ارتفعت القيمة السوقية لشركة "آبل" الأميركية إلى أكثر من 623 مليار دولار، لتصبح بذلك أكبر شركة في العالم من حيث القيمة، متجاوزةً ما حققته شركة "​مايكروسوفت​" عام 1999 حينما بلغت قيمتها 620.58 مليار دولار آنذاك مع تجاهل أثر التضخم على القيمتين، ويأتي ذلك بالتزامن مع ارتفاع سعر سهم "آبل" بأكثر من 8% خلال الشهر الحالي، وبأكثر من 55% منذ بداية العام الحالي.

وعلى الرغم من أن بعض المحللين ربطوا هذا الارتفاع باستعداد الشركة لإطلاق عدد من المنتجات المهمة أبرزها أحدث نسخة من هاتفها الذكي "آي فون" في الثاني عشر من أيلول القادم، إذ عادة ما يرتفع سهم "آبل" في الفترات التي تسبق إطلاق الشركة لمنجات مهمة، إلا أننا يجب أن لا نغفل عن حقائق أخرى دفعت بالشركة التي عانت كثيراً في تاريخها إلى اعتلاء عرش الشركات العالمية.

تأسست شركة آبل في الأول من نيسان 1976 من قبل كل من ستيف جوبز وستيف وزنياك ورونالد وين، وقد اقتصر عمل الشركة آنذاك على بيع الحواسب الشخصية التي كانت تعرف باسم "آبل-1" بسعر 666.66 دولار للجهاز الواحد أي ما يعادل 2.5 ألف دولار بالقيمة الحالية.

مع بداية عام 1977 تم إدارج الشركة في البورصة لتتحول إلى "شركة آبل المحدودة" وتضمنت عملية التحول هذه بيع رونالد واين لحصته في الشركة في حين انضم إليها المليونير مايك ماركولا مقدماً خبرته التجارية وتمويلاً بلغ 250 ألف دولار أميركي آنذاك.

ومنذ ذلك الحين بدأ تفوق "آبل" يظهر من خلال حاسوب "آبل-2" الذي جاء مختلفاً عن الجهازين المنافسين "تي آر إس 80" و"كومودور بي إي تي" لأنه كان يملك رسومات الغرافيك الملونة والتصميم المفتوح، وفي حين استخدمت النماذج المبكرة شرائطَ كاسيت عادية كوسائل تخزينية، تغلب حاسب "آبل-2" على ذلك من خلال واجهة قرصها المرن الذي وصل حجمه إلى 5.25 بوصة، والمسمى "ديسك-2" وتم استخدام جهاز "آبل-2" كمنصة سطح مكتب لأول "برنامج قاتل" في عالم الأعمال (برنامج الجداول فيزي كالك).

وبحلول نهاية السبعينات، كانت الشركة تمتلك فريقاً من مصممي الكمبيوتر وخطاً للإنتاج، وفي كانون الأول من عام 1980 عرضت "آبل" أسهمها للاكتتاب العام لأول مرة، لتحقق الشركة من خلال الاكتتاب رأس مالاً أكبر من أي اكتتاب آخر منذ اكتتاب شركة "فورد" عام 1956، حيث حققت "آبل" نحو 300 مليون دولار.

بدأ ستيف جوبز العمل على جهاز "آبل- ليزا" عام 1978، ولكنه أُخرج من فريق "ليزا" عام 1982 بسبب الخلافات الداخلية، وسيطر بدلاً من ذلك على مشروع "جيف راسكين" للحواسب قليلة التكلفة "ماكنتوش"، فاشتدت المنافسة بين "قمصان الشركات" العاملين على مشروع "ليزا" و"قراصنة جوبز" العاملين على مشروع "ماكنتوش" حول المنتج الذي سيصل إلى السوق أولاً. وبالفعل فاز جهاز "ليزا" بالسباق عام 1983، وأصبح أول حاسوب شخصي يباع للعامة بواجهة غرافيكية مستخدمية "جوي" ولكن المشروع فشل تجارياً بسبب ارتفاع التكلفة وقلة البرامج المتاحة، لتقوم الشركة عام 1984 بإطلاق حاسوب الـ"ماكنتوش" من خلال الإعلان الشهير "1984"، والذي كان بقيمة 1.5 مليون دولار وهو الإعلان الذي يعتبر الآن حدثاً فاصلاً في نجاح شركة "آبل"، وعلى الرغم من أن مبيعات "ماكنتوش" بدأت بشكل جيد إلا أن سعرها المرتفع وبرامجها المحدودة قلصت هذه المبيعات لاحقاً، فقامت الشركة لتدارك الموقف بطرح طابعة "Laser-writer" والتي كانت أول طابعة ليزرية تباع بسعر معقول، كما طرحت برنامج "PageMaker" والذي كان برنامجاً مبكراً من برامج النشر المكتبي.

وبحلول عام 1985، بدأ صراع على السلطة بين ستيف جوبز والرئيس التنفيذي جون سكالي، والذي كان مر على توظيفه عامان تقريباً، وأدى انحياز مجلس إدارة الشركة لسكولي إلى إقالة جوبز من مهامه الإدارية ليقوم بتأسيس شركة "نيكست" المحدودة في العام نفسه.

يعود النمو المتواصل لـ"آبل" في بدايات الثمانينات إلى ريادتها في قطاع التعليم، بعد استخدامها للغة البرمجة "لوغو"، حيث تم التبرع بحاسوب "آبل" واحد وحزمة برامج "آبل – لوغو" لكل مدرسة عامة في ولاية كاليفورنيا، مما مهد الطريق أمام الشركة لإدخال حواسبها إلى المنازل.

مع بداية التسعينات تعلمت "آبل" درساً مهماً من طرح جهاز "ماكنتوش" المحمول الضخم عام 1989، فقامت بطرح جهاز "باوربوك" عام 1991، الذي وضع أساساً للشكل الحديث والتصميم المريح للكمبيوتر المحمول، إذ تم تصميم "ماكنتوش" المحمول ليكون على نفس القدر من قوة "ماكنتوش" المكتبي، فجاء حينها بوزن 3.178 كيلوغرام بدلاً من 7.718 كيلوغرام، وكان عمر بطاريته 3 ساعات، وباعت الشركة أجهزة بقيمة مليار دولار خلال السنة الأولى من طرحه.

في نفس العام قدمت الشركة نظام "System 7" والذي كان تحديثاً رئيسياً لنظام التشغيل، حيث أضاف الألوان إلى واجهة العرض وقدرات جديدة لربط الشبكات، وظل هذا النظام الأساس التصميمي لنظام تشغيل "ماك" حتى عام 2001.

أدى نجاح "باوربوك" وغيرها من المنتجات إلى زيادة الإيرادات  وبدا لوهلة أن "آبل" لا يمكن أن تخطئ لطرحها المنتجات الجديدة العصرية التي كانت تدر أرباحاً، حيث اعتبرت مجلة "MacAddict"الفترة بين عامي 1989 و1991 كأول عصر ذهبي لـ"ماكنتوش".

بعد ذلك قامت "آبل" بطرح خط حواسيب "سينتريس"، وخط حواسيب "كوادرا" المنخفضة الثمن، وخط حواسيب "بيرفورما" المشؤوم الذي بيع في عدة تكوينات وحزم برمجية مختلَطة ومربكة لتفادي المنافسة مع المحلات الاستهلاكية المختلفة إلا أن النتيجة كانت سيئة على الشركة لأن المستهلكين لم يفهموا الفرق بين النماذج، كما واجهت فشل عدد من المنتجات التي استهدفت المستهلكين بما فيها الكاميرات الرقمية ومشغلات الأقراص المضغوطة السمعية المحمولة ومكبرات الصوت ولوحات ألعاب الفيديو وأجهزة التلفزيون، فضلاً عن أنها استثمرت موارد هائلة في "قسم نيوتن" المليء بالمشاكل، والذي كان مبنياً على أساس توقعات جون سكالي غير الواقعية فيما يتعلق بالأسواق، ليتم التأكد في النهاية من أن هذه المحاولات كانت قليلة ومتأخرة، بينما تراجعت حصة "آبل" من السوق وواصلت أسعار أسهمها في الانخفاض، لتتوقف الشركة عام 1993 عن بيع أجهزة "آبل-2-إي".

وبالتزامن مع ذلك كانت "مايكروسوفت" قد كسب حصة كبيرة في السوق من خلال "ويندوز" لتركيزها على توفير برامج لأجهزة الكمبيوتر الشخصية الرخيصة السلعية، بينما كانت "آبل" تقدم تجربة غنيةً هندسياً ولكنها مكلفة مادياً، مما دفع "آبل" إلى رفع دعوى قضائية ضد "مايكروسوفت" لاستخدامها واجهة مستخدم رسومية مماثلة لتلك التي في "آبل-ليزا" واستمرت الدعوى لسنوات قبل أن يلقى بها خارج المحاكم. وفي نفس الوقت، أدت سلسلة من الاخفاقات الرئيسية في المنتجات وعدم الوفاء بالمواعيد المحددة بتدمير سمعة "آبل" وتم استبدال سكالي بمايكل سبيندلر.

كان حاسوب "نيوتن" أول مشاركة لشركة "آبل" في أسواق المساعد الشخصي الرقمي، كما كان واحداً من الحواسب الأولى في هذه الصناعة، ونظراً لتخبطه المالي ساعد في تمهيد الطريق لجهاز "بالم بايلوت" و"آي فون" في المستقبل.

عام 1994، تحالفت "آبل" مع شركة "آي بي إم" وشركة "موتورولا" وكان الهدف خلق منصة حوسبة جديدة "باور بي سي" والتي ستستخدم أجهزة "موتورولا" و"آي بي إم" مقرونة ببرمجيات "آبل". وفي نفس العام طرحت "آبل" حاسوب "باور ماكنتوش" وهو أول حاسوب من حواسب "آبل" الكثيرة التي عملت باستخدام معالج "آي بي إم".

تم استبدال مايكل سبيندلر بجيل أميليو كرئيس تنفيذي للشركة عام 1996، فأجرى جيل أميليو تغييرات كثيرة في الشركة بما في ذلك تسريحات جماعية للعمال، و بعد محاولات عديدة فاشلة لتحسين نظام التشغيل "ماكنتوش" اختار أميليو شراء شركة "نيكست" المحدودة ونظام تشغيلها "نيكست-ستيب"، وبذلك عاد ستيف جوبز إلى "آبل" مرة أخرى كمستشار، وفي التاسع من تموز 1997 أطاح مجلس الإدارة بجيل أميليو بعد ثلاثة سنوات من انخفاض في سعر السهم وخسائر مالية كبيرة، ليعود جوبز ويشغل منصب الرئيس التنفيذي المؤقت للشركة، وبدأ إعادة هيكلة خط إنتاج الشركة.

في معرض مكوورلد عام 1997 أعلن ستيف جوبز ان "آبل" سوف تنضم إلى "مايكروسوفت" لإطلاق إصدارات جديدة من "مايكروسوفت أوفيس" لأجهزة الـ"ماكنتوش"، وقامت "مايكروسوفت" باستثمار 150 مليون دولار في أسهم "آبل" غير مؤهلة للتصويت، وبعد اشهر افتتحت "آبل" متجر "آبل" ضمن إستراتيجية تصنيع جديدة توصل البناء بالطلب.

وبحلول الخامس عشر من آب 1998 طرحت "آبل" حاسوب "آي ماك" في إطار حواسيب "الكل في واحد" حيث قاد جوناثان إيف فريق تصميم "آي ماك"، وأصبح إيف لاحقاً المصمم لجهازي "آي بود" و"آي فون". وباعت الشركة أكثر من 800 ألف جهاز خلال الأشهر الخمسة الأولى، لتعود الربحية للشركة لأول مرة منذ عام 1993.

وخلال هذه الفترة أقدمت "آبل" على شراء العديد من الشركات لإنشاء محفظة من البرامج الإنتاجية الرقمية المهنية والموجهة نحو المستهلك، ففي عام 1998 أعلنت عن شراء برمجيات "فاينال كات" لشركة "ماكروميديا" مما أشار إلى توسعها في السوق الرقمية لتحرير الفيديو، لتصدر في السنة التالية منتجين لتحرير الفيديو هما "آي موفي" الموجه للمستهلكين، و"فاينال كات برو" الموجه للمهنيين، وأصبح "فاينال كات برو" لاحقاً أحد أهم البرامج في تحرير الفيديو ليبلغ عدد مستخدميع النسجلين نحو 800 ألف مستخدم بحلول عام 2007. وفي عام 2002 اشترت "آبل" شركة "ناثينغ ريال" بسبب برنامج "شيك " المتقدمة رقمياً في الجمع بين خصائص الصور،واشترت أيضا شركة "إيماجيك" لبرنامجها للإنتاج الموسيقي المسمى "لوجيك"، والذي أدى إلى تطوير برنامج "جارادج باند" الموجه للمستهلكين، وأكمل إصدار برنامج "آي فوتو" مجموعة برامج "آي لايف" في نفس العام.

كما أصدرت الشركة نظام تشغيل "ماكنتوش العاشر" في 24 آذار عام 2001، والنظام تمت برمجته على أساس نظامي تشغيل هما "أوبين ستيب" لشركة "نيكست" و"بي إس دي يونيكس" وكان النظام موجهاً للمستهلكين والمهنيين على حد سواء، وكان يجمع بين خصال الاستقرار والموثوقية والأمان المعروفة عن "يونيكس" وسهولة الاستخدام لوجود واجهة مستخدم متوفرة لمساعدة المستخدمين في التحول عن نظام التشغيل "ماك 9".

وفي أيار 2001 افتتحت "آبل" محلات بيع منتجات "آبل" بالتجزئة في ولايتي فرجينيا وكاليفورنيا، وبعدها طرحت مشغل السمعيات الرقمي المحمول "آي بود" الذي كان ناجحاً بامتياز فقد بيع منه أكثر من 100 مليون وحدة في غضون ست سنوات. وفي عام 2003 افتتحت الشركة متجر "آي تيونز" لتنزيل الموسيقى عبر الإنترنت مقابل 0.99 دولار للأغنية، وذلك للتكامل مع أجهزة "آي بود" وسرعان ما أصبحت الخدمةُ الرائدةَ في مجال خدمات الموسيقى على الإنترنت، بما يزيد عن خمسة مليارات عملية تحميل بحلول التاسع عشر من حزيران 2008.

أعلن ستيف جوبز خلال المؤتمر العالمي للمطورين في حزيران 2005 أن "آبل" ستبدأ بإنتاج حواسب "ماكنتوش" العاملة على وحدات معالجة التي تصنعها شركة "إنتل" اعتباراً من 2006. وبالفعل أطلقت الشركة جهاز "ماك بوك برو" وجهاز "آي ماك" وهما أول جهازان يعملان بوحدة معالجة مركزية "كور دو" صنعتها شركة "إنتل"، وبحلول السابع من آب 2006 كانت "آبل" قد حولت كل خط إنتاج أجهزتها إلى استخدام رقائق "إنتل".

خلال هذه الفترة ارتفع سعر سهم "آبل" منذ مطلع عام 2003 وحتى عام 2006 أكثر من عشرة أضعاف، من حوالي 6 دولارات للسهم الواحد إلى ما يزيد عن 80 دولارا للسهم الواحد. وفي كانون الثاني من عام 2006، تجاوزت القيمة السوقية لشركة "آبل" قيمة شركة "ديل"، إلا أنها كانت ما تزال بعيدة جداً عن منافسة "مايكروسوفت" غذ أنها لم تكن تملك أكثر من 8% من سوق أجهزة الكمبيوتر المكتبية والمحمولة في الولايات المتحدة.

مع مطلع عام 2007 أعلن جوبز تغيير اسم شركة "كمبيوتر آبل المحدودة" إلى "شركة آبل المحدودة" بالتزامن مع الإعلان عن جهاز "آي فون" و"تلفزيون آبل"، وفي اليوم التالي وصلت قيمة سهم "آبل" إلى 97.80 دولار، وكان هذا أعلى مستوى له إلى ذلك التاريخ. وفي أيار تجاوز سعر السهم حاجز المئة دولار.

وفي 11 تموز من عام 2008 أطلقت الشركة متجر "آبل" لبيع تطبيقات الطرف الثالث لجهاز "آي فون" وجهاز "آي بود تاتش"، وفي غضون شهر باع المتجر 60 مليون تطبيق بإيرادات يومية بلغت مليون دولار، وبعد ثلاثة أشهر تم الإعلان عن أن "آبل" قد تصبح ثالث أكبر مورد للهواتف في العالم نظرا لشعبية جهاز "آي فون"، وخلال الربع الأول من عام 2009 حققت "آبل" إيرادات بلغت8.16  مليار دولار وأرباحاً قدرها 1.21 مليار دولار، على الرغم من فترة الركود آنذاك وغياب جوبز لأسباب صحية.

ومنذ ذلك الحين استطاعت "آبل" من خلال تنويع منتجاتها وتطويرها وفقاً لرغبات عملائها ومتطلبات السوق من تحقيق أرباح كبيرة حتى قبل أن تقوم بطرح منتج جديد، وتمتلك الشركة حالياً العديد من الحواسب والهواتف الذكية التي تسيطر على حصص سوقية كبيرة، ليؤدي ذلك إلى ارتفاع سهم الشركة المدرج في مؤشر "ناسداك" من 192.06 دولار بداية عام 2010 إلى 666.35 دولار في أحدث التعاملات.

إذن، يمكن أن نخلص إلى أنه على الرغم من أن التوقعات تشير إلى أن "​آي فون 5​" سيحقق للشركة إيرادات كبيرة، إلا أنه لا يمكن أن نختزل هذه المسيرة الطويلة من العمل الشاق في منتج واحد، كما أنه يمكننا أن نتكهن أن قسماً كبيراً من المستثمرين قد يتجهون إلى بيع ما يحوزونه من أسهم الشركة لجني الأرباح بعد هذا الارتفاع الكبير في سعرها (مستوى مقاومة) مما يعني أن سهم الشركة قد يهبط لفترة، إلا أن أغلب الظن أن سيستمر في الارتفاع لاحقاً بالتزامن مع استمرار الشركة في تقديم منتجات مميزة في المستقبل.