابان ولكنها أخذت منها الطابع المحافظ حيث التمسك بالقيم والتدين، واحترام خصوصية المنزل حيث يحرص الدمياطي على استقبال أصدقائه خارج المنزل، كما يشتري بنفسه مستلزمات الطعام اليومي لمنزله كي لا تنزل زوجته إلى الأسواق.

ولقد بادلت الدمياطية زوجها وفاءا بوفاء، حيث تضع زوجها في المرتبة الأولى من اهتمامها، وتدبر له نفقات البيت بحيث لا يتم الإنفاق إلا في شيء نافع، وعندما تذهب المرأة الدمياطية لشراء ملابس، فإنها تشتري أولا ملابس لزوجها، فإذا تبقى لديها مال اشترت ملابس لأولادها، فإذا تبقى معها مال بعد ذلك اشترت ملابس لنفسها