لا يختلف المشهد في منطقتي زحلة وبعلبك وما بينهما، عن سائر مناطق لبنان.هنا تستقبلك زحلة بزينة وأضواء، لتكمل طريقك إلى منطقة تحاول أن تنفض غبار الحرمان عنها بزينة متواضعة عند مدخلها .

يقصد الناس الأسواق بكثرة ، فالعيد يفرض عليهم شراء زينة وألعاب، لكن حال لسانهم يقول:"عيد بأية حال عدت يا عيد"؟

هذا الازدحام في الأسواق، من ناس وسيارات، يوحي ظاهره بقدرة عيش اللبنانيين ويسرهم، لكنه في الحقيقة ما هو إلا قناع يخفي وراءه تردي أوضاعهم المعيشية، فاقتصاد لبنان المتعثر ينعكس سلبا على القدرة الشرائية للأفراد، ويجعل خياراتهم في التكيف مع الأعياد محدودة،تفرضها حافظة النقود.

وفي جولة ميدانية على الأسواق، ومن خلال مقابلات خاصة أشارت إحدى صاحبات محال الألبسة في زحلة إلى أن الأسعار المعروضة في محالها تتراوح بين الـ35 والـ115 ألف ليرة لبنانية، مشيرة إلى أن هذه الأسعار بالإجمال تتناسب مع كافة الطبقات الإجتماعية. إلا أنه وبحسب تقديرها، انخفض الإقبال هذه السنة 60% مقارنة مع السنة الماضية، نظرا لانخفاض السيولة المتداولة بين الناس.

بينما أشارت أحد النساء المتجولة في أسواق زحلة إلى أن الأسعار متوسطة، منها ما هو مرتفع ومنها ما هو منخفض . وقالت: "بالنسبة لنا كعائلة -ذات وضع إجتماعي متوسط، كانت أوضاعنا المادية في السنة الماضية أفضل بكثير. نحن نملك مصلحة في السوق، فإذا لم نحقق مستوى عال من المبيعات، تنخفض قدرتنا الشرائية، الأمر الذي يؤثر بدوره على الدورة الإقتصادية.

منذ 3 سنوات، كنا نشتري هدايا الميلاد لكل أولادي وأقاربي، أما هذه السنة فاكتفيت بشراء الهدايا لأولادي".

أما عماد- صاحب إستهلاكية- في المنطقة فيؤكد أن المواد الأكثر مبيعا هي الدخان والمشروب الروحي، لافتا إلى أن الوضع في السنة الماضية كان أفضل بكثير.

كذلك قال أن الوقائع تشير إلى أن نسبة المبيع انخفضت منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتابع :"في عهده كنا نفتح المحال 24/24، وبدأت الأوضاع تتراجع سنة تلو الأخرى، إلى أن وصلنا اليوم لوضع إقتصادي مترد".

وبالحديث مع موظفة في محل ألبسة للأطفال، أشارت إلى أن عدد الزبائن تراجع بشكل كبير. وأوضحت أن زبائن المحل الدائمين الذين كانوا يقصدوه لشراء الألبسة بقيمة مليون ليرة لبنانية، هم اليوم يقصدونه لشراء ألبسة بقيمة 500 ألف ليرة كحد أقصى.

في هذا السياق أشار صاحب سلسلة محلات موزعة بين زحلة، الفرزل وبعلبك إلى أن الوضع في هذه المحلات غير مقبول، وهناك تراجع ملحوظ.

إلا أنه أكد أن السبب يعود إلى الضائقة الإقتصادية التي يمر بها الشعب اللبناني ككل، وليس تقصير من المحل.

بل على العكس شدد أنه في هذه السنة، تم عرض بضاعة بكميات أكبر من كل السنوات الفائتة.. الأمر الذي جعل المبيع يتراجع فقط بنسبة 20% ليس أكثر.

وعلى صعيد متصل، أوضح أن نسبة التراجع في محلي بعلبك والفرزل، أكبر من محلات زحلة، لأن الإهتمام بعيد الميلاد في زحلة أكثر من باقي المناطق، إضافة إلى ارتفاع عدد روادها بالنسبة لغيرها.

أما المحال الأقل تضررا من الوضع الإقتصادي اللبناني، فهي محال ألعاب الأطفال.. إذ أشارت صاحبة أحد المتاجر أنه، وبما أن لتبادل الهدايا في عيد الميلاد رمزية أساسية –خاصة للأطفال- فإن نسبة الإقبال، رغم تراجعها تبقى مقبولة جداً.

وقالت: " ما في ولا عيلة بتحرم ولادا فرحة العيد، وفرحة الولد هيي بالهدية".

أما بعلبك، فزينتها المتواضعة تعكس حال سكانها وروادها من كافة المناطق المجاورة. إذ إن الحركة في الأسواق مشابهة لأيامها العادية.

وفي استطلاع ميداني، أشار صاحب أحد محلات الأحذية، إلى أن حركة السوق لا تشبه أبدا الأعياد. إذ إن المواطنين يقصدون السوق لشراء حاجاتهم الإعتيادية، ليس أكثر.

كما أجمع أصحاب المحال، المتواجدة في وسط السوق التجاري، إلى أن الناس أصبحوا يتوجهون إلى السوق الشعبي، خاصة لشراء الخضار والفواكه، كذلك الثياب المستعملة.

وأرجعوا السبب في ذلك، إلى انخفاض القدرة الشرائية للزبائن، الذين أصبحوا يتوجهون إلى أي سوق قد يؤمن المنتجات بأسعار أقل.

وفي السياق عينه، أكد أحد المارة أن الأسعار مقبولة، قد تتماشى مع مختلف الطبقات الإجتماعية. لكنه قال: "إذا الراتب الشهري للشخص لا يكفيه لآخر الشهر، فإنه لن يشتر سوى السلع الأساسية ويستغني عن الكمالية."

وأوضح آخر، أن هذه السنة هي من أصعب السنوات، لافتا إلى أن السيولة منخفضة جدا، يكتفي فيها بشراء ما هو أساسي لتمضية أيام الشتاء القارس دون أن يحتاج أحد. وقال:" بدل ما إشتري ألعاب للولاد، بجيب مازوت لنتدفى".

صحيح أن لبنان، ينعم بوضع أمني مستتب إلى حد ما، إلا أن وضع أبنائه لا يختلف كثيرا عمن يعيشون في بلاد تسودها الحروب. فالتأثر بالازمات المحيطة بات كبيرا.

وعلى ما يبدو، أصبح اللبناني يعيش بسيولة منخفضة، باحثا عن شتى السبل ليمضي شتاءه القارس على أمل أن يكون صيفه أدفأ.