مع تزايد نفوذ تنظيم "داعش" الإرهابي في المنطقة، تتزايد المخاوف من تمدده من خلال دعمه بالموارد المالية التي تُرسل من دول عديدة إلى عناصره المنتشرة في سوريا والعراق وبعض المناطق على الحدود العربية.

لبنان​ يعتبر من الدول التي ليست بمنأى عن هذا الخطر، و كانت تحقيقات أمنية سابقة قد كشفت عن قيام مجموعات مدنية بإرسل أموالاً ضخمة إلى هذا التنظيم عبر مكاتب "حوالات مالية"، وقد لجأ هؤلاء (المحولون) إلى هذه الطريقة بعد الشروطات والضغوطات التي فرضتها المصارف اللبنانية على الأموال المودعة أو التي يتم تحويلها إلى الخارج.

أما الأكثر خوفاً من عمليات التحويل هذه، هو وجود عدد لا بأس به من هذه المكاتب التي تعمل بصورة غير شرعية وبالتالي هي خارجة عن مراقبة مصرف لبنان لها، وذلك بحسب ما يشير نائب رئيس نقابة الصيارفة في لبنان محمد حلاوة في حديث مع موقع "الإقتصاد".

حلاوة يستغرب بشدة ما يقال عن مبالغ تفوق الأربعين ألف دولار أميركي تم ويتم تحويلها دفعة واحدة عبر مكاتب صيرفة، دون البحث والتدقيق من مصدرها ومن أين وإلى أين تذهب، خاصة في ظل هذه الظروف الامنية العصيبة التي يمرّ بها لبنان.

20 ألف دولار أميركي هو سقف التحويلات وبشروط

ويقول في هذا الصدد "سقف التحويلات المالية من لبنان تحديداً إلى الخارج لا يجب أن يتعدّى العشرين ألف دولار أميركي فقط، ليس ذلك فحسب بل يجب على المرسل تقديم طلب يحتوي على أسئلة مكثّفة يتم فيما بعد عرض الطلب على مصرف لبنان للبحث فيه ".

حلاوة وفي معرض حديثه مع "الإقتصاد"، لفت إلى "أن هناك عدد من شركات الصيرفة (المتخصصة في تحويل الأموال)، تعمل في لبنان دون رخصة، وبحسب النقابة فإن العدد الرسمي للشركات الشرعية لا تتجاوز الخمسين شركة، اما الباقي أصحابها يعملون بطرق خارجة عن القانون، وهؤلاء يمكنهم تحويل هذه القيّم من المبالغ الباهظة".

وعن دور النقابة في مراقبة هذه المكاتب ومكافحتها، يقول حلاوة "هذا دور قوى الآمن الداخلي، هم المعنيون بهذا الأمر وليس نحن، دورنا هو حل مشاكل النقابيين والتواصل مع مصرف لبنان لإعطاء تراخيص للشركات الجديدة، وما إلى ذلك من امور نقابية".

أما عن شروط التحويل فيقول حلاوة " المطلوب ممن يريد إرسال الأموال إلى الدول في الخارج وتحديداً في الدول الخاضعة لنفوذ داعش، إعطاء الاسم الثلاثي للمرسل له ورقم هاتفه الارضي، أما المستلم فعليه أن يظهر هويته ليحصل على الأموال التي دائماً تصل بالليرة السورية، حتى لو تمّ التحويل بالدولار الأميركي من لبنان".

في هذا الصدد حاول موقع "الإقتصاد" مراراً وتكراراً التواصل مع بعض الجهات الأمنية في وزارة الداخلية لمعرفة حقيقة هذه المكاتب "غير الشرعية"، لكننا لم نحصل على جواب واضح.

هكذا تهرّب الأموال

منذ أسبوع تقريباً، أصدرت المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد خليل إبراهيم قراراً بسجن السوري الكردي عبدالله عساف لمدة سنتين بعدإعترافه عن تقاضيه مبالغ طائلة وصلت حدّ المئة ألف دولار أميركي كان يستملها من أشخاص يقومون بإرسالها من العراق إلى سوريا ومن هناك إلى لبنان عبر مكاتب التحويلات المالية، ثم يعود لإرسالها مجدداً إلى مدينة كوباني (شمالي سوريا) ما لفت أنظار الجهات الأمنية اليه وتوقيفه للتحقيق معه.

خلال إستجوابه إعترف عساف أنه كان يستلم مبالغ كبيرة ويقوم بتحويلها مقابل حصوله على نسبة أرباح منها تعادل الـ150 دولاراً، نافياً أن يكون لديه أي علم بالجهة التي تصلها الاموال وتحديداً الجهات الإرهابية كداعش.

وقال عساف  إنه "كان يقصد محلين في بيروت لإرسال الأموال التي يستملها، وهما محل في منطقة قريطم وآخرا في مار الياس، وأن مرسلي هذه المبالغ يثقون به وبامانته لذا كانوا يبعثون بعشرات آلالاف الدولارات اليه ليعيد إرسالها، وبينهم احد أقاربه في كوباني وآخرا في كردستان العراق".

الشكوك التي أثيرت حول عساف كانت بسبب حجم المبالغ الكبيرة جداً التي تصل لرجل يعمل بمهنة "القصابة"، لا سيما أنه بحسب التحرّيات أظهرت ان هناك شخص يدعى حسن هرموش يمتلك محلاً في النبعة أرسل بواسطة عساف وعلى دفعات دة مبالغ تراوحت من 5 إلى 40 ألف دولار، كذلك شخص يدعى ربيع مراد  يمتلك مكتب خدمات سياحية في مار الياس أرسل معه مرتين 100 ألف دولار.

ومن بين مكاتب التحويل التي وردت على لسان عساف خلال التحقيق معه، مكتب "الأهرام" في الضاحية الجنوبية، وهذا المكتب كان في وقت سابق قد وضعته سوريا ضمن المكاتب التي تثير المخاوف والشبهات، كونها ترسل الأموال من لبنان (عبر عملاء وزبائن) إلى محافظة الرقة بسوريا.

وبدوره قام موقع "الإقتصاد" بزيارة إلى هذا المكتب لمعرفة الحقائق، أنكر المسؤول في هذا المحل القيام بمثل هذه التحويلات، وقال بنبرة عالية "تقتصر تحويلاتنا على المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري". في وقت أكّد أحد وكلاء مكتب الهرم في دوحة عرمون أن هناك عدد كبير من السوريين المقيمين في المنطقة يرسلون مبالغ بين الـ7 إلى 9 ألف دولار أميركي، ولكن كل فترة زمنية، كما أكّد الوكيل (الذي رفض الكشف عن إسمه) عمليات تحويل إلى كافة مناطق سوريا منها "الرقة"، فإن عمولة المكتب تبلغ 5000 ل.ل والمرسل اليه يستلم الأموال في اليوم نفسه من مكاتب خاصة بعدما أقفل الهرم أبوابه في تلك المنطقة".

العمولة التي تأخذها معظم المكاتب غير الشرعية، هي أقل بكثير من العمولات التي تأخذها المكاتب المعروفة مثل "ويسترن يونيون" و"ماني غرام"، وفي هذا الصدد قصدنا مكتب لـ"ويسترن يونيون" في منطقة الطيونة، وفي طلبنا منهم عن تحويل مبلغ بقيمة 10 ألف دولار أميركي إلى سوريا، قال أحد الموظفين هناك بأنهم "لا يستطعون تحويل أكثر من 7500 دولار فقط، وقبل الموافقة يجب الخضوع إلى أسئلة محددة وإبراز مستندات ضرورية".

اما قيمة النسبة التي تربحها الشركة المذكورة مقابل تحويل هذا المبلغ هو 100 دولار أميركي. وهنا تنكشف الأسباب التي قد يلجا اليها ممولي هذه التنظيمات، أبرزها عدم الخضوع للمسائلة والكشف عن المعلومات السرية وثانياً نسبة الأرباح الضئيلة بين الـ5 ألف ليرة لبنانية وبين الـ100 دولار أميركي.

عن الموضوع يقول الخبير المالي القانوني صلاح ضاهر موضحا  إنه "يتم تنظيم مكاتب تحويل الأموال أو مكاتب تداول النقد من السلطات النقدية كون نشاطها يؤثر في وضع النقد، حيث تمنح رخص عملها من المصرف المركزي الذي يضع الأطر القانونية والتشريعية لضبط حركة دخول الأموال وخروجها من وإلى لبنان، وفي الوقت عينه لضمان حقوق الأشخاص الذين يتعاملون في هذه التحويلات".

واستطرد "أما في سوريا ونتيجة للحوادث الحاصلة، فإن الفوضى هي المسيطرة حيث يتم تحويل الأموال إلى مكاتب غير مرخص لها على أساس عامل الثقة".

طرق التحايل وتهريب الأموال :

هناك طرق عدة للتحايل على اللوائح الصادرة عن وزارة الخزانة الأميركية ومكتب مراقبة الاصول الاجنبية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وبحسب الخبير القانوني صالح المقدم هناك مثلا " أن يُرسل التحويل باسماء مستعارة سواء من مرسل التحويل او المستفيد، فيكون اسماً مستعاراً تختفي وراءه المنظمة الارهابية كي لا يضبط من خلال هذه اللوائح ويتفلت صاحبه من المراقبة، هذا اذا حصلت التعاملات المالية عبر المصارف والمؤسسات المالية أما اذا حصلت خارج هذا الاطار المصرفي المقونن، اذ يوجد قنوات رديفة منها مصارف الظل أو الحوالات التي تجرى عبر اشخاص متعددين ولا تدخل بالضرورة ضمن هذه الآلية التي تضبط الاسماء والتعاملات".