تفوق العراق على إيران وأصبح ثاني أكبر منتجي النفط في منظمة أوبك للمرة الأولى منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، ما يُعد تحولاً رمزياً يشير إلى التأثير الهائل للعقوبات الغربية المفروضة على طهران والتعافي المستمر لصناعة الطاقة العراقية.

وقالت وكالة الطاقة الدولية إن العراق أنتج في الشهر الماضي ما يزيد على ثلاثة ملايين برميل يومياً، وهو أعلى معدل منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على البلاد قبل عقد من الزمان تقريباً. وفي الوقت نفسه، انخفض مستوى الناتج الإيراني من النفط عن ثلاثة ملايين برميل في اليوم للمرة الأولى منذ 20 عاماً، ووصل إلى 2.9 مليون برميل في تموز (يوليو) الماضي.

ويبدو أن الشهر الماضي هو أول شهر يشهد التأثير المتحد لعقوبات الولايات المتحدة المفروضة على طهران والحظر الكامل من الاتحاد الأوروبي على واردات النفط الخام، فضلاً عن حظر عالمي فعلي على التأمين البحري على ناقلات النفط الإيرانية العملاقة.

وقال ​مانتشير تاكين​، محلل النفط في مركز دراسات الطاقة العالمية: "أظهرت مسارات (الإنتاج) المختلفة الأثر الهائل للسياسة على النفط والشرق الأوسط".

وعلى الرغم من أن العراق أحرز تقدماً بتعزيز إنتاجه، إلا أن انخفاض معدل إنتاج النفط الإيراني هو العامل الرئيس في تحول التصنيف من حيث الإنتاج. وعلى مدار الأعوام الخمسة الماضية انخفض إنتاج النفط الإيراني نحو مليون برميل يومياً بسبب جولات عدة من العقوبات ونقص الاستثمار، وفي الوقت ذاته زاد حجم الناتج العراقي من النفط بنحو 800 ألف برميل في اليوم.

ومن المرجح أن تواصل الهوة اتساعها حيث يواصل العراق إعادة بناء صناعة النفط والغاز بتلقى مساعدة تقدر بمليارات الدولارات في مجال الاستثمار من قِبل شركات النفط الأجنبية، فيما تواجه إيران العقوبات الغربية بسبب برنامجها النووي.

ووقعت بغداد على عقود طويلة الأجل في الفترة من نهاية عام 2008 وحتى بداية 2010 مع مجموعة من شركات النفط، منها: إكسون موبيل، وشل الملكية الهولندية، وبرتيش بتروليوم، وتوتال الفرنسية، ولوك أويل الروسية، والنفط الوطنية الصينية، وذلك بهدف تطوير حقول نفط عملاقة جنوبي البلاد. وبعض هذه الحقول يعد من أكبر حقول النفط في العالم، مثل حقلي الرميلة وغرب القرنة.

ووضع العراق هدفاً طموحاً يتمثل في ضخ 12 مليون برميل يومياً بحلول عام 2017، إلا أن مسؤولين ومديرين تنفيذيين في قطاع النفط يرون أن العراق لن يحقق سوى جزء من هذا المستوى.

وقال تاكين: "السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن الإنتاج يرتفع في الوقت الحالي من 3 إلى نحو 4 - 4.5 مليون برميل يومياً"، مردّداً بذلك رأياً تعتقده على نطاق واسع شركات النفط المستثمرة في العراق.

واقترح غاتي ألجبوري، رئيس شركة لوك أويل بالشرق الأوسط، في العام الماضي، بأن يكون الهدف هو ضخ نحو خمسة ملايين برميل يومياً، لكنه نوّه إلى أن هذا يعتمد على البنية التحتية لخطوط الأنابيب.

وإضافة إلى ذلك أبرمت شركات نفط كبرى، مثل شركة غازبروم الروسية، وشركة شيفرون من الولايات المتحدة، صفقات مع إقليم كردستان المتمتع بحكم شبه ذاتي في شمال العراق للاستفادة من حقول نفطية أصغر في هذه المنطقة، لكنها مربحة.. إلا أن هذه الصفقات أثارت توتراً في العلاقات بين بغداد وإربيل. لكن هذا التوتر لم يشكل خطراً على تطور الصناعة بعد.

وتباطأ تعافي إنتاج النفط العراقي في العامين الماضيين. ويرجع ذلك جزئياً إلى الأزمات المتعلقة بالبنية التحتية، متمثلة في عدم وجود قدرة كافية لخطوط الأنابيب وعجز في محطات التصدير لشحن النفط من الحقول إلى الناقلات الموجودة في الخليج. وفي مطلع هذا العام تمكّن العراق من تركيب خطوط أنابيب جديدة وافتتح محطتين للتصدير ساعدتا على مضاعفة طاقة التصدير في جنوب البلاد لتصل إلى ثلاثة ملايين برميل في اليوم.

لكن البلاد لا تزال تواجه تحديات أمنية كبيرة. ولم تحدث في الشهر الحالي سوى عمليتَي تفجير ألحقتا أضراراً بخط أنابيب يحمل النفط الخام من مدينة كركوك في شمال البلاد إلى ميناء جيهان التركي الواقع على البحر المتوسط. كما أن شركات النفط الدولية لا تزال تنتابها حالة من القلق حيال إرسال عاملين أجانب للعمل في العراق.

ويأتي الانخفاض الحاد في معدل إنتاج النفط الإيراني وسط حدة ​التوترات الدبلوماسية​ المتزايدة بشأن برنامج طهران النووي. وفشلت إيران والقوى الغربية في تضييق رقعة الخلافات القائمة بين الطرفين في محادثات رفيعة المستوى أجريت على مدار الأشهر الثلاثة الماضية. وتأمل الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون في أن تجبر العقوبات النفطية طهران على التخلي عن موقفها أثناء المفاوضات وتتجنب مزيداً من الأضرار الاقتصادية. وتسهم صادرات النفط بنصف عائدات الحكومة الإيرانية وتمثل نحو 80 في المائة من إجمالي صادرات البلاد، حسبما قالت وزارة الطاقة الأمريكية.

والزيادة في الإنتاج تترجم إلى مليارات الدولارات في عائدات النفط والغاز. وبحسبما جاء عن وزارة الطاقة الأمريكية، جنت إيران في العام الماضي 95 مليار دولار من بيع نفطها الخام، مقارنة بعائدات العراق التي بلغت 71 مليار دولار. لكن في الأشهر الأربعة الأولى من العام حقق كلا البلدين العائدات نفسها تقريباً - 22 مليار دولار مقابل 24 مليار دولار - وذلك بسبب مستويات إنتاج النفط المتقاربة. ويقول محللون إن مبيعات العراق من النفط ستتجاوز مبيعات إيران بحلول كانون الأول (ديسمبر) وذلك للمرة الأولى منذ غزو صدام حسين للكويت عام 1990.