لا يقاس الغنى بكميات الأموال المودعة في البنوك، إنما بغنى الأفكار والإبتكارات. ولأن لإله النبيذ باخوس، معبد في بعلبك.. خرج من هذه المنطقة من يقول أن لإنتاج النبيذ أصل، باستطاعته أن يصدر للعالم أجمع.

وبالرغم من الوضع الإقتصادي المتردي الذي يمر به لبنان،إلا أن عائلة جعجع صممت على تأسيس "Chateau Barka" لصناعة النبيذ، نسبة إلى قرية برقا في البقاع الشمالي.

وللإطلاع أكثر على مسيرة ومراحل تطور هذه الشركة، كان للـ"إقتصاد" مقابلة خاصة مع مدير عام "Chateau Barka" حمدان جعجع.

في البداية أين كوّنت خبراتك العلمية وصولاً إلى المهنية؟

درست في مدرسة برقا الرسمية، ثم انتقلت مع العائلة وأكملت دراستي في بيروت.

وعندما انهيت من المرحلة الثانوية، تابعت دراستي في جامعة الحكمة- اختصاص الحقوق- ونلت فيه إجازة عام 1999 وانتسبت بعدها إلى النقابة، لمدة لا تزيد عن السنة.

وعلى الرغم من حبي لمهنة المحاماة، إلا أني التحقت بالعمل في شركة متخصصة بالتغليف والطباعة، وكانت بالنسبة لي فرصة أهم، لأن مغرياتها المادية مشجعة أكثر من المحاماة.

بعد 5 سنوات من البدء في هذا العمل، استطعت أن اكتسب خبرة كافية في مجال الأعمال والمراسلات التجارية، خصوصا وأن التغليف والطباعة تدخل في مختلف الأعمال، على تنوع مجالاتها.

فافتتحت مكتبا تجاريا خاصا، مرتبط بالدول العربية، كالسودان، اليمن، الأردن والعراق، جعلني صلة وصل بين أوروبا والعرب.

كل هذه الأعمال أعطتني خبرة في مجال التجارة وإدارة الأعمال.

ما الذي دفعكم لتأسيس مصنع "Chateau Barka

من أهم العوامل التي دفعتنا إلى تأسيس مصنع النبيذ، هو تخصص أخي ( خبير النبيذ المهندس هشام جعجع ) في علم صناعة النبيذ في فرنسا، واكتشافه أن مصانع النبيذ الموجودة في لبنان-رغم قلة عددها- تستعين بخبراء نبيذ من إسبانيا، أو إيطاليا أو فرنسا.

إلى جانب الوجود الجغرافي لقريتي برقا، لأن في سني دراسة أخي في فرنسا كانوا يصنفون وادي البقاع عالميا بأنه أحد أهم منتجي النبيذ ذو النوعية الجيدة .

وتأكد تصنيف وادي البقاع، وخصوصا القسم الشمالي منه، عندما قالت بعثة فرنسية، أن ارض البقاع الشمالي الممتدة بين عيناتا - برقا- بشوات ودير الأحمر تنتج أجود أنواع النبيذ في العالم، فتحمسنا للمشروع.

ولأن الربيع العربي حال دون إكمال اعمالي التجارية مع مختلف الدول العربية، والتي بدأت تشهد ثورات، فانصرفت الى تنظيم شركتنا العائلية التي كنا قد أسسناها بخمس حصص متساوية بين الشركاء الاشقاء الخمس .

انطلقت الفكرة عام 2009، وابتكرنا اسم الشركة "Vigna Verde"، والتي تعني العريشة الخضراء.

كان الهدف، بناء معمل نبيذ في برقا، والأرض التي ورثناها، كانت مشجعا لأنها تعطي أفخر أنواع النبيذ.

هل تلقيتم دعما ماديا من أحد؟

لم يعد التمويل شيئا صعبا في لبنان إذا كان المشروع منطلق من فكرة مميزة. فقد ابتكرمصرف لبنان قروضا مدعومة لدعم الصناعات والزراعات ، وهي تعتبر ركيزة أساسية للإقتصاد اللبناني.

فاتكلنا جزئيا على قدرتنا المادية، وانطلقنا بالمشروع،لكننا تفاجأنا بأن الكلفة الإجمالية التي خططنا لها، بحدود الـ500 إلى 600 ألف دولار، أصبحت تقدر بمليونين دولار أو أكثر.

فعندما تحول التمويل إلى عائق ، عرضنا مشروعنا على البنوك التي نعرفها، فصنفوه من بين المشاريع الأهم التي يجب دعمها، وعندها حصلنا على مبالغ اضافية لاتمام المشروع . وبالتالي لم يكن التمويل عائقا أمامنا، خصوصا أنهم أخذوا بعين الإعتبار الخبير الموجود في العائلة ونوع العمل.

لأن البنوك العاملة تلتفت إلى أهمية المشروع ونوعيته فوجدوا أن العوامل المشجعة كثيرة من ناحية وجود فريق عمل متكامل، والأرض الصالحة للزراعة، إلى جانب خبير النبيذ.

وكانت الإنطلاقة سهلة، فالمصنع له قدرة على إنتاج من 100 إلى 120 ألف قنينة نبيذ بالسنة، بجودة عالية وممتازة.

كما شاركنا في معارض متخصصة في لبنان وخارجه، مما تطلب ميزانية محددة لهذا العمل، من أجل رسم صورة تليق بمستوى الشركة.

أينحصر عملكم في الداخل اللبناني أم تصدرون إلى الخارج؟

نحن نصدر إلى أوروبا الشرقية بشكل منتظم، عبر وكيل سلوفاكي إلى كل من سلوفاكيا، بولندا وهنغاريا.

كما نصدر إلى فرنسا، وستتم العملية الأولى مع لندن في آخر هذه السنة، كما نعول على الإتفاق المبرم مع أميركا اللاتينية ، والذي يقضي بإلغاء الضريبة الجمركية بين لبنان واسواق أميركا اللاتينية.

ولأن النوعية ممتازة، حاز النبيذ على جائزة في موناكو على مستوى كل مصانع النبيذ في العالم، وكتبت عنه مجلة هولندية، ومن أسبوعين، كتبت عنه مجلة إسبانية على أنه أفضل نبيذ في لبنان.

هل تؤثر الهزات الإقتصادية في لبنان على عملكم؟

بالطبع تؤثر الهزات على عملنا، فبالرغم من الإنطلاقة الميسرة لعملنا، إلا أننا حرمنا قوة السوق الداخلي، بسبب تراجع الرخاء الإقتصادي.

كذلك، فإن سوق النبيذ يعتمد على الشق السياحي، الذي هو بدوره تراجع.. فنحن موجودون في البقاع التي يعتبرها الناس قريبة من عرسال، علما بأنها ليست كذلك.. ومع اضطراب الأوضاع في المنطقة يتراجع أعداد الأشخاص الذين يرغبون بزيارة مصنع النبيذ.

بالتالي تأثرنا بالعامل السياحي، الذي تجلى بجمود البلد بشكل عام، إلى جانب انطلاق مشروعنا بزمن غير مثالي، فما كان علينا إلا الصمود بما هو موجود.

ما هو الأهم، العنصر المادي، أم البشري؟

الأهم في ما يخص عملنا، هو وجود خبير نبيذ كونه اختصاصي من أحد أفراد العائلة. يأتي بنفس الدرجة جغرافية قريتنا، التي تنتج أرضها أفضل أنواع النبيذ.

ويحتل المرتبة الثالثة العنصر المادي، الذي ياتي ليكمل ما سبقه من عناصر.

كما أن العلم وتعدد اللغات هي عوامل أساسية أيضا، ومن المفضل أن يكون للمواد المنتجة مجال للتصدير إلى الخارج، لأنه في حالات الأزمات الداخلية، هذا التعامل مع الخارج يعطي صاحب العمل القدرة على الاستمرار في ظل تراجع السوق الداخلي.

هنا لا بد من الإشارة إلى أن وجود من يدير الشركة من أفراد العائلة، يعطي إنتاجية 10 مرات أكثر من الإستعانة بأشخاص من خارج أفراد العائلة لإدارتها.

ذلك لأن الشركة لا تزال في أول إنطلاقتها، ولم نرثها. فكل يوم تواجهنا صعوبات، وعلى الإدارة اتخاذ قرارات مصيرية، وتحمل مسؤوليتها.

ما هي مشاريعكم المستقبلية؟

سنبدا نهاية السنة الحالية بالتصدير إلى لندن ، ونعمل دائما على تطوير الإنتاج.

مع الإشارة إلى أن أهم ما يميز مصنعنا هو المحافظة على خبير نبيذ واحد في تتابع عمليات الإنتاج، وعلى الكروم نفسها كمصدر للنبيذ ، مما يعطي استقرار بجودة ووهوية النبيذ على خلاف باقي المخامر التي تستعين بخبراء أجانب، وتشتري المواسم فن أراض مختلفة، نظرا لعدم امتلاك تلك الاراضي.

وإلى جانب صنع النبيذ، دخلنا مشروع تعهدات زراعية،ـ فأخذنا وكالة أكبر مشتل كرمة في اليونان ومن اهم مشاتل اوروبا .

عن طريق هذه الشركة نقوم باستيراد شتول الكرمة بناء على دراسة التربة. وعند وجود أشخاص يرغبون بالاستثمار الزراعي، نقوم بفحص التربة في مختبرات، ثم نرسل النتيجة إلى اليونان، لنقوم بعدها بتحديد أنواع الشتول التي تعطي أفضل إنتاج.

بعدها نقوم باستصلاح الأرض ونسلم صاحب العمل الكرم مكتمل.

ونقدم دراسات الملفات بالمجان، لنشكل صلة وصل بين أهل الأرض والبنوك، لنساعد أهل المنطقة.

كما نظمنا في معمل النبيذ في برقا، ندوات لكل أصحاب العقارات في البقاع، لتوجيه الناس للاستفادة من الأرض عن طريق الكفالات والتسهيلات التي تقدمها البنوك.

ما هي نصيحتك للشباب اللبناني خصوصا في ظل الأوضاع التي يمر بها لبنان؟

كل عوامل الإحباط في البلد موجودة، لكنه رغم كل مشاكله وعيوبه، فإن من يمتلك إرادة الوجود والإنطلاق يستطيع تحقيق ذاته.

ومن يريد البقاء، عليه أن يتمتع بقدرة هائلة من الصبر، وجدية بالشغل، بالتأكيد سيحقق أهدافه، شرط أن يكون العمل المراد تأسيسه فريدا.

صحيح أنه لم يرث مصنعا قائما بذاته، إلا أن غنى الأرض التي ورثها عن جده، إلى جانب الخبرة العلمية والعملية شكلت دوافع لتأسيس عمل منفرد، بدأ اسمه يلمع في لبنان والعالم.

مرة أخرى، تثبت العائلات اللبنانية أن لا شيء مستحيل في البلاد، في ظل أدمغة طموحة ومصرة على الاستمرار.