عادت السلع منذ آب إلى قاع الـ13 عاماً إثر تقرير قوي حول العمل في الولايات المتحدة يوم الجمعة، مما يمهد الطريق أمام حدوث ارتفاع كبير في أسعار الفائدة خلال كانون الأول.

وقد سجّل الدولار ارتفاعاً مع ازدياد احتمال حدوث ارتفاع إضافي قبل نهاية العام بفعل الأقاويل التي تتحدث عن زيادة شبه مؤكدة لأسعار الفائدة في الولايات المتحدة، والتي يُعتقد بأن تكون مترافقة مع اتخاذ إجراءات كمّية إضافية من قبل المصرف المركزي الأوروبي.

وتأتي هذه التطورات بالتزامن مع استمرار حالة الإفراط في معروض أهم السلع، في وقت يتم فيه وضع النمو والطلب العالميين قيد المساءلة، مما يتسبب بالضغط على كل من سلع النمو والسلع القائمة على الاستثمار.

ويعتبر قطّاع السلع الخفيفة القطاع الوحيد الذي حقّق مكاسب خلال الشهر الماضي، حيث يعزى ارتفاعه إلى السكّر، علماً بأن الارتفاع الذي سجلّه كل من السكر وزيت النخيل والألبان أدى لحدوث أكبر قفزة في تكاليف السلع الغذائية العالمية منذ أيلول 2010.

ولا يزال النفط الخام رازحاً تحت ضغوط المعروض الزائد الحالي، والذي لا يبدي أية بوادر قد تنبئ بتراجعه، لاسيما بعد الارتفاع الأسبوعي الذي تم تسجيله في الإنتاج الأميركي.

وقد تضررت المعادن الثمينة بشكل كبير كنتيجة لارتفاع سعر الدولار وازدياد احتمال رفع أسعار الفائدة الأميركية خلال كانون الأول، لذا أمضى المستثمرون أسبوعهم ساعين للخروج من مواقعهم طويلة الأمد التي اتخذوها مؤخراً في السلع الآجلة والصناديق المتداولة في البورصة.

ووصل النحاس إلى قاع عن شهر واحد بعد تراجع الطلبات المصنعية في ألمانيا، مما عزّز المخاوف حيال الطلب في هذه الدولة التي تعتبر المستهلك الثالث للنحاس بعد الصين والولايات المتحدة.

مستثمرو النفط الخام يركّزون على البيانات الأميركية

قدّم تقرير المخزون الأسبوعي- الصادر عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية - مجدداً مجموعة من البيانات الكفيلة بتحريك السوق هذا الأسبوع؛ فبعد الارتفاع القوي الذي تلى التقرير السابق، تراجع النفط الخام عن بعض أرباحه، وسيبقى كل من خام غربي تكساس وخام برنت عالقين بشكل متزايد ضمن النطاقات الثي أخذت منحىً ثابتاً. والآن ثمة احتمال أقوى بأن يتسبب ارتفاع الدولار- بعد تقرير الوظائف الأميركي - بمزيد من ضغوط البيع التي ستسبق نهاية الأسبوع.

ويعزى الضعف الأولي الذي شهده هذا الأسبوع إلى بيانات الإنتاج التي أظهرت ارتفاعاً بمقدار 48 ألف برميل ليصل المخزون إلى 9.16 مليون برميل، علماً بأن الإنتاج الأميركي كان قد سجّل قمة عند 9.6 برميل في اليوم خلال شهر حزيران الماضي، غير أنه سيبقى دون تغيير على المستوى السنوي مع تراجع عدد المنصّات العاملة بنسبة 60%. 

كما سجلّت منطقة بحر الشمال ارتفاعاً في الإنتاج، بالتزامن مع شبه غياب لأي بوادر تعكس نجاح سياسة "أوبك" الثابتة في الحفاظ على معدلات إنتاج عالية بهدف تقليص المعروض من المنتجين ذوي الأسعار المرتفعة. 

لقد كان أداء شركات النفط والغاز المتكاملة معقولاً خلال موسم الأرباح الأخير نظراً لتدفقات أرباحها المتنوعة الناجمة عن أنشطة تحويلية مثل التكرير والصناعات الكيماوية، غير أن ذلك لم يحمها من الحاجة لمواصلة خفض التكاليف، لذلك لا نزال نعتقد بأن هذا القطاع سيشهد مزيداً من الانخفاض في فرص العمل والخطط الاستثمارية.

وسيكون من شأن قرارات التخفيض هذه مساعدة القطّاع والأسعار على التعافي، ولكننا نتوقع أن يزداد إنتاج "أوبك" على المدى القريب بسبب دخول إيران على الخط، مما سيتسبب بمواصلة تأخير عملية إعادة التوازن.

واللافت أن أعمال صيانة المنصات الأميركية تكتمل قبل الوقت المطلوب، الأمر الذي من المفترض به أن يسهم في تعزيز الطلب على النفط الخام، غير أنه قد يتسبب عملياً بارتفاع المخزونات النفطية كنتيجة لانخفاض الطلب على البنزين في نصف الكرة الشمالي أثناء فصل الشتاء. وسيبقى احتمال ارتفاع أسعار برنت وخام غربي تكساس محدوداً إلى أن ينخفض المعروض الصادر عن الآبار.

وستتضمن الأحداث التي ستحرّك السوق خلال الأسبوع القادم- إلى جانب تقرير المخزون الأميركي المعتاد يوم الأربعاء- إصدار "أوبك" لتقريرها الشهري بتاريخ 11 تشرين الثاني، وإصدار وكالة الطاقة الدولية كذلك لتقريرها الشهري في اليوم التالي. وسيسعى المتداولون للبحث عن أي تغييرات في التوقعات حيال نمو الطلب ومستويات الإنتاج قبل نهاية العام الجاري.

الذهب على المحك بعد أسبوع قاسٍ

شهد الذهب والفضة واحداً من أسوأ أسابيعهما منذ سنة بعد إشارة اللجنة الفيدرالية الأميركية للسوق المفتوحة في 28 تشرين الأول إلى المخاطرة التي ينطوي عليها احتمال ارتفاع أسعار الفائدة في كانون الأول.

والآن بعد صدور تقرير الوظائف الذي اتسم بقوّة ملموسة، فإن الطريق أصبح سالكاً أكثر أمام رفع أسعار الفائدة خلال كانون الأول لتصل إلى نحو 75%. كما أسفر التقرير عن نشوء ضغوط تضخمية نظراً للأرباح الساعيّة التي تم تسجيلها على مدى الأشهر الـ12 الماضية، والتي بلغت 2.5%، وهي الأعلى خلال فترة تزيد على 6 أعوام.

أمّا صناديق التحوّط التي ساعدت الذهب على بلوغ سعر 1192 دولار قبل أقل من شهر، فقد استندت هذه المرة إلى أسس خاطئة كنتيجة للهجة القوية التي اتسم بها تقرير اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، لذا شهدت خلال الأيام الثمانية الماضية تصفية طويلة وقاسية. كما أن الانخفاض الذي شهدته الأسبوع الماضي كلٌ من السلع الآجلة والصناديق المتداولة في البورصة يعتبر من أكبر الانخفاضات التي تم تسجيلها على مدى العامين الماضيين.

فضلاً عن ذلك، فإننا نقلّص بشكل كبير توقعاتنا حيال حدوث ارتفاع عند نهاية العام، وذلك لأننا نشك في استقرار التوازن المتشكّل عند قاع أغسطس؛ حيث قلنا سابقاً بأن أول رفع لأسعار الفائدة سيكون فرصة للشراء، ولكن بعد أن أبدت السوق ردة فعل خاطئة تماماً على التطور الأخير، فإننا ننوّه إلى أن عملية إعادة بناء الثقة ستأخذ وقتاً طويلاً.

وسنراقب السوق المادّية عن كثب خلال الأسبوع القادم بحثاً عن بوادر تنبئ إذا ما كان الطلب سيرتفع بعد العودة إلى القاع المسجّل على مدى سنين عديدة. ومن المرجح أن الارتباك حيال كيفية التعامل مع أول رفع لأسعار الفائدة منذ 9 سنوات سيؤدي إلى بقاء السلع- ولاسيما المعادن الثمينة- تحت الضغط قبل اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في 16 كانون الأول.

أسعار الأغذية سجلت ارتفاعاً كبيراً خلال تشرين الأول

أدت عودة ظاهرة "إل نينيو" الجوية إلى تغيير الكثير من الظروف حول العالم؛ إذ تتسبب هذه الظاهرة بمزيد من الجفاف في جنوب غرب آسيا وأستراليا، بينما بالمقابل ترفع احتمال الهطولات المطرية الغزيرة جداً في أميركا الجنوبية. ومن المتوقع أن تكون عواقب ظاهرة "إل نينيو" الحالية الأسوأ خلال عقود، وهو ما ساهم في ارتفاع أسعار الأغذية حول العالم بنسبة 3.9% خلال تشرين الأول.

وكان الارتفاع الذي شهده شهر تشرين الأول، الثاني على التوالي، والأكبر منذ أيلول 2010، غير أن المؤشر لا يزال أخفض بكثير من المستوى الذي سجله خلال الفترة ذاتها من العام السابق، ولكّن منظمة الأغذية والزراعة أشارت إلى أن "احتمال استمرار ارتفاع الأسعار خلال الأشهر القادمة لا يزال قائماً بكل تأكيد".

وفي هذه الأثناء لا يزال معروض الحبوب العالمي كبيراً، مع توقعات بوصول سهم القمح العالمي إلى رقم قياسي جديد خلال موسم 2015/2016، ولكن من ناحية أخرى أدت الظروف الجوية السيئة إلى قفزة في أسعار السكّر، وزيت النخيل، ومنتجات الألبان. وقد سجّل السكر الارتفاع الأكبر من قاعدة منخفضة نسبياً بعد الهطولات المطرية الغزيرة في البرازيل، والجفاف في الهند، في حين أثارت تايلاند مخاوف تتعلق بالمعروض.

بعد الوصول إلى قاع غير مسبوق منذ أعوام عديدة خلال سبتمبر، تابع السكّر ارتفاعه بقوة منذ ذلك الحين. وقد وصلت المراهنات الإيجابية من صناديق التحوّط إلى قمة عن فترة 16 شهراً، ليبلغ السعر 15.50 سنت عن الرطل الواحد الأسبوع الماضي، وهو ما ترافق مع بعض الأنشطة لجني الأرباح.