جمع بين الصحة العامة والتكنولوجيا الحديثة وعالم الاعمال والاقتصاد، مساهماً في انقاذ ميشيغان من الكساد الذي وقعت فيه، وردم الفجوة بين المستثمرين والباحثين الطبيين..

واجه الطبيب اللبناني رضا جابر في مدينة آن آربر الاميركية بولاية ميشيغان صعوبة في تحديد المكان الذي سيختاره لإتمام إقامته الطبية في مجال علم الأمراض.. بينما كان الموعد النهائي لتسليم أسماء المستشفيات التي يختارها بحلول الساعة 9:00 مساءً من اليوم نفسه، وذلك في 26 شباط من العام 2014. فعمد جابر الى تصنيف أفضل اختياراته بين الجامعات المتوفرة بالترتيب: "جامعة ميشيغان – كلية الطب"، "كلية هنري فورد للطب"، و"مركز ديترويت الطبي".

برع جابر -البالغ من العمر 29 عاماً- في دراسته، حيث حاز على درجة البكالوريوس في مجال البيولوجيا النفسية في العام 2014، الى جانب درجة الماجستير في إدارة الأعمال والطب، ودرجة الماجستير في علوم البحث السريري، وجميعها من "جامعة ميشيغان"، وقد دفعه فضوله المعرفي الى إنجاز دراسته أكثر من أي شيء آخر.

تلقى أثناء مراجعته الاخيرة للقائمة التي سيختار منها، اتصالاً هاتفياً من الرئيس التنفيذي والشريك الإداري لدى شركة "IncWell" سيمون بوغ، وهي شركة استثمارات رأسمالية تتخذ من مدينة ديترويت مقراً لها، واتصالاً آخر من الرئيس التنفيذي السابق لشركة "Chrysler"  توم لازوردا، الذي أسس"IncWell"،  في عام 2013، وذلك بهدف الاستثمار في الشركات الناشئة بمراحلها الأولى. وقد كان بوغ ولازوردا يعتزمان توسيع استثمارات الشركة في مجال الرعاية الصحية، فوقع اختيارهما على جابر لقيادة فريق المهمة.

تدرب الطبيب اللبناني الشاب في مرحلته الأخيرة عام 2015 الماضي بصندوق تمويل للشركات بقيمة 100 مليون دولار، وهو الصندوق الذي أداره بوغ، وشارك في تأسيسه لازوردا. كما عمل على مشروع لـ "IncWell" أثناء عطلته الدراسية الشتوية في كانون الثاني من 2014. مما أثار اعجابهما بشخصيته، ودفعهما الى تقديم عرض انضمامه لهما كشريك في الشركة. يقول لازوردا: "هذا الشاب أثار إعجابنا حقيقةً، فهو ذكي ويمتلك فكراً تحليلياً".

وبعد محادثة جرت بين بوغ ورضا، وبينما لم يتبقَ سوى 15 دقيقة لتقديمه الطلبات. قصد جابر أخاه ريان، وهو طبيب عيون مقيم في "جامعة بافالو" بنيويورك. فاتصل به، لينصحه الأخير بقبول الوظيفة. يقول جابر: "لو اتصل سيمون بوغ بي عند الساعة 9:01، لكنت اليوم أمارس عملي في مستشفى ما.. لكني ما زلت أعمل حتى اللحظة بهدف مساعدة المرضى".

الجدير ذكره، أن"IncWell" التي عمل فيها رضا، تدير مشاريع تصل قيمتها الى نحو 10.5 مليون دولار. وقد استثمرت بين 100 و250 ألف دولار في 38 شركة حول العالم، مع العلم أن %20 من هذه الشركات تُعنى بالرعاية الصحية، ومن بينها "CureLauncher" التي تربط المرضى بالتجارب السريرية، و"Vivid Vision"  التي تساهم بتقديم حلول تستند الى الواقع الافتراضي فيما خص معالجة الرؤية، و"PharmRight" التي تعمل ضمن مجال تصنيع أجهزة صرف الأدوية المنزلية، وهذا الى جانب العديد من الشركات الناشئة التي تتخذ من الغرب مقراً لها.

أما، في ولاية ميشيغان التي ضرب الكساد جميع مفاصلها بين الاعوام 2008 و 2010، حاول المستثمرون المساهمة من اجل تخليصها من الاعتماد على صناعة السيارات، كما تشير احصاءات جمعية "ميشيغان فينشر كابيتال. وقد شهدت مشاريع الاستثمار الرأسمالي في الولاية نمواً وصل الى %143 بين العامين 2014 و2015. وقد سجّلت الولاية أعلى نسبة إنفاق على الأبحاث في مجال الاستثمار الرأسمالي في الولايات المتحدة، كما تم تصنيفها ضمن أعلى 10 ولايات في نصيب الفرد من شهادات الدكتوراه بالهندسة، وبراءات الاختراع والعلوم.

أما رضا جابر فكان دوره يكمن بالعمل على إعادة إحياء ولاية ميشيغان، مما أكسبه الثناء، حيث ترى المديرة المشاركة في "إم في سي أيه" إيميلي هاينز الى أنه يقود عودة الولاية للنشاط". ومن أجل ذلك، خوّلته إنجازاته من حجز مكان لاسمه ضمن قائمة الـ "30 تحت الـ 30" في فئة الرعاية الصحية بمجلة "فوربس" العالمية.

وبالحديث عنه أكثر، على الصعيد الشخصي، فإن رضا جابر هو أحد أبناء المغتربين اللبنانيين الذين تركون وطنهم لبنان في أيام الحرب عام 1977 قاصدين الولايات المتحدة الأميركية، حيث نشأ هناك في مدينة ديربورن.

يقول جابر: "في البداية لم نكن نملك الكثير من الاموال، ومهما كان حجم المال الذي بحوزتنا ، فقد استثمرناه جميعه في مستقبلنا". بعد ذلك، زاد اهتمامه بعالم التقنية. وعقب تخرجه من الثانوية العامة في 2004، لحق بأخيه من اجل اكمال دراسته في "جامعة ميشيغان". حيث تفوق في مجال علم النفس بعامهِ الجامعي الأول، وتخصص في علم البيولوجيا النفسية بهدف دخول كلية الطب.

أثناء عامه الأول ذهب رضا جابر في رحلة جامعية إلى البيرو، مما ألهمه تأسيس منظمة تركّز على صحة المرأة في الدولة. وقد منحه "اتحاد الطلبة" لذلك جائزة بطل جامعة "ميشيغان" تقديراً لعمله في تلك الفترة.

في عام 2011، كان جابر يكمل دراسة البحث السريري. وحصل على منحة بـ 50 ألف دولار أميركي من منظمة "معاهد الصحة الوطنية – NIH" الحكومية للبحث الطبي، وذلك من اجل دراسة "الاكتئاب وأثره على المجتمع العربي – الأميركي". وقد أدى بحثه الذي نشرته مجلة علمية عام 2014 إلى توفير أدوات جديدة لفحص الصحة العقلية لما يزيد على 1500 طفل في منطقة ديربورن.

وفي 2012، صمم تطبيق "Happy App" على "متجر آبل"، وهو تطبيق يتتبع علامات الاكتئاب عبر الهواتف الذكية، وكان ذلك بسبب رغبته في مساعدة المرضى، خاصةً المراهقين منهم، حيث يقوم المستخدمون بالاجابة عن مسح يومي يتضمن 9 أسئلة، ويقوم بمراقبته أطباء سريريون. وبالرغم من حصوله على منحة من ولاية ميشيغان بلغت 35 ألف دولار أميركي، إلا ان جابر قرر إغلاق التطبيق بسبب عدم ضمان استمراريته.

ثم بدأ ينكشف أمام الطبيب اللبناني مساراً وظيفياً يجمع بين مجال الأعمال وشهادتاه الطبية، مما قاده الى الدراسة مجددا والحصول على الماجستير في إدارة الأعمال مع تركيزه على الريادة في مجال الرعاية الصحية.

وشارك أثناء دراسة الماجستير هذه في تطوير أداة أخرى عام 2013 تسمى "MDCases"، تتيح للممارسين المهنيين وطلاب الطب مشاركة حالاتهم الطبية عبر شبكة الإنترنت. وحصدت الأداة آنذاك رواجاً كبيراً ، جعل  كلية الطب في "جامعة ميشيغان" تتبناها ضمن منهجها. فصار الطلاب يستخدمونها بهدف صقل مهاراتهم في التشخيص. وعند تخرجه في عام 2014، حصد جابر لقب "طالب العام" من صحيفة الكلية، كما كان واحداً من 12 طالباً من بين 43،710 طلاب ينالون هذا الشرف.

وكان لتجربة جابر مساهمة كبيرة في ردم الفجوة بين الباحثين الطبيين والمستثمرين. حيث أن المهارات المتكاملة التي اكتسبها من كلا القطاعين جعلته مميزاً بين زملائه.

يرى الاستاذ في "كلية روس لإدارة الأعمال" بـ "جامعة ميشيغان" جيمس برايس أن "من يمتلك خبرة جابر في مجال الاستثمار بالرعاية الصحية، يعتبر ذهباً خالصاً".

في سياق آخر، يجدر الذكر أنه ومنذ انضمام جابر إلى فريق عمل"IncWell"  في العام 2014، تمكنت الشركة من مضاعفة رقم استثماراتها في مجال الصحة الرقمية 4 مرات، ليصل إلى 8 حالياً. كما شهد إجمالي محفظتها نمواً من 10 إلى 38 خلال نفس الفترة. وتتلقى حالياً الشركات الناشئة الرد من الشركاء بغضون 5 إلى 7 أيام من تقديم خطتهم الخاصة بالأعمال، كما تعقد "IncWell"  صفقة الاستثمار في 30 إلى 45 يوماً، وهو ما يعد إنجازاً سريعاً على نحو استثنائي.

واليوم، تتضمن استثمارات اللبناني رضا جابر "فيفيد فيجن" التي تعمل على تقديم حلول تستند على الواقع الافتراضي بهدف معالجة ضعف الرؤية - أو ما يعرف بالعين الكسولة - ، الى جانب شركة "بافلوك" الناشئة للأجهزة القابلة للارتداء، والتي تتمتع اليوم بأكثر من 7 آلاف مستخدم، ومن المتوقع أن تجري تجارب سريرية في وقت متأخر من العام 2016 الحالي، لتحصل على موافقة الجهات التنظيمية.

وبالاضافة الى العدد الكبير من الشهادات التي يحملها جابر، فإنه يتصف بحبّه الكبير للمطالعة، ونظافة مكتبه في مقر "IncWell"  الرئيسي، وأدراجه الفارغة تقريباً، باستثناء نموذج أولي لجهاز "بافلوك".

في عام 2014، شارك اللبناني رضا مع زوجته سارة بتأليف كتاب للأطفال، هو الأول في سلسلة يطلق عليها اسم "ذا فيجيناري كيدز"، وهي سلسلة تروي قصصاً ملهمة للاطفال بهدف تنمية طموحاتهم. وتدور حول حياة مؤسس شركة "آبل" ستيف جوبز. وقد بيع من الكتاب حتى الآن ما يزيد على 400 نسخة.