لم يكن العمل أفضل من ذلك من قبل لماريا كريستينا فيسينتى، التي تبيع وجبات الغداء لسائقي الشاحنات في ميناء سانتوس المزدحم الواقع جنوب شرقي البرازيل.

قالت بصوت عالٍ وسط ضوضاء الشاحنات المارة، وهي تضع مطعمها المتنقل فوق سيارة زوجها: "أحياناً يظل الناس هنا لنحو ثلاثة أيام في انتظار تفريغ الشحنات". وأضافت: "يأكلون هنا وينامون ويقضون حاجتهم بجانب الطريق".

ومن المقرر أن يلعب ميناء سانتوس، الذي يستوعب نحو ربع التجارة الأجنبية للبرازيل وأكثر من نصف نشاطه في المحاصيل الزراعية كالذرة، دوراً حيوياً في الأعوام القليلة المقبلة، خصوصا أن البلاد تضاعف جهودها لتحقق رقم قياسي في تصدير الحبوب.

ولأنها أكبر مُصدِّر للسكر والبن في العالم، وثاني أكبر منتجي فول الصويا، فازت البرازيل بالفعل بلقب عملاق المحاصيل الزراعية. وربما تتمكن من إضافة محصول الذرة إلى القائمة.

وبعدما أدت أسوأ موجة جفاف تضرب ​الولايات المتحدة​ منذ نصف قرن إلى إلحاق الضرر بسدس محصول البلاد المتوقع من الذرة، أصبحت الفرصة متاحة للبرازيل كي تزيح الولايات المتحدة وتصبح صاحبة الحصة الكبرى في السوق العالمية.

وفي الشهر الماضي تبين أن شركات اللحوم في الولايات المتحدة توجهت إلى هذا البلد الأمريكي اللاتيني لشراء المؤن – ويعتقد أن هذه المرة الأولى في التاريخ التي يتم فيها تصدير الذرة البرازيلي إلى الولايات المتحدة.

ويتوقع أن يبلغ محصول الذرة لهذا العام نحو 75 مليون طن. ولكونه ثاني محصول وفير، فقد تصدر البرازيل قرابة 15 مليون طن هذا العام و20 مليون طن في العام المقبل، حسبما أوردت شركة أجروكونسلت للاستشارات الزراعية.

ورجح أندرسون جالفو، من مركز كليري الاستشاري، أن تصل صادرات الذرة إلى 17 مليون طن في العام المقبل. وستكون هذه أكبر شحنات من الحبوب في تاريخ البرازيل ومن الممكن أن تجعلها تتفوق على الأرجنتين وأوكرانيا وتضعها في المرتبة الثانية عالميا من حيث صادرات الذرة.

وقال جالفو: "معظم هذه الصادرات تذهب إلى الشرق الأوسط وآسيا. في العام الماضي كانت إيران صاحبة النصيب الأكبر في شراء الذرة البرازيلية، تليها تايوان واليابان، ثم الجزائر".

ومقارنة بعام 2010 زادت صادرات البرازيل من الذرة إلى إيران العام الماضي أكثر من 30 في المائة، لتصل إلى 1.9 مليون طن، حسبما جاء في بيانات صادرة عن وزارة التجارة البرازيلية.

ويعود محصول البرازيل الكبير من الذرة هذا العام جزئيا، إلى الحظ الجيد ـ خلافا للولايات المتحدة ساعدت كمية مناسبة تماما من الأمطار في تعزيز ما يسمي "سافرينها"، المحصول الثاني الذي يزرع بعد حصاد الصويا المبكر، ما يعوض المحصول الصيفي نسبيا.

وعملت التكنولوجيا وتطوير أنواع جديدة من الذرة على تحسين الإنتاجية. ومن المتوقع أن يزيد إنتاج الذرة لهذا العام بنسبة 27 في المائة عما كان عليه في العام الماضي، حتى وإن كانت الرقعة الزراعية لهذا العام لا تزيد سوى 10.7 في المائة، وفقاً لما ذكرته وكالة الإحصاءات البرازيلية في الأسبوع الماضي.

لكن تفاؤل المزارعين بالمحاصيل القليلة المقبلة سرعان ما يختفي عندما يأتي الحديث إلى عملية نقل المحاصيل وتسليمها.

وبحسب ماركوس روبن، من شركة أجروكونسلت الاستشارية: "هذا العام سيكون العام الذي يضع بالفعل لوجستيات البرازيل تحت الاختبار". ويضيف: "إشكاليات البنية التحتية قد تعوق صادرات البلاد من الذرة بقدر يصل إلى مليوني طن في العام المقبل".

وكما هو الحال في العديد من مجالات البنية التحتية البرازيلية، فإن ميناء سانتوس ببساطة لم يكن قادرا على الوفاء بزيادة الطلب على مدار الأعوام الماضية. كما أن الاضرابات المستمرة عن العمل، التي تسببت حتى الآن في ترك ما يزيد على 250 سفينة عالقة في البحر وإغلاق أجزاء في أكبر ميناء في أمريكا اللاتينية، ساعدت في تباطؤ عمليات الشحن.

إلى ذلك يوجد عجز في توفير المخازن وكذلك الطرق في البرازيل مغلقة بشحنات البلاد المتزايدة. ويقدر سيرجيو كاستانهو تكسيرا مندس، مدير عام الاتحاد الوطني البرازيلي لمصدري الحبوب، أن تكلفة نقل طن من الحبوب في البرازيل تفوق التكلفة في الأرجنتين والولايات المتحدة بما يراوح بين 60 و70 دولارا، لأن الجزء الأكبر من هذه المحاصيل يتم نقله بواسطة النقل البري بدلاً من السفن أو القطارات.

ولقيت امتيازات نقل أعلنت عنها الرئيسة البرازيلية، ديلما روسيف، أمس (الأول)، لجذب نحو 133 مليار ريال برازيلي من استثمارات القطاع الخاص على مدار الـ 25 عاما المقبلة ترحيباً من جانب قطاع النقل، لكن كثيرين يخشون أن التحسينات الملموسة لا تزال بعيدة المنال.

وفي الوقت نفسه، قام مزارعون في ماتو جروسو، أكبر ولاية منتجة للذرة في البرازيل، بمعالجة الأمور بأنفسهم، وذلك بالتوجه إلى المراكز الاستشارية الخاصة لمساعدتهم في إيجاد حل للعوائق الملحة، حسبما أوضح أليسون باولينيلي، وزير الزراعة البرازيلي السابق ورئيس الاتحاد القومي لمنتجي الذرة.

وقال: "إن لم نحسن اللوجستيات الخاصة بنا لن نتمكن من اقتناص الفرصة".

ويشاطر عامل في ميناء سانتوس بالولينيلي

وهذا الشعور بضرورة الإسراع في معالجة أوجه القصور يشترك فيه مع باولينيلي أحد العمال في ميناء سانتوس كان يراقب شاحنة تحمل شفرة توربينات رياح في حجم جناح طائرة وتحاول الدوران على طريق مرصوفة بحجارة كبيرة أمام خط طويل من الشاحنات. وقال: "نحن بحاجة إلى فعل شيء هنا، لأن هذا المكان بمثابة جحيم قائم".