في أعقاب الأزمة المالية الراهنة وما نتج عنها من آثار سلبية على اقتصادات دول العالم وفي مقدمتها الدول الغربية، ولجوء العديد منها إلى اتباع سياسات تقشفية وانكماشية، وواكب ذلك ارتفاع في أسعار مبيعات الأطعمة بالتجزئة بمعدلات كبيرة فاقت معدلات التضخم السائدة بهذه الدول، حيث ارتفعت تلك الأسعار في بريطانيا "على سبيل المثال" بنسبة بلغت نحو 25% خلال السنوات الأربع الأخيرة وهي بالطبع أكبر من معدلات التضخم خلال ذات الفترة، وقد ترتب على ذلك زيادة إنفاق الفقراء ومحدودي الدخل وأبناء الطبقة المتوسطة على الطعام نسبة أعلى من دخولهم بالمقارنة بفترات سابقة.

ورغم بدء انخفاض معدلات التضخم في بريطانيا إلا أن حالات التشاؤم والإحباط قد تزايدت بشكل لم يشهده البريطانيون منذ أكثر من عشر سنوات "وهو ما أظهره مؤشر الوضع الراهن PIS "، الأمر الذي أدى إلى تغير ملموس في طبيعة وتركيبة الوجبات الغذائية في بريطانيا بشكل خاص والغرب بشكل عام.. وتشير العديد من الوكالات البحثية التسويقية إلى أن أفراد الكثير من الدول الغربية لم يعودوا مقبلين على الطعام كسابق عهدهم، وأن غالبيتهم قد تخلوا عن مخاوفهم وهواجسهم الشديدة تجاه قضايا التلوث والبيئة، كما انخفض معدل تناولهم للأطعمة العضوية المسماة بالأورجانيك التي كانوا يعشقونها ويعتبرونها قمة الأطعمة الصحية والتي انخفضت مبيعاتها نتيجة للأزمة المالية العالمية وآثارها السلبية خلال السنوات الأربع الأخيرة بنسبة تقدر بـ 22%.

لذا اضطر المستهلكون في الغرب إلى إجراء مجموعة من الموائمات الغذائية الصعبة في معيشتهم وفي مقدمتها خفض مشترياتهم واستهلاكهم من الخضروات والفاكهة وشرائح اللحم والأسماك، ولجوئهم إلى الوجبات الجاهزة الرخيصة ووجبات اللحوم المصنعة والبيتزا في وجباتهم اليومية، وإذا كان تأثير الأزمات الاقتصادية ملموساً على جميع طبقات المجتمعات الغربية إلا أن تأثيرها السلبي ظهر بشكل أكثر حدة على الطبقات الفقيرة والمتوسطة.

وقد أشارت نتائج استطلاع للرأي أجرته مؤسسة فاملي فود البريطانية حول استهلاك أفقر 20% وأغنى 20% من أبناء المجتمع البريطاني "خلال فترة ما بعد الأزمة المالية العالمية وحتى الآن" إلى انخفاض استهلاك الفئة الأفقر من لحم الضأن بنسبة 47% بينما انخفض استهلاك الفئة الأغنى بنسبة 19% فقط، وانخفض استهلاك الفئة الأفقر من الفاكهة بنسبة 22% مقابل انخفاضها بمقدار 15% للفئة الأغنى، كما انخفض استهلاك الفئة الأفقر من المواطنين البريطانيين من الأسماك بنسبة 19% بينما بلغ الانخفاض للفئة الأغنى 11%.. أما استهلاك الفئة الأفقر من وجبات اللحوم الجاهزة فقد زاد بمعدل 13% بينما لم يزد هذا المعدل من استهلاك الفئة الأغنى عن 1%، وكذا زاد استهلاك الفئة الأفقر من البيتزا بنسبة 10% مقابل 19% للفئة الأغنى، وزاد أيضا استهلاك المواطنين من الفئة الأفقر من الشيكولاته بنسبة 4% فيما زاد الاستهلاك منها من قبل المواطنين الأغنى بنسبة 15%.

ويتضح من نتائج الاستبيان السابق أن المتغيرات التي طرأت على المجتمع البريطاني "وشأنه في ذلك شأن كافة المجتمعات الغربية" لم تكن مقصورة على المواطنين الفقراء أو الأكثر فقراً، ولكن يتضح أن التأثير السلبي قد أصاب جميع المواطنين الفقراء منهم والأغنياء وأصحاب الدخول المرتفعة، ومن ثم انصرفت الغالبية عن شراء الأجزاء الفاخرة من اللحوم غالية الثمن، وزادت معدلات شراء الخضروات والفاكهة التي تخضع لخصومات كبيرة في السعر بسبب انخفاض درجة الجودة والطزاجة.

ورغم الزحام المتواجد بكثافة في متاجر التجزئة إلا أن عدد الأصناف المشتراة قد تقلصت، وكذا فإن حجم المشتريات قد انخفض بشكل ملموس، وتشير دراسات الشركات المتخصصة في أبحاث السوق إلى أن معدلات المستهلكين الذين يحددون نوع وحجم مشترياتهم قبل الذهاب إلى المتاجر قد ارتفعت من 47% في عام 2008 إلى 67% في نهاية عام 2011 بما يعني أن ميزانيات هؤلاء المستهلكين أصبحت محدودة ومحددة ومرشدة ومعلومة مقدماً.

ومن الظواهر الحديثة في المجتمعات الغربية انخفاض كميات فضلات الطعام التي تلقى في القمامة، ويحلل الكثير من الخبراء هذه الظاهرة باعتماد أبناء هذه المجتمعات على شراء الأطعمة الجاهزة الرخيصة، والابتعاد أو انخفاض الإقبال على الطهي في المنازل، وهذه الظاهرة ليست بالطبع في صالح الحكومات التي توفر لأبنائها خدمة التأمين الصحي الشامل، وذلك بالنظر لما تسببه هذه الوجبات من أمراض وفي مقدمتها مرض البدانة، مما دفع المسؤولين بوزارات الصحة في هذه الدول إلى مناشدة أصحاب الوجبات الجاهزة التقليل من السعرات الحرارية التي تحتوي عليها وجباتهم.

ومع تغير ​العادات الغذائية​ في الغرب تغيرت معها مفاهيم الطهي التقليدية الصحية التي كانت تنصح بها الجدات والأمهات، وأصبح السجق "على سبيل المثال" مكوناً أساسياً يٌعتمد عليه في معظم الوجبات سريعة الطهي كي يقلل من استهلاك اللحوم والأسماك.. وأصبح البريطانيون يشاهدون برامج الطهي التلفزيونية ونجومها المشهورين وقتاً أطول كثيراً مما يقضونه في الطهي داخل مطابخهم، ويرجع الكثير من الخبراء هذه الظاهرة إلى الأزمات المالية والاقتصادية التي أصابت بلادهم والعالم أجمع وتسببت في زيادة معدلات الفقر وانخفاض الدخل وما ترتب على ذلك من تغيير العادات الغذائية.