بدأت فضائح النظام المصري السابق  في "تفريطه" بمصالح مصر القومية لصالح اسرائيل، تطوف على السطح مع بدء عودة الاستقرار للبلاد بعد تسلم محمد مرسي لرئاسة الحكم، لتظهر تباعاً  وأبرزها ما يتعلق بالتنقيب عن ​الغاز الطبيعي​ في مياهها الاقليمية والمناطق الاقتصادية التابعة لها في البحر المتوسط، حيث كشفت حقائق، أن  الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك قد تماهى مع أطماع اسرائيل مرتين: مرة عندما باعها مليارات المكعبات من الغاز التي جرّت مباشرة عبر الأراضي المصرية لنحو سبعة سنوات بأسعار شبه رمزية، والثانية عندما غضّ الطرف عن تقارير خبراء مهندسين عرب  تكشف ان اسرائيل تعدّت على المناطق الاقتصادية في جبل " إراتوستينس" المصري  الواقع في شرق البحر الأبيض المتوسط ما بين الحدود الاقليمية لجزيرة قبرص والأراضي المحتلة.

فضائح ترسيم الحدود

فضائح تماهي النظام المصري السابق في ما يتعلق بغضّ الطرف عن مطامع اسرائيل في المناطق الاقتصادية والمياه الاقليمية لمصر لجهة التنقيب عن الغاز، أثارها الباحث الاستراتيجي الدكتور "نائل شافعي" الذي أوضح في دراسة له، أن هناك حقلي غاز اكتشفتهما اسرائيل  وقبرص عام 2010، وتقدر قيمة احتياطياتهما من الغاز بحوالي 200 مليار دولار، يقعان في المياه المصرية "الاقتصادية الخالصة" وعلى بعد 190 كلم شمال منطقة دمياط المصرية  وتقعان على السفح الجنوبي لجبل "إراتوستينس" البحري الذي يقول الباحث ان ملكيته مصرية مثبتة ، علماً ان مساحة المنطقة الاقتصادية الخالصة التي تفصل بين بلدين دولياً يجب ان تكون 200 كلم.

ويوضح الباحث ، انه كان لاسرائيل الكثير من أساليب الضغط والالتواء بالاتفاق مع قبرص لكي يتم وضع اليد على ذلك الجبل الواقع ضمن الاراضي الاقتصادية لمصر، بعد ان تبين انه يحتوي على عدة حقول تحتوي مليارات المكعبات من الغاز الطبيعي، فرغم أن مصر كان قد رسمت حدودها البحرية مع قبرص في عام 2003، بدون تحديد نقطة الانطلاق من ناحية اسرائيل، ثم قامت اسرائيل 2010، برسم حدودها مع قبرص، دون أن تفعل ذلك مع مصر، وبذلك فقد أصبحت حدود اسرائيل  على تماس مباشر مع حدود قبرص!

حقائق وغموض

وبحسب  الباحث  فإن خبراء  قاموا  بتقديم  تفاصيل عن هذه الحقائق للنظام السابق، غير أنهالم تلق ترحيباً، لا بل كان هناك شركة  تدعى "رويال دتش شل" كلفت من الجانب المصري لتقوم بأعمال التنقيب في السفح الجنوبي للجبل المذكور تحت امتياز سمي "نيميد"  عام 1999، إلا أنها توقفت عن ذلك عام 2011 تحت ذريعة أن أعمال الحفر والتنقيب هي عميقة جداً تفوق الـ 2000 كلم، رغم تطمينات سابقة بأن هذه الآبار واعدة،  فيما علم أن حفريات هذه الشركة في أماكن أخرى بلغ عمقها أكثر من 2400 كلم.! والأغرب أن الحكومة المصرية السابقة لم تحاسب تلك الشركة في اي بند جزائي جرّاء توقفها عن العمل.

يقول الدكتور "شافعي":" المثير للعجب أنه حين بدأت ​إسرائيل​ في حفر حقل "فياثان" في جبل"إراتوستينس" البحري، والذي يحتوي على نحو 450 بليون متر مكعب من الغاز الطبيعي  شمال دمياط،  تبين بحسب الرسومات إن مصر لم تعد تجاور قبرص، بل تفصلهما مياه إسرائيلية هي جبل "إراتوستينس" البحري الذي كان مصرياً! والذي تقع فيه أكبر نسبة احتياطيات من الغاز الطبيعي، وبفضله لن تعود اسرائيل بحاجة كبيرة للغاز الطبيعي المصري الذي كانت تحصل عليه والذي يشكل نحو 43% من الاستهلاك الاسرائيلي.

فضيحة صفقة الغاز

وهذا ما حصل فعلاً، فحين استلم المجلس العسكري الحكم، طلب وزير البترول المصري عبد الله غراب من الجانب الاسرائيلي ان يتم اعادة النظر بتسعيرة الغاز أسوة بالأسعار التي تقدمها للأردن أي 3.25 دولار للمليون وحدة حرارية،  بدلاً من 1.25 دولار،  في ضوء ارتفاع أسعار الغاز العالمية، والتي تتراوح ما بين 8  و9 دولارات. إلا أن الجانب الاسرائيلي لم يعجبه الأمر، ووعد بدراسته، لكنه عاد بعد شهرين وأبدى عدم موافقته، وهذا ما أدى الى فسخ عقد البروتوكول، وقال حينها  الجانب الاسرائيلي لوسائل الاعلام ان الخلاف بين مصر واسرائيل هوتجاري وليس سياسي. وتبين في ما بعد أن الجانب الاسرائيلي قد حصل على الغاز القطري وبسعر 2.25 دولار للمليون وحدة حرارية.

وكانت شركة "غاز شرقالبحر المتوسط"،  المصرية والتي يملكها  رجل الأعمال الهارب حسين سالم، وتمتلك "شركة أمبال- أميركان إسرائيل"، 12.5 في المائة من أسهمها، تصدّر الغاز المصري إلى شركات الكهرباء الإسرائيلية عن طريق خط غاز "العريش- أشكلون" يصل بين مصر من جهة والأراضي المحتلة والأردن من جهة أخرى بطول 148 كيلومترًا، بموجب بروتوكول قام به حسني مبارك عام 2005 دون تمريره على البرلمان المصري، الأمر الذي اعتبره الرأي العام  صفقة مشبوهة، ويحاكم الآن الوزير الذي وقّع على تلك الصفقة في عهد مبارك وهو سامح فهمي.

وتلتزم الشركة بموجب هذا البروتوكول بنقل كمية تصل إلى 1.7 مليار متر مكعب سنويا، ولمدة 12 عاماً، ما لبث أن تم تمديده  ليصل  الى عشرين عاما. حتى تم إيقاف التصدير إلى إسرائيل في أيار الماضي،وما سرّع بذلك أن الشركة قد توقفت عن الإيفاء بالتزاماتها للحكومة المصرية لمدة أربعة أشهر.

فضيحة جبل "إراتوستينس" البحري

وفي  مقال نشره  في حزيران الماضي الكاتب الصحفي المصري حسام فتحي يوضح أن فضيحة تغاضي الرئيس مبارك عن استحواذ اسرائيل وقبرص على اكتشافات حقول الغاز العملاقة في جبل "إراتوستينس" كشفها أحد المهندسين المتخصصين ممن عايشوا تلك الفترة، الذي كان يعمل في مجال التنقيب عن الغاز وتم استبعاده من مهامه الفنية الهامة في مصر، ليتوجه للعمل في إحدى الدول الخليجية في ما بعد، ونقل الكاتب الصحفي عن هذا الخبير أنه سبق وعرض مجموعة من الحقائق تتعلق بتلك الحقول التي كان قد عمل بإحداها  الى جهات على صلة بالسلطات المعنية وأخبرهم بحجم الكارثة الوطنية التي تتسبب بخسارة الاقتصاد الوطني مئات ملايين الدولارات.

وقد أرسلت السلطات المصرية  بعثات متخصصة لإثبات حق مصر في الوجود بتلك المنطقة، لكن مع منتصف عام 1999 أرسلت الهيئة العامة للبترول إحدى أكبر شركات التنقيب البحري للعمل في تلك المنطقة، إلا أن جميع التقارير التي أرسلتها تلك الشركة لم يتم التعامل بها، ومنذ ذلك الحين لاأحد يعلم  عنها شيئاً، حتى فوجىء العاملون بها عام 2003 بتوقيع مصر اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع قبرص، ما أثار استغراب واستياء الأوساط المعنية كافة،  فحدود الاراضي المحتلة من اسرائيل  لم تدخل في الترسيم مع الحدود المصرية، وظلت تقوم وحدها بالأبحاث والتنقيب في الجبل البحري المذكور!

تحديات الترسيم أمام الحكم الجديد

وفي ضوء هذه الحقائق  يتوقع خبراء ان تحديات كثيرة تواجه نظام الحكم الجديد في مصر برئاسة محمد مرسي، ومن بينها ملف إعادة ترسيم الحدود مع الأراضي المحتلة من قبل اسرائيل، وإعادة ترسيمها مع قبرص أيضاَ مع الأخذ بعين الاعتبار نقطة الانطلاق من ناحية الشرق  أي جهة الأراضي المحتلة من اسرائيل، وأن تعاود مصر بأقصى سرعة ممكنة لبدء عمليات التنقيب والحفر في امتياز شمال شرق البحر المتوسط "نيميد"، مع بذل قدر كبير من المشاركة والرقابة على سير اعمال التنقيب والإنتاج، حتى ولو رفضت الشركة القديمة "شل" المتعاقد معها في السابق، وأن يتم طرح التعاقد أمام شركات جديدة مهتمة.

لكن وزارة الخارجية المصرية وعلى العكس من ذلك، فقد رفضت الشهر الماضي القيام بترسيم الحدود الشرقية ما بينها وبين الأراضي المحتلة من اسرائيل، تحت حجة أن هذا يضيّع حق الدولة الفلسطينية في ترسيم حدودها بنفسها، مشيرة أن هذا كان من أحد مبادىء التي تم التفاوض عليها في اتفاقية "كامب ديفيد!.

لكن ورغم جميع هذه المعطيات بالمدعّمة بالصور والخرائط والتي وصلت الى المجلس الأعلى للبترول، وتولتها شركات مختصة، إلا أن النتيجة لم تأتِ في الحسبان،  فقد تفاجأت أوساط أمس بالتصريح الذي جاء على لسان المهندس محمد شعيب، رئيس الشركة القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس"، أن تكون إسرائيل أو أى دولة مجاورة لمصر قد قامت بأعمال التنقيب عن البترول والغاز فى مياه مصر الإقليمية الاقتصادية، أو قامت بأعمال الإنتاج من آبار موجودة للمياه التابعة لمصر، نافياً ما تناقلته بعض وسائل الإعلام عن قيام إسرائيل بإنتاج الغاز من حقل يقع ضمن حدود مصر، مضيفا أن هناك تنسيقا تاما بين جهات الدولة المختلفة فى طرح المناطق فى المياه.

وكانت وسائل اعلام ذكرت منذ نحو 10 أيام، أن إسرائيل عزّزت تجهيزاتها العسكرية والبحرية لحماية حقول الغاز الطبيعي المكتشفة في البحر المتوسط، والتي  هي موضع شك بأنها تقع في المياه الاقليمية المصرية، بحسب ما أوردته  وكالة الصحافة الفرنسية، التي قالت أنه وفقاً لخارطة إسرائيل العسكرية، فإن المنطقة الاقتصادية تبلغ مساحتها ضعف مساحة إسرائيل، وهي تمتد شمالاً لتصل إلى 129 كيلومتراً قبالة رأس الناقورة قرب الحدود اللبنانية، وتمتد جنوباً لتصل إلى 204 كلم قبالة عسقلان قرب الحدود الشمالية من قطاع غزة، بما معناه أن لا شأن لمعايير الترسيمات الدولية المعتمدة!.

ولحماية هذه الحقول فإن وزارة الحرب الإسرائيلية خصصت ميزانية تقدر بنحو 620 مليون دولار سنوياً، لإنشاء شبكة دفاعية باسم "الدرع" حول منصات الغاز، ولتعزيز شبكة الدرع الدفاعية، ستحصل إسرائيل على أربع سفن حربية جديدة مجهزة برادارات عالية الأداء، وعلى نظام مضاد للصواريخ البحرية الجوية من نوع باراك، إضافة إلى طائرات استطلاع من دون طيار وزوارق الدوريات التي تمتلكها.

هذا وتستعد اسرائيل حالياً لمد خط لتوريد الغاز الى أوروبا ، من حقولها الجديدة المكتشفة في جبل "إريستانيوس" في شرق البحر المتوسط، وعبر جزيرة قبرص من الطرف اليوناني، بعد أن رفضت تركيا مؤخراً تمرير الخط عبر قبرص الخاضعة للنفوذ التركي.