ظروف الحياة قد تقف عائقا في مرحلة من عمر الإنسان.. لكن الإصرار وبعد الرؤيا ما هي إلا صفات الرجل الطامح إلى النجاح.

ووفاة الأب، بالرغم من تأثيرها النفسي، إلا أنها قد تتحول إلى مسؤولية تفرض على الأولاد التضحية في سبيل تأمين مستلزمات الحياة.

من تلميذ، إلى طالب وسائق تاكسي، ثم صاحب محل لبيع الزيوت، وأخيرا صاحب أهم معمل مواد بناء في منطقة بعلبك الهرمل.

إنه لبنان سلوم، أحد رجال الأعمال اللبنانيين، الذي تحدى ظروف الحياة القاهرة، في منطقة المحرومين، ليؤسس عملا قل نظيره في منطقته.

وللإطلاع أكثر على مسيرة سلوم، وكيف عمل ليؤسس شركة "سلوم للبناء والمقاولات" في بلدته البقاعية يونين كان للـ"إقتصاد" حديثا خاصا معه:

أين تلقيت تعليمك المدرسي؟ وكيف انتقلت من الحياة التعليمية إلى العملية؟

درست في ثانوية بعلبك الرسمية،  ونلت شهادة في علوم الحياة. إلا أن وفاة والدي حالت دون إكمالي دراستي الجامعية.

أيام المدرسة، كنت أعمل كسائق تاكسي قبل وبعد الدوام المدرسي. فأخرج للعمل من الساعة الـ5  وحتى الـ7 صباحا ، وأكمل يومي المدرسي، لأعود بعدها كسائق تاكسي مساءً.

وافتتحت بعدها محلا لزيوت السيارات في بعلبك، وكان يساعدني أيضا أخي في العمل داخل المحل.

من أين انطلقت فكرة مشروع شركة "سلوم للبناء والمقاولات"؟

بدأت فكرة مشروع معمل مواد البناء من حاجة المنطقة لهذا النوع من المعامل. وكنا أول من فكر بهذا العمل، فكنت دائما أسمع المهندسين يقولون "يا ريت لو عنا هيك معمل بالمنطقة".

وعلى الرغم من ضعف خبرتي في مجال البناء، وقلة رأس المال المادي إلا أنني قررت الدخول في هذا المشروع نظرا لتميزه.

من أين أمنت رأس المال المادي الأولي للمشروع؟

عندما انطلقنا بالمشروع، لم نكن نملك رأس مال مادي، واتصلنا بشركة "سابك" التي تصنع مجابل الباطون، لأن المجبل أساسي في المشروع.

ثم استدنا 50 ألف دولار لشراء أرض المعمل، بعد أن رهنا عقارين كان يملكهم أخي في بيروت.

بعد شراء الأرض، لجأت إلى شاب صديقي- مدير بنك في شتورة-، ساندنا حتى حصلنا على كفالات، على أساس أن نستدين 400 ألف دولار، لكننا لم نحصل سوى على 300 ألف دولار.

بهذه الفترة كنت أملك لوحتي سيارات عموميتين، بعت واحدة منها، وحولت ثمنها إلى المعمل.

أرض المعمل كانت بحاجة إلى الكثير من التاهيل، لتصبح صالحة لإنشاء المعمل عليها.

وكنا بهذه الفترات نحصل على الأمول عن طريق كفالات فبعد أن اشترينا الأرض، سجلناها باسم شركة "سلوم"، ما أفسح لنا المجال بالحصول على كفالات.

وعندما حصلنا على قرض الـ300 ألف دولار.. انتظرنا فترة حتى تلقينا قرضا آخر. وهكذا كانت بداية عملنا بالدين.

أما المجبل، فلم يخرج من شركته، إلا بعد أن سددنا كامل مبلغه.

بعد العائق المادي.. ما هي أبرز المشاكل التي تلت انطلاقة المشروع ؟

بما أني لم أكن أملك خبرة في مجال البناء، واجهت مصاعب كثيرة. خصوصا أني كنت أجهل نوعية الرمل أو البحص أو المواد التي نستخدمها.

فقلة المعرفة في مجال المصلحة، يخلق عوائق لا يتوقعها صاحب المشروع مسبقاً.

وبعد فترة زمنية، اكتسبت خبرة، وطورت مشروعي فاستقدمت على سبيل المثال آلة تفحص الرمل. الأمر الذي حسن نوعية العمل. كما أن عملنا يحتاج دائما للمتابعة، فإذا تواجدت أنا في المعمل، على أخي أن يتابع الورش والعكس صحيح، ذلك لأن العامل بطبيعته لا يعطي أفضل نتيجة عنده، إن لم يتابع من رب العمل.

كما أن أكبر المخاطر التي واجهناها ببداية انطلاقتنا والتي لا تزال قائمة حتى اليوم، هي كسب ثقة المستهلكين. فالناس حتى ليوم لا يثقون بالاسمنت الجاهز.. علما بأننا في المجبل نقدم نوعية ممتازة، بشهادة من الكثير ممن يتعاملون معنا.

هل تتعاملون مع زبائن خارج منطقة بعلبك الهرمل؟

نحن لا نؤمن المواد للورش البعيدة عن مركز المعمل، ذلك للمحافظة على نوعية المواد التي نقدمها. فالباطون يخدم كحد أقصى ساعتين ونصف.

وبالنسبة للمنطقة، هناك 3 معامل للإسمنت الجاهز، وكلها تعمل بشكل جيد.. كما أن السوق لا يزال يحتاج إلى معامل، لأن عملية البناء دائمة، إضافة إلى أن المستهلكين باتوا أكثر إدراكا لأهمية الجودة والنوعية ، التي يحصلون عليها عند استخدام الإسمنت الجاهز.

 على صعيد الأولاد، تعمدت إرسالهم للتعلم في مجال عملنا، لإكمال المسيرة التي بدأنا بها. لأن تستليم هكذا مشروع  لشخص من خارج العائلة يعرضنا لمخاطر، أولها النوعية التي نقدمها.

فالطبع أي شخص غريب لن يهتم بنوعية المواد، واستمرارية العمل كاهتمامنا، أو اهتمام أي شخص من ضمن العائلة.

ما هي مشاريعكم المستقبلية، قريبة كانت أم بعيدة المدى؟

نحن نفكر اليوم، بشراء أرض بجانب معملنا الحالي، لإقامة مجبل آخر، ليكون بديلا في حال تعرض المجبل الحالي لأي عطل. فالإستمرارية بالعمل، وتلبية طلب الزبون هما أمران ضروريان.

أما التوسع بشركة من نوع آخر فهو أمر غير وارد حتما، لأن توزيع الوقت على مصلحتين مختلفتين، من حيث نوع العمل يعود بالسلب على المصلحة الأساسية.

كما نفكر باستيراد المواد الخام، وتصنيعها في لبنان، وهذا الأمر بات قريبا. فعلى الرغم من أن الناس يخافون التعامل بالإسمنت الجاهز، إلا أني أتوقع أن يصبح هذا الإسمنت طلبهم بعد 4 أو 5 سنوات.

إلى ذلك توسعنا في عملنا ضمن المنطقة، لنعمل مع شركتين فرنسية وإيرانية كما نتعاون في بعض المشاريع مع الأونروا.

إلى أي مدى يتأثر عملكم بالأوضاع الأمنية والإقتصادية؟

مبدئيا، هناك شيء غير طبيعي في البلد ، فبالرغم من كل التدهور في الوضعين الإقتصادي والأمني ، إلى أن أسعار الأراضي أو الشقق لم ينخفض بشكل ملحوظ، وهناك ربح غير طبيعي.

الأمر الذي يؤكد أن الشعب اللبناني لا يتأثر بالأوضاع، وبالتالي قل ما تنعكس هذه الأوضاع على عملنا.

ما هي نصيحتك للراغبين في تأسيس مشاريع في لبنان؟

الفكرة الأهم في تأسيس أي مشروع، هو أن يكون كاملا من كل النواحي مهما كان بسيطا. هذا ما يعطي الزبائن ثقة بالمحل أو المصنع الذي يتعاملون معه.

ومن الأفضل أن يكون المشروع متميزاً، وأن يجري صاحبه دراسات بالإستعانة مع خبراء في المجال.

من خبرة ورأس مال مادي شبه منعدمين، أسس معملا فريداً، لم يجرؤ بعد الكثيرون على منافسته. يتابع عمله يوميا، دون انقطاع وكأن المصنع يعمل في أيامه الأولى. كل هذا التفاني دفعه إلى التفكير بعيدا، ليتعمد توجيه أبنائه إلى اختصاصات تؤهلهم لإكمال المسير.

فليس على الراغبين بالنجاح، سوى الإصرار والتميز في مشاريع يطلبها سوق العمل.