في الخريف الماضي أعلنت الحكومة اللبناية أن الأسر الفقيرة في لبنان، والتي تمثل نحو 28% من مجمل سكان لبنان، سوف تستفيد من برنامج حكومي يهدف لمساعدتهم عينياً، وليس مادياً.

وضجّت الاعلانات في الشوارع والطرقات، تتبارى في لفت أنظار جميع اللبنانيين وليس الفقراء منهم وحسب، مثل عبارة كتب عليها "الدولة حدك انت وين"؟حتى يكاد أحدنا يشعر بأن هذا اللبناني المعوزّ حلت مشاكله كلها، ولم يعد هناك ما يشغل باله.

حينها وزير الشؤون الاجتماعية وائل ابو فاعور لم يدع محطة تلفزيون إلا وطلّ منها وهو يشرح عن مزايا هذا البرنامج الذي يموله البنك الدولي وكل من الحكومتين الكندية والإيطالية، وفي إطار اجتماعات "باريس3"، ويهدف لإعانة نحو 150 ألف أسرة لبنانية، داعياً اللبنانيين المستهدفين بالبرنامج الى المسارعة في التقدم للاستفادة منه.

اليوم تجدد الخطاب، ويطل رئيس الجمهورية علينا، ليتلو على اللبنانيين أهمية ومزايا هذا البرنامج، كاشفاً ان نسبة فقراء لبنان بلغت نحو 36% من اجمالي السكان، وأن نحو 28% هم فقراء لا يتخطى دخلهم اليومي ال 4.8 دولار، فيما هناك ما نسبته 8% هم تحت خط الفقر ولا يتجاوز دخلهم ال 2.5 دولار يومياً، ورغم كل ذلك  حتى الآن لم يتم تنفيذ هذا البرنامج الا بشكل خجول.

وبرنامج إعانة الأسر الأكثر فقراً يأتي على شكل تقديمات عينية وخدمات، فبالاضافة للمساعدات الغذائية، يناقش البرنامج اعفاء المستفيدين من رسوم اشتراكات وفواتير الكهرباء، كذلك إعفائهم من رسوم الاقساط المدرسية لأبنائهم في المدارس الحكومية، و تقديم خدمات الرعاية الأولية والأدوية اللازمة المجانية، ولا يزال البرنامج في طوره الترويجي، إذ أكدت مصادر في وزارة الشؤون الاجتماعية، أنه حتى الآن لا تزال اللجان والاقسام المعنية تقوم بتسجيل العائلات التي تتقدم للاستفادة، ويتم إرسال أشخاص للتأكد من صحة المعلومات التي تقدموا بها، وذلك لكي يتمكنوا بحسب تلك المصادر من تنفيذ أهداف البرنامج بدقة.

وحتى الآن لم تكشف وزارة الشؤون الاجتماعية عن عدد العائلات التي تسجلت وتم التحقق منها، كما أنه لم يتم  التصريح عن المبلغ الذي حصلت عليه الدولة اللبنانية لتنفيذ هذا البرنامج، علماً انه وبحسب ما اشيع عندما أطلق هذا البرنامج أن البنك الدولي يهدف الى إرساء خطط الأمان الاجتماعي، وقد تم تقديم المبلغ!

وكانت خطة للإعانة قد وضعتها الحكومة اللبنانية عام 2006 بغية تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي وبناء بنك معلومات وطني حول الأسر الفقيرة في لبنان. وقد تم تنفيذ جزء منها كمرحلة تجريبية في 3 مناطق هي : عين الرمانة، الشياح والطريق الجديدة وذاك ما بين الأعوام 2008 - 2009 ، لكن ومنذ ذلك الحين لم يستتبع الخطة اي خطوات تنفيذية اخرى سوى ما روج له في وسائل الاعلام في نهاية العام الماضي وما اعلن عنه هذا الاسبوع.

وكان بيان صدر العام الماضي عن وزارة الشؤون وكشف آلية عمل هذا البرنامج والذي قال انه سوف يتم تطبيقه على كافة الاراضي اللبنانية، لاختبار أهلية الأسر ومدى حاجاتها، حيث تقوم الاسر الراغبة في الحصول على المساعدة بتقديم طلب لدى مركز الخدمات الانمائية في المنطقة التابعة لها، ومن ثم يقوم باحث اجتماعي بزيارتها والتحقق عبر استمارة من المعلومات التي تقدمت بها. بعد جمع المعلومات وإدخال البيانات والتحقق يتم تحديد المنافع والخدمات التي ستستفيد منها كل اسرة حسب مستوى فقرها.

ويعتبر هذا المشروع الأكثر الحاحا والذي يطال اوسع شريحة من اللبنانيين في ضوء  ما كشفه رئيس الجمهورية منذ يومين  أن هناك حوالي 300 ألف فردا ليس بإمكانهم تأمين احتياجاتهم اليومية، علما انه  من المقرر أن يتم البدء بتطبيقه في 90 مركزا لقسم التنمية الإجتماعية التابع للوزارة على كامل الأراضي اللبنانية.

لكن وسط كل ذلك ثمة تساؤلات يطرحها مراقبون خصوصاً في ظل وجود الكثير من التجارب المماثلة في الصناديق الوطنية التي أوكل اليها مهام تيسير أمور المواطنين وتقديم الأموال والتعويضات لهم، مثل صندوق المهجرين وصندوق الجنوب، والهيئة العليا للإغاثة، ونعلم الفضائح التي اثيرت حولها في حينها ، وكيف تم الالتفاف حولها بحيث تم انفاق الكثير من الاموال التي رصددت لها  سواء عبر قروض ومنح من صناديق عربية  أودولية،  لكن تبين في ما بعد أنها لم تتوجه بقنواتها الصحيحة. والسؤال الذي يطرح هنا: من هي الجهة التي يحق لها مراقبة كيفية الانفاق والمعايير التي ستتبع في تحديد العائلات الأكثر استفادة؟ ومن يضمن أن لا يحصل التلاعب بتلك المعلومات وأحقية الجهات التي ستصرف لها الاعانات او ستستفيد من خدمات الاعفاء من فواتير الكهرباء والاقساط المدرسية وغيرها من خدمات البرنامج؟