أشعلت أزمة ​الديون السيادية​ النار في منطقة اليورو ولم تخمد بعد، ولها تأثيراتها على المجتمع الدولي والاقتصاد العالمي فمن لم تصبه النيران لابد أن يتأثر بالدخان..

الأمر الذي أصاب كثيرا من دول المنطقة بالدوار والهذيان، تحسبا من السيناريوهات المحتملة، فبعضها يتوقع انهيار منطقة اليورو، والبعض يتوقع الإفلاس، أو عدم القدرة عل سداد الديون، ومن ثم الصعوبة في الحصول على القروض، مع انخفاض عائدات الشركات وتوقف بعض المصانع ، وانتشار البطالة.. وجميعها سيناريوهات قائمة أو متوقعة، وجميعها ترسم صورة سوداوية للاقتصاد الأوروبي في السنوات القادمة، إلا من بعض المتفائلين والمتشبثين بالمستقبل وإمكانية عودة الروح مرة أخرى في منطقة اليورو، في ظل إعلان بعض الشركات الصناعية الكبرى مثل "رينو" لصناعة السيارات، أن صافي عائداتها للنصف الأول من العام الحالي، تراجع من 1.25 مليار يورو في العام الماضي، إلى 786 مليون يورو، وذلك نتيجة لتراجع طلب السيارات في أوروبا

كما تقلصت أرباح شركة "لافارج" الفرنسية ثاني أكبر شركة لصناعة الإسمنت في العالم من حيث العائدات، بنحو 72% إلى 100 مليون يورو، وذلك بعد شطبها لديون على أصول يونانية ولاستحقاقات تتعلق بخفض التكاليف، والأداء الضعيف لمبيعات شركة "​سيمينز​" أكبر شركة هندسية في أوروبا و"باسف" أكبر شركة لصناعة الأسمدة في العالم. وتراجع الأسهم في "سان جوبان" الفرنسية الرائدة المتخصصة في صناعة الزجاج بنسبة 12%،بعد انخفاض صافي عائداتها للنصف الأول بنحو 34% إلى 506 ملايين يورو مع توقع انخفاض الأرباح التشغيلية بنسبة أكبر.

وكذلك تعاني معظم الشركات الأوروبية الكبيرة من إحجام المستهلك الأوروبي عن الإنفاق، ما يعني أن على هذه الشركات حتى تكون قادرة على الصمود في وجه هذه التحديات، ضرورة خفض التكاليف، والبحث عن أسواق جديدة خارج أوروبا، وعدم الاعتماد على السوق المحلية المتعثرة، والتركيز على الأسواق الناشئة مثل روسيا والبرازيل .

وقد بلغت ديون إيطاليا نحو 2 تريليون يورو بنسبة فائدة تصل إلى 6،3%، ومعنى ذلك أنها تحتاج إلى أكثر من 200 مليار يورو لخدمة الدين سنويا، بغض النظر عن أصل الدين، وهذا يضع الاقتصاد الإيطالي في وضع بالغ الصعوبة، في الحصول على المساعدات من الأسواق المالية العالمية .

كما أظهرت بيانات البنك المركزي الإسباني أن الديون الإسبانية تصل إلى 840 مليار يورو، وأن القروض المتعثرة في البنوك الإسبانية ارتفعت إلى أعلى مستوى على الإطلاق من 8.4 % إلى 9.42 % من إجمالي القروض في يونيو الماضي، كما أصبحت البطالة تمثل تهديدا كبيرا في سوق العمل بعد أن قاربت النسبة %25 من السكان.

في حين يمثل سيناريو التفاؤل شركة "ميشلين" الفرنسية لصناعة الإطارات وهي نموذج جيد الآن في القطاع الصناعي الأوروبي، بعد أن أعلنت عن ارتفاع عائداتها خلال النصف الأول بنسبة قدرها 37%. وتتوقع الشركة تراجع حجم مبيعاتها بين 3 إلى 5% خلال السنة الحالية، الشيء الذي يمكن تعويضه عبر رفع الأسعار واستخدام مواد خام أكثر ملاءمة من حيث التكاليف، بعد أن استفادت الشركة من انخفاض قيمة اليورو؛ وهذا يعطي نوعا من التفاؤل الحذر بأن الثقة في اقتصادات أوروبا ستعود بسرعة في حالة اتخاذ قرارات سياسية حاسمة بشأن حل مشكلة ديون القارة العجوز، وتفادي أي مخاطر جديدة تهدد منطقة اليورو رغم أن رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي قد أكد أن البنك المركزي لن يشترك في أي جهود ما لم تتجه في البداية أي حكومة في حاجة للمساعدة إلى صندوق الإنقاذ و الموافقة على شروط صارمة في المقابل، حيث سيتعين على الدول التي تحصل على مساعدة أن تنتهج سياسات قوية بشأن الموازنة واعتماد إصلاحات هيكلية للنمو والتوظيف ومعالجة الاختلالات الهيكلية، حتى يمكن تحقيق الحماية للعملة الأوروبية الموحدة، حيث ظل الاتحاد الأوروبي يجسد أكثر تجارب التكامل الإقليمي نجاحاً على مستوى العالم، من خلال توحيد السياسات المطبقة ، وفق صيغة تناسقية تقوم في الأساس على قبول الدول الأعضاء التنازل عن أجزاء محددة من سيادتها الوطنية لمصلحة مؤسسات التكامل الأمر الذي جعل من تطور الوحدة الاقتصادية بل والسياسية الأوروبية رحلة محفوفة بكافة أنواع المصاعب والمخاطر، خاصة أن الأزمة الحادة التي تعصف بالاتحاد الأوروبي الآن أوجدت شرخا وانقساما بين الشعوب الأوروبية رغم وجود الهياكل التكاملية والسياسات الموحدة، لأن الصعوبات الاقتصادية الحادة بدأت تفجر أزمة الثقة من قبل الشعوب الأوروبية الأقل ثراء تجاه تلك الأكثر ثراء، وهذا يطرح سيناريو آخر وهو إمكانية تفكك الاتحاد الأوربي بعد أن ناهز الستين من عمره