تعاني الأردن من تردّي الأوضاع الاقتصادية، ومن عجز شديد في الموازنة والذي بلغ نحو 3 مليارات دولار، ودين عام وصلت قيمته الى 21 مليار دولار، وجاءت الأزمة السورية التي دفعت آلاف العائلات السورية للنزوح صوبها، ليزيد الطين بلّة، بحسب ما أشارت له تصريحات مختلفة في الحكومة الأردنية وفي هيئات المجتمع المدني الأردني.

ورغم إعلان الكثير من الدول العربية والأوروبية والمفوضية العليا لإغاثة اللاجئين عن رصد مبالغ تفوق الـ 120  مليون دولار تقريباً، لا يزال مسؤولون أردنيون يؤكدون أن تلك المبالغ لا تكفي لإغاثة هؤلاء النازحين.

فبحسب احصاءات السلطات الأردنية فإن عدد النازحين و​اللاجئين السوريين​ وصل الى حوالي 140 ألف نازحاً، بينهم حوالي 38 ألف لاجىء  يحتاج لمساعدات وقد تم استيعابهم ضمن مخيمات انشئت خصيصاً لهم، أما النسبة الأكبر المتبقية فلم تستفد من أي مساعدات لا رسمية ولا دولية، حيث ينتشر معظمهم في الداخل الأردني ويقطن في شقق ومبان.

وقد سجلت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأردن أسماء لأكثر من 37.400 نازح سوري في تموز الماضي، وبحسب تقارير المفوضية فإن العدد مرشح لمزيد من الارتفاع مع استمرار تدفق النازحين، وفق التقديرات وقد  تم تسجيل أسماء تفوق ال 3000 نازح خلال هذا الشهر.

 ورغم ذلك تقول منظمات المجتمع المدني في الأردن أن هناك حوالي 50 ألف سوري بحاجة للمساعدة في الأردن. وتقدر الحكومة الأردنية وجود 140 ألف سوري في البلاد، والعديد منهم لا يحتاجون إلى مساعدة فورية ولذلك لم يسجلوا أسماءهم لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.

مخيم الزعتري الساخن

ويتدفق السوريون عبر معبري جابر ورمثا في شمال ​الاردن​، حيث تقوم السلطات بنقلهم في ما بعد الى مخيم الزعتري الذي يبعد نحو 15 كلم من الحدود مع سوريا، وتقول السلطات انه يستوعب نحو 40 % من اجمالي النازحين السوريين الى المملكة، وبعدد وصل الى نحو  7600 لاجىء، رغم ان اللجوء الى الاردن لم يتوقف عند حد وبواقع حوالي 1000 نازح يومياً.

بيد أن مخيم الزعتري يفتقد للكثير من الشروط الأساسية لتوفيراحتياجاتالإنسان، إذ يفتقر الى توفير الطاقة الكهربائية والماء الصحية الكافية، حيث تقوم السلطات الإردنية بتزويد هذا المخيم بالماء عبر الصهاريج، وفق ارتفاع صرخات الكثير من النازحينالمطالبين بتأمين الكهرباء والماء الضرورية،فيماتصلالحرارة الى حوالي 40 درجة مئوية في هذا المخيم الصحراوي.

ويؤكد هذا الأمر النائب السابق في البرلمان الأردني وعضو الهيئة الأردنية لنصرة الشعب السوري علي الضلعي الذي صرح بعد زيارة له للمخيم: " لم أكن أتخيل أن يكون وضع اللاجئين السوريين بهذا السوء في مخيم الزعتري، فهو لا يصلح للاستخدام البشري، فالحياة مستحيلة في هذا المكان الذي يفتقر إلى أبسط المقومات الأساسية للحياة الكريمة".

كما قال ممثل المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لجريدة الدستور الأردنية "أنردو هاربر" أن الاوضاع في مخيم الزعتري ليست مثالية بالتأكيد وهي صعبة وسيئة". مطالباً بتكثيف مساعدات الدول.

لكن أين تكمن المعضلة؟ ، خصوصاً وأن السلطات الأردنية قد حصلت على الكثير من الأموال لإغاثة السوريين النازحين الى اراضيها؟

يقول الناشط الحقوقي محمد البرداني ،  أن المساعدات التي تقدمها الدول الأوروبية "أقل من الحد المطلوب لإغاثة عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين". فيما يقوم الشعب الأردني بمبادرة ذاتيه بتقديم المساعدات التي تفوق كثيراً مما تقدمه الدول الغربية، موضحاً أن ما قدمته كل من المانيا وفرنسا والمغرب  وقطر والدول المختلفة، لا تزال قاصرة!

ونقلت وفود أهلية وشعبية أردنية التي زارت المخيم، شكاوى اللاجئين في مخيم الزعتري، إلا أنها اعتبرت ان افتقار المخيم للحد الأدنى من البنى التحتية لا يعود  لتقصير الجانب الرسمي وحده، بل لشح الامكانيات، وفقر الموازنة التي بالكاد تغطي سداد الفواتير الاستهلاكية.

لكن في ظل هذه الأوضاع ما هو واقع المساعدات والمنح التي حصلت عليها السلطات الأردنية بهدف إغاثة السوريين؟

قيمة المنح والمساعدات

في تموز الماضي أعلنت الولايات المتحدة  عن تقديمها منحة للأردن بقيمة 100 مليون دولار  لمساعدته في استقبال اللاجئين السوريين على اراضيه ولتغطية النقص في الغاز الناتج عن الانقطاعات المتكررة لامدادات الغاز المصري بسبب الانفجارات المتكررة في انابيب الامداد المصرية، وهذا ما زاد من تكلفة النفقات على كاهل الحكومة التي كشفت ان خسائرها الناتجة عن تكرار الانقطاع حوالي مليار دولار هذا العام، ذلك أنها تضطر بفعل ذلك لسد حاجاتها من الغاز عبر الاسواق العالمية المرتفعة الأسعار، فيما تقدر وحدة الطن الحراري الذي تحصل عليه من مصر بـ 3.5 دولار.

وكانت الولايات المتحدة قدمت في بداية العام الحالي دعما ماليا وعسكريا للأردن بقيمة 660 مليون دولار بداية، على أن يتوجه الجزأ الأساسي منه لدعم العجز بالموازنة، ولتتمكن من تغطية النفقات الاضافية التي فرضها واقع الأحداث السورية وتدفق النازحين الى أراضيها، خصوصاً في ضوء ارتفاع تكلفة السلع والمواد الغذائية التي يتم شراءها بغرض توفيرها للنازحين..

كما قدمت هيئات تابعة  للأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية  أميركية مساعدات إغاثة للاجئين السوريين في هذا المخيم وغيره وذلك بالتنسيق مع مختلف الوزارات الأردنية  المختصة، كما أعلنت منظمة اليونيسيف أنها ستقوم بتكثيف مساعداتها للاجئين السوريين  في كافة المواقع، ومنها تلبية الاحتياجات  المتنامية للمياه وأنظمة الصرف الصحي، ومع بداية شهر رمضان عدّل  برنامج الغذاء العالمي جدوله لتوزيع وجبات طعام ساخنة لما يزيد عن 3300 شخص يوميًا في ثلاثة مراكز ومنها مخيم الزعتري. بالإضافة الى 1300 وجبة نهارية يقدنها لغير الصائمين،  كما قام بتوزيع  إعانات مباشرة "رزم" غذائية على نحو 35 ألف سوري، يعيشون في مراكز أخرى في الأردن.

وقدمت ألمانيا مساعدات لدعم اللاجئين السوريين  في الأردن بقيمة 10 ملايين يورو اي حوالي  12.3 مليون دولار، الشهر الماضي، وذلك عبر الحكومة الأردنية، حيث خصص منها ما قيمته 8,5 مليون يورو (12 ملايين دولار) من تلك المساعدات ستقدم لتحسين قطاع المياه المقدمة للاجئين السوريين وتطوير خدماتها وخاصة في الشمال حيث يقع مخيم الزعتري، خصوصاً في ظل تخلف البنية التحتية المائية في المملكة، حيث تعد الأردن من أفقر دول العالم في هذا القطاع، على أن يتم تخصيص باقي المبلغ للشؤون الصحية.

بيد ان الدول الخليجية الغنية بالنفط هي الوحيدة على ما يبدو التي لم تقم بأي مبادرة مع النظام الأردني لكي تساعده في التخفيف عن أعبائه، فقطر مثلاً لم تقم كدولة بتقديم قرض او منحة مالية للأردن لدعمه للاستمرار في إغاثة اللاجئين السوريين،  فيما قامت مؤسسات وهيئات قطرية  بالمؤازرة بتقديم مساعدات بقمية مليون دولار والتي أشرفت على توزيعها "جمعية الكتاب والسنة " بالتعاون مع الهيئة الخيرية الهاشمية.

أما السعودية فقد اقتصرت مساعداتها على تقديم الرزم والسلال  الغذائية كان آخرها منذ يومين، كما تقوم بتقديم وجبات الافطار الرمضانية اليومية، وبواقع  ثلاثة آلاف شخص، والتي تتم عبر الحملة الوطنية لنصرة السوريين.

هذا ويتوقع ان تحصل الاردن على قرض من اليابان بقيمة 150 مليون دولار، خلال هذا الشهر، بحسب ما أفادت وزارة التعاون الدولي الشهر الماضي.

ويلاحظ ان المفوضية العليا  للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين انها غمزت مراراً وعلى لسان ممثلها "أنردو هاربر" من قناة هذه الدول الخليجية، رغم انه قد اجتمع مراراً مع مسؤولين سعوديين وقطريين، الذي صرح منذ يومين:" لا يجب أن يترك الأردن وحيدا في تعامله مع اللاجئين ، وأتمنى على أصدقاء الأردن في المنطقة وخصوصاً الدول الخليجية على زيادة مساعداتهم بما يتناسب مع حجم الأزمة".