منذ سنتين تقريباً تجتاح أزمة مالية خانقة المؤسسات الإعلامية في لبنان، ما أدّى إلى توقّف عدد كبير من البرامج و الإستغناء عن عدد أكبر من العاملين فيها، ومنهم ينتظر منذ سنوات وأشهر لتحصيل مستحقاته المادية التي لم تصل بعد، والتأخير هو من المحطة او من شركة الإنتاج المخوّلة بدفع بدل أتعاب فريق العمل الذي تعاون في برنامج معيّن.

الآثار السلبية لهذه الأزمة أدت لقطع أرزاق مئات العاملين في مهنة المتاعب وسببت توقف البرامج،  لكن بالنسبة للبرامج الضخمة التي تتولى مهمة دفع تكاليفها شركات عالمية لها ممثلين أو فروع في لبنان، فهي صامدة وتؤمن مداخيل عالية للشركة وللمحطة التي تعرض، ولكن ليس بالشكل الذي كانت عليه قبل الربيع العربي، حين كانت هذه  البرامج في أوج إزدهارها  جراء ريع الإعلانات والدعم المادي سببان في وقوف المحطات بوجه أي عاصفة مالية، ولم يكن هناك أي  تأخر في دفع المستحقات لأصحابها.

قبل الدخول في الأرقام والحسابات المالية  وكيفية تمويل هذه البرامج، لا بد من التوقف عند نقطة مهمة لتوضيح الأمور إلى المهتمين بهذا الشق. هناك فكرة سائدة لدى جميع المواطنين بأن المحطة المسؤولة الأولى عن إنتاج البرامج باكملها، وهي من تتولى دفع المستحقات لفريق العمل، إلا أن الواقع غير ذلك، كون منذ خمسة عشر عاماً دخل مفهوم جديد على خط الإنتاج المتمثل بشركات متخصصة، لاسيما بعد ظهور موضة البرامج الأجنبية المعرّبة والتي تشتريها الشركة وتترجمها إلى النسخة العربية مع تنقيحات طفيفة لتقوم ببيعها إلى محطة محلية معيّنة، بإعتبار أن هذه المحطة لم تعد قادرة كالسابق في إنتاج شبكة برامج خاصة.

شركات الإنتاج في لبنان لا تبوح بأرباحها

على صعيد لبنان، توجد عشرين شركة إنتاج تهتم بصناعة البرامج المحلية أو إستخضار أفكار من دول أجنبية وتعريبها، وهي من تقوم بإختيار فريق العمل الكامل، بين هذه الشركات هناك خمسة  منها هم في الأصل شركات أجنبية لديها مكاتب في لبنان وهم : سوني (أميركية)، إنديمول (مقرها الأساسي هولندا)، بيري با (فرنسا)، يونيفرسال غروب (كاليفورنيا)، إي ماجيك (أميركية).

هذه الشركات المذكورة مهمتها شراء البرامج وحقوق البيع والفكرة من شركات أجنبية، لتعمل بعد ذلك على تنحقيها، وبعد إختيار فريق العمل وإنهاء التحضيرات تقوم الشركة بالإتفاق مع محطة ما لشراء البرنامج منها أو تدخل معها في عملية الإنتاج وتقاسم الأرباح والخسائر.

تقول مسؤولة العلاقات العامة في شركة "إي ماجيك"   نانسي رزق الله، لموقع "الإقتصاد" أنّ "شركة الإنتاج مهمتها دفع مصاريف فريق الإعداد بأكمله، مع تولي قسم من تكاليف التقنيين، فيما القسم الآخر يكون على عاتق المحطة التي ستعرض البرنامج كون لديها تقنيين يقبضون رواتبهم الشهرية من المحطة وبالتالي يعتبر عملهم في البرنامج جزء من عملهم في المحطة، كما تقوم شركة الإنتاج بدفع بدل أتعاب المقدّم والمخرج".

وتضيف "دور المحطة هنا يكمن في تقديم الإستديوهات، وجزء كبير من التقنيات والتقنيين، أما الأرباح فتتقاسمها الشركة والمحطة بحسب الإتفاق المسبق عن نسبة الأرباح وعادة تكون لشركة الإنتاج الحصة الأكبر كونها هي من تدفع المبالغ الأكبر".

مصدر خاص في شركة "إنديمول" (رفض الإفصاح عن إسمه لأسباب إدارية) يقول "بأن معظم البرامج الضخمة التي تعرض على محطات لبنانية هي من إنتاج شركات عالمية لها ممثلين في لبنان، ويتم إختيار لبنان لسبب أساسي  مرده كلفة إنخفاض تأجير الإستوديو عما هو عليه في دول الخليج أو مصر، عدا عن أن أجرة يد العاملة من التقنيين المهمين في لبنان أقل بكثير من العاملين في دول الخليج، لذا يتم تصوير بعض البرامج في لبنان، وبما أن المحطات العربية كالأم بي سي مثلاً، ليس بمقدورها إنتاج عدد كبير من البرامج المكلفة جداً ، يتم الإتفاق مع شركة إنتاج لتقاسم التكاليف المادية، وأحياناً ثم يتم الإتفاق مع محطة محلية لعرض البرامج عندها وتكون بذلك ساهمت المحطة في تقليص كلفة الإنتاج، مقابل حصول الطرف الثالث (المحطة اللبنانية) على أرباح بسيطة، مثلاً برنامج ستار أكاديمي هو من إنتاج شركة أنديمول تعرضه قناة سي بي سي المصرية، ومحطة الأل بي سي الأرضية، والسبب أن تكاليف البرنامج الباهظة لا تتحملها الشركة وحدها ولا الأل بي سي بل تصبح مقسمة بين الثلاثة".

من ناحية الأرباح والتكاليف، يقول هذا المصدر، إن معظم شركات الإنتاج ترفض الإفصاح عن أرباحها، كون هذا يدخل في سياق سرية المهنة، ولكن عادة كلفة الحلقة من برنامج ضخم (آراب أديول، ستار أكاديمي، ديو المشاهير) لا تقل عن الـ25 ألف دولار ولا تزيد عن الـ60 ألف دولار".

ويضيف "الشركات لا تدخل في مشروع خاسر، فهي تعتمد على نسب الإعلانات والتصويت، وعادة يقال أن البرنامج الفلاني حقق أرباح للشركة أو المحطة حين يؤمن 60%  فائض من كلفة الإنتاج".

الشركات الأجنبية تأكل المحلية وتهددها:

لا يمكن إعتبار أن الشركات العالمية التي لديها ممثلين في لبنان (الخمسة المذكورة)، تقع في خسائر بحسب رأيهم، وإلا لتراجعت عن الإنتاج، بل على العكس هذه الشركات تفترس الشركات المحلية المتخصصة في إنتاج البرامج البسيطة، لذا توقفت معظم البرامج عن الظهور كون شركات الإنتاج المحلية (15 شركة تقريباً) لم تعد قادرة على الصمود كثيراً وبالتالي المحطات اللبنانية غير مهتمة بشرائها أو إنتاجها (كما حصل مع طوني خليفة، أو رابعة الزيات ونيشان وغيرهم)، بل تفضّل هذه المحطة تنفيذ برنامج خاص بها، وأن يقوم طاقمها في تنفيذه كون هذا الطاقم يقبض راتبه الشهري وبالتالي لا كلفة إضافية من خارج سرب المحطة.

وهذا ما يؤكده أحد المنتجين في شركة "داي دريمز" المتخصصة في إنتاج البرامج المحلية فيقول للـ"إقتصاد" أن القناة اللبنانية تتمنى عدم التعاون مع شركة إنتاج، وأن  تتولى هي بتنفيذ البرامج كونه أقل كلفة عليها، لكن الأمر الواقع لماديات المحطة يمنعها من تحقيق الحلم، وتجبر مرغمة التعاون مع شركة إنتاج، لذا نرى أن معظم العاملين في برامج محلية يتأخرون في قبض مستحقاتهم، وهناك أشخاص لم يقبضوا منذ 3 سنوات، والسبب هو أن إدارة المحطة تتاخر بدفع المستحقات لشركات الإنتاج المخولة بتقبيض هؤلاء العاملين".

رعاية الشركات المحلية تبعد شبح الخوف عن البرامج

بعض البرامج في لبنان، وتحديداً مقدمي هذه البرامج، لم يعودوا ينتظرون المحطة كي توافق على إنتاج برنامجهم، ولا ينظرون نحو شركات الإنتاج المحلية والتي تتأخر عن دفع المستحقات لفريق عملهم، مفضلين البحث عن راع رسمي للبرنامج، مهمة هذا الأخير تأمين جزء كبير من كلفة الإنتاج (عادة 70 %)، وتكون عادة الكلفة محسوبة عن الحلقة الواحدة وليس البرنامج باكمله، أما بقية التكاليف فهي على عاتق المحطة التي تعرض البرنامج ويتم تحقيق الربح للمخطة من عائدات الإعلانات فقط، أما الراعي فيستفيد من إيرادات الإعلانات ومن الإعلان عن شركته بطريقة مجانية.

وبالنسبة إلى البرامج المحلية، فهي تدفع المستحقات عادة لفريق العمل بطريقتين، بالنسبة إلى الموظفين الثابتين في المحطة فهم يقبضون راتبهم كل آخر شهر، اما القسم الثاني من المبلغ فيقبضوه من شركة الإنتاج كل شهرين أو ثلاثة أشهر، أما بالنسبة إلى المراسلين أو "الفري لانس" فهم ينتظرون ثلاث أشهر للحصول على المستحقات، وهناك محطات تتاخر أكثر من ذلك بالدفع وسببه تردي الوضع المادي في ميزانيتها.

وبحسب المصادر في بعض المحاطت تقول للـ"إقتصاد" بأن "البرنامج الإجتماعي أو الفني المحلي والحصري للمحطة، تكلف الحلفة الواحدة منه بين الـ5 والـ6 ألف دولار، لكن يقابلها 9 ألف دولار أرباح دعايات وأحيانا تقل هذه نسبة، ويمكن إعتبار المعدل الوسطي لأرباح الحلقة الواحدة هو 3 أو 4 ألف دولار أميركي".