ليس كل إرث ما هو مادي.. فالإرث الحقيقي قد يكون سمعة طيبة وخبرة في مجال الطب لخدمة الناس. أما عن الإستمرار والمحافظة على الإرث، فهو أمر يتعلق بالمثابرة والتصميم على البقاء لاستكمال المسيرة...

هذا ما يختصر مسيرة -رجل الأعمال اللبناني ومدير عام مركز لبيب الطبي في صيدا- معين لبيب أبو ظهر، الذي ورث عن أبيه مركز طبي عمل على توسيعه وتطويره، بالتوافق مع عائلته.

للإطلاع أكثر على مسيرة  معين المهنية، أجرت الـ"إقتصاد" مقابلة خاصة معه..

أين تلقيت دراستك المتوسطة والثانوية وصولا إلى الجامعية؟

درست في مدرسة الإنجيلية في صيدا المعروفة بالأمريكان، منذ الصغر وحتى صف الثاني ثانوي. هنا انتقلت إلى مدرسة الـIC حيث أكملت الثالث ثانوي فرع علوم الحياة.

انتقلت مباشرة بعدها عام 1982 إلى الجامعة الأميركية في بيروت  وتخصصت وتخرجت منها عام 1986 باختصاصي علم النفس وادارة الأعمال.

كم كنت تبلغ من العمر عندما أسس والدك مركز لبيب الطبي؟ وهل كنت تتابع معه مراحل تأسيس وتطور المركز؟

أسس والدي المركز سنة 1974 عندما كنت في التاسعة من عمري، وكان جراحا، وكنا نواكبه أنا وأخي لكن أخي كان أقرب لأنه أكبر مني.

هذا المركز كان يحتوي على 52 سرير لكنه في وقتها كان من أكبر وأحدث المراكز في منطقة الجنوب. وكان يستقطب مرضى من كافة المناطق كالإقليم وصيدا والجنوب.

بعد وفاة والدك.. ما هي الصعوبات التي واجهتك لاستكمال مسيرته؟

قبل وفاة والدي كنت قد بدأت أواكبه في عمله وأتعلم منه حتى أصبح يسلمني المهام.

بعد وفاته كان هناك فراغا كبيرا لشخصه وقيمته، لكن الموضوع كان سهلا إلى حد ما لأني كنت بالأساس قد تسلمت كل المهام الإدارية.

عاد أخي –وهو جراح قلب- من كندا إلى لبنان، وقررنا بالاتفاق مع والدتي وأختي ان نوسع المستشفى، فزدنا مساحتها وقدرة استيعابها، لتصبح 128 سريرا. كما أن عودة أخي أعطت المستشفى دافعا لأنه كان من الأوائل في كندا.

كما أن المستشفى بدا يحقق قفزة نوعية منذ عام 2007 حتى عام 2009 عندما انتهينا من توسيع البناء بشكل نهائي.

سنة 2007 هي السنة التي تلت حرب تموز التي شهدها لبنان عام 2006 ، والتي أدخلته في أزمة إقتصادية نتيجة الدمار كما أن المشاكل السياسية كانت قد تزايدت.

فكيف استطعتم إحراز هذه القفزة النوعية في ظل هذه الظروف؟

القرار كان آنذاك، البقاء في لبنان، وبسبب الطلب على قطاع الطبابة، وعلى المستوى المميز في الخدمة الطبية والتمريضية، وجدنا أن المنطقة تتحمل تقديم هكذا نوعية من الطبابة. كما أن رؤيتنا المستقبلية آنذاك دفعتنا لأخذ قرار البقاء في لبنان والتطور.

وكنا نملك العنصر البشري المميز من أطباء كانوا موجودين مع أبي، أو من أصدقاء أخي استثمرناهم بهدف التقدم. نحن نملك في لبنان عنصر بشري ممتاز في الإدارة والطبابة والتمريض وغيرها. والإستثمار الجيد لهذه العناصر أوصلنا إلى مردود جيد.

هل تواجهك مشاكل إقتصادية؟

على الصعيد الشخصي لا نعاني من مشاكل إقتصادية، لكن قطاع المستشفيات كله يعاني من مشاكل بالسوق، لأنه لا يتقاضى مستحقاته في فترات زمنية معقولة.

وهذا الأمر يعود إلى الإدارة الجيدة التي تستطيع المواكبة بين احتياجات المؤسسة من مصاريف واستثمار وزيادة حجم العمل، والمحافظة على مكانة المؤسسة للاستمرار في دفع رواتب الموظفين وكل ما يتوجب عليها.

كما ان هذا الامر يعتمد على المقدرة الشخصية، مثل استغلال القروض الميسرة المدعومة التي يمكن توظيفها في الاستثمار في مؤسسته ليتطور.

كيف استطاعت المؤسسة المحافظة على سمعتها بعيدا عن قضايا الفساد التي تتعرض لها مؤسسات مشابهة؟ وعلى أي أساس يتم اختيار فريق العمل؟

الأساس في هذا الموضوع هو سياسة المؤسسة، فإذا كانت مثلا سياسة المستشفى العمل بالطريق الصحيح مع كل الجهات الضامنة، فإن الوقوع في قضايا فساد هو أمر مستبعد.

أما فريق العمل فيختار على أساس الشهادات والكفاءات، إلى جانب سيرته الذاتية النظيفة.

بعد مرحلة الإختيار، ندرب الموظف على العمل الصحيح، والتأكد من الفواتير، لتكون صحيحة مع كل الجهات الضامنة.

وبالتالي في مركزنا، بما أننا على صعيد الإدارة العليا نعمل في الطريق الصحيح فإن كل فريق العمل يتبع الطريق ذاته. هذا بالإضافة إلى الرقابة علما بأن تدخل الموظف بالأرقام والفواتير أصبح أمرا مستحيلا في ظل المكننة.

هنا أشير إلى أن العنصر الأهم في هذا الموضوع هو أخلاق الموظف الذاتية التي تمنعه عن ممارسة الخطأ، وهذا الأمر نشدد عليه كثيرا.

هل لديك مشاريع خارج قطاع المستشفيات؟

كلا، الآن في لبنان نركز كثيرا على المستشفى ونعمل على التحسين، والتطور من خلال استثمار العنصر البشري الكفوء، الذي يمتلك الخلفية العلمية اللازمة حسب منصبه، ونستثمر من خلال دورات التدريب داخل المستشفى وخارجها.

وبالتالي فإن تطور المستشفى - بعيدا عن الإستثمار في البناء واستحداث آلات متطورة جديدة، وزيادة عدد الأسرة- يعود بالدرجة الأولى إلى فريق العمل المتكامل.

بعد تجربتكم الطويلة في المركز الطبي.. ما هو بالنسبة اليكم الأساس لبناء مشروع.. الكفاءة أم رأس المال؟

العاملان يكملان بعضهم البعض، إلى جانب امتلاك النظرة المستقبلية التي من شأنها أن ترسم للشخص الهدف الذي يريد الوصول إليه.

نحن أخذنا هذا العمل الذي أسسه أبي، وقررنا أن نكمل. وبالتالي إذا كان الأساس مبني، الأمر يصبح بالطبع أسهل. نحن لم نرث فقط المركز الطبي وإنما السمعة الطيبة التي بناها والدي.

ما هي نصيحتك للشباب اللبناني؟ وبالأخص من يتوجه منهم للسفر؟

للأسف، البقاء في لبنان في ظل هذه الأجواء السائدة أصبح صعباً. والمؤسف الأكثر أن يصبح الإنسان مترددا في البلد الذي أحبه.

لكني أدعو كل لبناني كفوء، وحتى المهني والحرفي، أن لا يتأثر في الجوء السيء وأن لا ينجر في الطرق الخاطئ.لأن العمل الصحيح والسمعة الطيبة هما الاستثمار الحقيقي وهذا ما يعطي مردود ايجابي.

أتمنى أن يبقى الجميع في هذا البلد، على أمل أن يكون الغد أفضل.

لم يفكر يوما بالهجرة، أو بتطوير مشاريع قبل إكمال مسيرة أبيه، آملا من الشباب اللبناني التمسك بالبلد للمحافظة عليه.

فإذا كانت المؤسسة لا تبنى إلا بالكادر البشري الكفوء... فكيف للأوطان أن تنمو وتتطور دون عقول مدبرة، تطمح لغد أفضل!؟