لا يوجد مهزلة في لبنان أكبر من مهزلة ملف ​النفايات​ (إلا مهزلة ملف الكهرباء). فبعد إنقضاء 60 يوماً على فتح مطمر الناعمة ها هو يُغلق أبوابه من جديد ليترك الساحة لمطمري الكوستا برافا وبرج حمّود. هذين المطمرين غير صالحين للطمر وستكون التداعيات كارثية في ظل طريقة المُعالجة المُعتمدة حالياً وغياب طريقة علمية للمعالجة.

هل نسينا مُشكلة النفايات؟ الظاهر أن الانتخابات البلدية غطّت على الكوارث التي تنتظرنا في ملف النفايات والذي بدأت تفوح رائحته من  جديد مع توقف العمل بمطمر الناعمة الأسبوع الماضي بعد 60 يوماً من إعادة فتحه، وبدء العمل بمطمرين إستُحدثا لإستقبال النفايات.

المُشكلة تكمن في أن هذه المطامر – أي الكوستا برافا وبرج حمّود – غير صالحين لإستقبال النفايات خصوصاً مع الطريقة التي يتمّ معالجة النفايات بها.

فعلى 3800 طن من النفايات اليومية التي نُنتجها يُطرح السؤال عن آلية معالجة هذه الكمية وطمرها؟ هل هناك من أرقام تدلّ على الكمية التي يتمّ إعادة تدويرها؟ ما هي نسبة النفايات التي يتمّ تحليلها؟ وما هي الكميّة التي يتمّ طمرها؟

إذا ما أخذنا بعين الإعتبار أنه لم يتمّ إنشاء معامل فرز للنفايات – أي أننا في صدد إستخدام ما كانت تستخدمه سوكلين، فإن نسبة الفرز هي 8%. هذه النسبة قد تكون إرتفعت بحكم أن المواطنين في بعض المناطق بدأوا عملية الفرز في بيوتهم وبالتالي قد تصلّ هذه النسبة إلى 14%. وإذا ما إعتبرنا من جهة أخرى أنه يتمّ تحليل 8% من النفايات، فهذا يعني أن 78% من الـ 3800 طن  (أي ما يوازي 2960 طن) من النفايات سيتمّ طمرها. وبالتالي وبإعتبار أن مطمري برج حمّود والكوستا برافا يُمكنهما إستيعاب مليوني طن، فهذا يعني أنه وبخلال سنة وعشرة أشهر سيتم ملء هذه المطامر وتعود مُشكلة البحث عن مطامر جديدة!

إن هذا الأمر غير مقبول وعليه يتوجب إعتماد حل من إثنين:

أولاً لامركزية معالجة النفايات: هذا الأمر يتطلب أن تعمد البلديات أو إتحاد البلديات إلى خلق معامل لمعالجة النفايات على أساس الجمع والكنس، الفرز، إعادة التدوير، التسبيغ، الحرق، والطمر. وقد رأينا بعض التجارب الناجحة في ما يخص الفرز كما والحرق. وهذا الأمر يفرض على المجالس البلدية أن تُعطي هذا الأمر أولوية مُطلقة وعليه يجب أن تكون العملية شفافة كي لا يتمّ الإستفادة من معاناة المواطنين. أما في ما يخص الطمر، فعلى البلديات أن تعمل على خفض نسبة ما يجب طمره إلى أقل من 10% من مُجمل النفايات التي تُنتجها وأن تجد مكاناً صالحاً للطمر ضمن الأصول الصحية والبيئية. وفي حال عدم توافر أماكن للطمر في نطاق البلدية، يتوجب على البلدية التواصل مع بلديات أخرى لكي يتم طمر هذه البقايا مقابل مردود مادي يُتفق عليه.

ثانياً مركزية معالجة النفايات: هذا الأمر يتطلب من الحكومة إيجاد مطامر في السلسلة الشرقية حيث لا يوجد سكان ولا ينابيع مياه. إذ لا يُعقل أنه على الـ 10452 كم2 لا يوجد مناطق للطمر إلا في برج حمّود والكوستا برافا في قلب لبنان النابض المُكتظ بالسكان!

إن الكوستا برافا تتواجد قرب المطار وبغض النظر عن الروائح التي تنبعث من المكان، هناك تدعيات صحّية على سكان المنطقة وعلى الثروة السمكية كما وعلى سلامة الملاحة الجوية بسبب الطيور التي تتجمع والتي قد تُسقط طائرة في حال دخلت في المحرّك!

أما في برج حمّود فحدث ولا حرج، هناك إتجاه لطمر البحر وإستخدام المساحة الموجودة إضافة إلى التي سيتم طمرها بهدف توسيع المطمر! كل هذا في ظل منطقة مُكتظة سكانياً. هل حياة هؤلاء الناس رخيصة لهذه الدرجة؟ إنه فعلاً قمة المهزلة!

لقد نجحت السويد في تحويل معالجة النفايات إلى قطاع إقتصادي بحد ذاته وذلك من خلال الإستفادة منها بتوليد الطاقة، توظيف عمّال وتشغيل قطاع النقل أي العديد من الوظائف. كل هذا في ظل إستراتيجية واضحة تنص على طمر 1% من النفايات فقط! فلماذا لا يتمّ هذا الأمر في لبنان؟

لقد إستطاعت السويد تأمين 20% من التدفئة في المدن وكهرباء لأكثر من 250 ألف منزل من أصل 4.6 مليون أسرة. هذه الأرقام وحدها كفيلة بطرح السؤال عن أسباب عدم إعتماد الإستراتيجية السويدية خصوصاً أن المساحات تقلّ في لبنان وهناك حاجة قصوى لتقليل كمية النفايات التي يجب ردمها.

إن الإستمرار على المنهجية المُعتمدة سيكون له تداعيات كارثية على الآمد المتوسط والبعيد. فعلى الآمد المُتوسط، سيكون هناك ضرر على الصحة العامة بشكل مباشر عبر الأمراض التنفسية والسرطانية. كما أن السياح سيهجرون لبنان بسبب الروائح التي تستقبلهم على المطار. أين هو لبنان الأخضر؟

على الآمد البعيد، سيتمّ ملئ هذه المطامر بالنفايات وستُعاود الحكومة البحث عن مطامر جديدة. وهكذا دوليك إلى حين يتحول لبنان إلى كتلة ترابية وإسمنتية تعوم على النفايات. وفي هذه الحالة ماذا سيُصبح حال مياه الشرب وصحة الناس.

إنه فعلاً لأمر معيب عدم إيجاد حل  لملف النفايات الذي يجب أن يكون بند أول على البيان الوزاري لأي حكومة مُستقبلية.