أمضى طفولته حالما بأن يكون له بيتا يأويه. طامحا بأن يمضي عامه الدراسي دون ان يضطر إلى ترك المدرسة والدخول إلى سوق العمل.

تنقل كثيراً، وعمل في مختلف الدول العربية من السعودية، إلى سلطنة عمان، وصولا إلى الكويت وغيرها من الدول. تحول المطور العقاري أحمد عباس، من عامل يؤمن لقمة عيش أهله، إلى رجل أعمال لبناني يمتلك أكثر من 600 مبنى موزع بين بيروت والضاحية الجنوبية للبنان.

- أين أمضيت طفولتك.. وكيف تحولت إلى أحد أهم المطورين العقاريين في بيروت؟

أمضيت أيام طفولتي في مدرسة حارة حريك. إلا أن الظروف العائلية لم تسمح لي باستكمال دراستي، فاكتفيت بالشهادات الأساسية.

مرت علينا أيام صعبة جدا، أيام فقر وضيق، فهاجرنا عام 1966 وبقينا في الخليج. وبعدما تنقلت في عدد كبير من الدول العربية، واستقريت في السعودية. حيث افتتحت عام 1976 مصنعا للرخام.

لكن بعد فترة قررت العودة إلى لبنان لأمارس عملي فيه.

والسبب الأول الذي دفعني للعودة هو الحنين إليه، والرغبة بالعودة إلى الوطن الأم، بعد عمر طويل من السفر والهجرة.

عندما عدت إلى لبنان، كانت الحرب اللبنانية قد انتهت، وبدأت عملي مباشرة في الداخل. ذلك لأن اللبنانيين كانوا قد بدأوا بنفض غبار الحرب، وأرادوا القيام بمشاريع بناء وإعادة إعمار لما هدمته الحرب.

ولأن الفقر كان قد أتعبني، وأتعب عائلتي، صممت على تأسيس مشروع عمل ناجح لا يعرف الفشل كي لا نعود للفقر مرة ثانية.

فوقع الإختيار بالعمل في مجال التطوير العقاري، نظرا للخبرة التي اكتسبتها جراء بناء مصنع الرخام في السعودية والذي كان أكثر أعمالي نجاحا.

كنت أول من بدأ بمشاريع البناء في منطقة بيروت والضاحية، لكن أعمالي الآن تتركز في بيروت أكثر من الضاحية.

- ما هي الصعوبات التي واجهتها عندما انطلقت بالعمل في الداخل؟

لم نواجه صعوبات عندما بدأنا في العمل، فالأوضاع التي سادت بعد الحرب اللبنانية كانت مؤاتية لننطلق بعمل فريد، تطور بشكل سريع، وأوصلنا إلى النجاح.

- نحن اليوم نقترب من معدل نمو صفر.. فإلى أي حد يتأثر نشاطكم في السوق بالأوضاع الأمنية والإقتصادية؟

نحن لا نتأثر كثيرا بالأوضاع الإقتصادية الراهنة، كما أن السوق العقاري بشكل عام لا يتأثر بالظروف الإقليمية او المحلية.

إلا أن الأشخاص الذين قد يتأثروا بسوء الأوضاع هم الراغبين بالدخول إلى مجال التطوير العقاري، أو من ليس لديهم القدرة على البناء  دون الإستدانة. لأن السوق حاليا يعاني من جمود شديد. والإقبال على شراء الشقق ضعيف. فمن لا يملك القدرة على المنافسة، لا يستطيع دخول سوق العقارات.

- ما هو العنصر الأهم للنجاح الخبرة أم رأس المال؟

النجاح بشكل عام، بحاجة لهذين العنصرين، لكن مجال البناء بشكل خاص يعتمد على الخبرة أكثر من رأس المال.

والأهم من ذلك هو خبرة الفقر والحرمان الذي عشته طوال حياة الطفولة.

لذلك عندما قررت الإنطلاق بالعمل فكرت وصممت بطريقة منطقية، مع وضع هدفين الأول  قريب والثاني بعيد المدى، وعملت على تحقيقهم طوال مسيرتي.

وكان أهم أسباب نجاحي هو الإصرار والتصميم على تجاوز المراحل الصعبة.

- كم تعطي الخبرات التعليمية أهمية في النجاح؟

لا أملك خبرات تعليمية، لأن اليتم حرمني من إكمال دراستي. فكنت في كل سنة أتسجل فيها في المدرسة، أضطر خلالها إلى ترك المقاعد الدراسية للبحث عن عمل، يعيل عائلتي في ظل عدم وجود أب يعيلنا.

فمارست كل المهن، منذ الصغر في المقاهي والمطاعم، كذلك محلات تصليح السيارات. بالطبع الخبرات العلمية تساعد الفرد على النجاح بشكل أسرع.

- هل تفكر بالاسثمار خارج بيروت والضاحية؟

ليس لي مصلحة في الوقت الحالي بالبناء خارج منطقتي بيروت والضاحية، لأنه على الرغم من ضعف تأثير الأوضاع على السوق العقاري، إلا أنه فعليا يعاني الجمود نظرا لتخوف الناس من الإقبال على شراء المنازل.

انا أبحث عن المناطق الشعبية، حيث تستمر فيها بشكل متواصل حركة البيع والشراء. فتنشط الحركة في فترات النمو وتتراجع في فترات الإنكماش والأزمات. إلا أن أسعار الشقق المشجعة في هذه المناطق تجعلها ناشطة دائما وغير متأثرة بالأحداث.

لا أنصح أحد حاليا بالدخول في مجال التطوير العقاري، لأن هناك ممن هم في السوق يعانون من خسائر، وبدأوا يخافون الخروج النهائي من السوق. ومن تبقى في السوق يعتمد على ثروته، وعلى كل المشاريع التي بناها من أمواله دون الإستدانة.

- إلى أي مدى استفدتم من مشروع مصرف الإسكان؟

لولا الإسكان لكان عملنا اليوم في الحضيض. فكل الأشخاص الذين ينتمون إلى الطبقات المتوسطة والفقيرة يدفعون أسعار الشقق بالتقسيط عبر الإسكان. وهم اليوم المحرك الأول للسوق.

نحن نبني مختلف أشكال وأحجام المباني والشقق، إلا أن التوجه اليوم والطلب الاكبر في السوق يركز على الشقق صغيرة الجم والتي بطبيعة الحال بسعر أقل.

فالدورة الإقتصادية، هي حلقات متكاملة. فعندما يعاني الموظف من تدني مستوى الدخل، تنخفض قدرته الشرائية ويبدأ بالبحث على ما هو أوفر له.

وفي حين يعاني البلد من الجمود تبقى الضاحية المنطقة الأكثر نشاطا وتداولا للعقارات.

ينصح الشباب اللبناني بالسفر إلى الخارج، إن استطاعوا ذلك. لأن أمواله أساسها الخارج. وخاصة الى الدول العربية والخليجية المحيطة، التي تعطي دافعا للبنان، سواء لناحية الأموال التي يرسلها المغتربين.

أو لناحية تجميع الأموال والاستثمارفي مشاريع كبيرة توظف اللبنانيين، وتحرك الإقتصاد.