أحب ​لبنان​ عندما كانت بيروت ست الدنيا وجهة للشركات العالمية. وأحبه بازدهاره الذي أعطاه نظرة إيجابية عن الحياة فيه.

لم تكن بيروت وحدها التي لا تنام، فهو أيضا لم يكن يغمض عيناه أكثر من ثلاث ساعات يومياً. فالنجاح والتميز أساسه المثابرة والتضحيات.

وعلى الرغم من الفوره الإقتصادية التي شهدها لبنان في السبعينات، إلا أنه يتأسف اليوم ليقول أن بلده لن يعود إلى ما كان عليه قبل الـ1975.

إنه الصناعي اللبناني، رئيس غرفة التجارة اللبنانية الأميركية سليم زعني الذي آمن بلبنان، وبضرورة انفتاحه على العالم، وسعى جاهدا لتوطيد العلاقات التجارية اللبنانية الأميركية بكافة أوجهها.

ولمعرفة الأكثرعن كيفية رسم طريق النجاح، كان للإقتصاد حديثا مع عضو مجلس إدارة غرفة التجارة الأميركية العربية الوطنية سليم زعني.

هناك عدة عوامل تؤثر في نجاح الإنسان، وهناك من يرجع السبب إلى الدراسة، الموهبة الشخصية، الكفاءة أو الإرث.

فما هو برأيك العامل الأهم لنجاح الشخص في مهنته؟

الشغف هو الأساس، فإذا لم يحب الشخص أي مهنة يمتهنها، لا يستطيع النجاح فيها سواء ورث المهنة، أو كان لديه الأموال الكافية لاستثمارها.

بالتالي إذا لم يكن محبا لمهنته، ينجح لكنه لا يستطيع التميز، واحتلال المراكز الأولى في مجاله .

وعلى سبيل المثال عندما يكون التلميذ يتابع حياته الدراسية، يتدخل الأهل في توجيهه إلى الإختصاصات والمهن الأكثر انتشاراً كالطبيب والمهندس. فهذه المهن ليس للجميع قدرة على أن يكملوا طريقهم فيها إلا إذا أحبوها.

برأيي الإرث مهم ويسهل طريق النجاح، لكن الأهم أن يرث الشخص شغف وحب العمل في المهنة التي يرثها.

فمثلاً إذا كان الأب طبيبا وأحب ابنه مهنة الطب، بدلا من أن يبدا الإبن من الصفر يبدا بمهنة عمرها 40 سنة.

وأنا على الصعيد الشخصي عمر المهنة التي أمارسها هو 80 سنة في المجال، لأهلي الفضل بـ40 سنة فيها.

ويتبع الشغف، المثابرة والثبات، إلى جانب الفرص التي نطورها ونعمل عليها.

هل الغنى هو غنى الأموال، أم بالنجاح في العمل حتى لو على صعيد منطقة صغيرة؟

في تحديد مفهوم الغنى، لا بد من معرفة أن الأموال ليست الغنى. فالغنى هو النجاح لو على صعيد منطقة صغيرة.

والغني هو من ينفق الأموال على حياته وعائلته ويستطيع أن يكون سخيا ومعطاء.

فهناك من يملك المليارات لكنه فقير النفس، ومن يعيش فقيرا ويموت غنيا.

إلى أي مدى على الشخص الناجح السعي لإحداث فروقات في محيطه؟

عندما يكون لدى الشخص الناجح المقدرة على مساعدة من حوله، ومساعدتهم على تحسين أوضاعهم، فهذه قمة الكرم والأخلاق بالنسبة لي.

كم تعطي من الأهمية للدراسة، خصوصا في ظل النجاحات التي يحققها أشخاص في مجالات مختلفة عن اختصاصاتهم الجامعية؟

برأيي الشخصي، أكثرية الدراسة في المدارس والجامعات هي بناء وتدريب النفس، وهي التي تنظم طريقة التفكير.

والجامعات والمدارس التي تعتمد فقط على البصم هي جامعات فاشلة.

ماذا عن مركز زعني الذي يضم عددا من المختبرات الحديثة للتكنولوجيا والهندسة في جامعة البلمند؟

عندما شهد العالم ذروة الثورة التكنولوجية، كان لبنان منشغلا بالحرب الأهلية في الفترة ما بين الـ1975 والـ1990 ما أحدث هوة بين لبنان وسائر دول العالم.

بالتالي فالشباب الذين بقوا في لبنان لم يعرفوا كيف تطورت التكنولوجيا ووصلت إليهم محصلة التكنولوجيا عندما تم إدخالها في البرامج المدرسية والجامعية.

من هنا بدأت الفكرة في خلق مركز تكنولوجي لإعطاء الشباب إمكانية التمرن وإجراء الأعمال التطبيقية.

ما السبب الكامن وراء تأسيس الغرفة اللبنانية الأميركية ؟

في فترة الحرب وما بعدها كان هناك تفكير ونظرة خاطئة للأوضاع، تمثلت في عدم إعطاء الأهمية للعلاقات اللبنانية الأميركية.

وقتها اجتمعنا كعدة هيئات إقتصادية، وكنا نود الانطلاق باتجاه العالم، فخرجنا بعد عام 1992 لنقول للعالم أننا عدنا للعمل.

أولى انطلاقاتنا كانت بتوجه رئيس المجلس الإقتصادي والإجتماعي روجيه نسناس إلى فرنسا على رأس وفد من حوالي 100 شخص.

ومن ثم انطلقنا إلى أميركا، لأن من يفكر أنه بإمكانه إقامة عمل خارج العلاقات التجارية والإقتصادية مع الولايات المتحدة فهو يسخف موضوع الإقتصاد والمال.

فمختلف العمليات التجارية اليوم تتم بالدولار من شراء سيارات إلى نفط وغيرها.

وبوقتها كان على هناك حظر على المواطنين الأميركين يمنع دخولهم إلى لبنان، كما أنه لم يكن حتى هناك سفيرا في لبنان إنما قائما بالأعمال.

وهذه الفترة تزامنت مع البدء بمشروع إعمار لبنان لكنه كان ينتقص إلى العلاقات اللبنانية الأميركية نظرا للمقاطعة الأميركية الكلية للبنان.

فتوجهنا إلى أميركا، وأوصلنا الأفكار التي يمكن للموطن ، الاقتصادي والتاجر الأميركي أن يفهمها وهو مصلحة لبنان من العلاقة مع أميركا، وأظهرنا للجانب الأميركي ما يمكن أن يخسروه من هذه المقاطعة على صعيد فرص العمل ، العلاقات والمدخل كوسيط إلى المنطقة.

حينها كان يحكى بـ20 مليار دولار لإعادة إعمار لبنان تتضمن وسط بيروت والبنى التحتية.

وأثبتنا لهم أن كل مليار دولار-بحسب الدراسات الأميركية- يسهمون فيه لإعادة إعمار لبنان يخلق 40 ألف وظيفة.

هنا أظهر الجانب الأميركي تجاوبا معنا وعين سفير أميركي في لبنان، وأوضحنا لهم أنه من المهم أن يذهب التاجر والصناعي والاقتصادي اللبناني للبحث في التجارة بين الجانبين.

وفي الحقيقة لم تكن الدولة اللبنانية تلاحق مسألة حصول اللبناني للفيزا الأميركية مباشرة من لبنان.

بعد سنة من المحادثات، أصبح بإمكان اللبناني الحصول على فيزا.

هل حققت الغرفة -خلال السنوات السابقة- إلى جانب الإنجازات السابقة ارتفاعا في حجم التبادل التجاري؟

في السابق، كانت قيمة التبادلات تتراوح بين 200 و250 مليون دولار، أما في السنوات الأخيرة فباتت تسجل مليارين ونصف وتختلف بحسب سعر صرف الدولار إلى اليورو.

وفي ظل الأوضاع الحالية في لبنان، لا يوجد أية مشاريع أميركية أو أوروبية، ولا حتى لبنانية، لكن لا يمكن إنكار أنه في فترة من الفترات أصبح هناك مشاريع أميركية وغيرها.

وبالتالي عن طريق هذه الغرفة خلقنا جو التبادل التجاري بين لبنان وأميركا.

إلى أي درجة ساعدتكم الحكومة واهتمت في موضوع تعزيز العلاقات إن كان على الصعيد المعنوي أم غيره؟

نحن أنجزنا ما آمنا به، ولا يمكننا إنكار أننا دعمنا على الصعيد المعنوي.

فقد دعمنا في عدة مراحل من حاكم مصرف لبنان، ومن وزيرة المالية ريا الحسن، ومن الوزير جهاد أزعور، ونقولا النحاس، وكانوا عندما نطلب منهم مرافقتنا يلبون الطلب.

نحن ندخل كقطاع خاص يربط مجددا العلاقة بين البلدين.

هل تستهدفون المغتربين؟

نحن ننفتح ونتعامل مع الجميع، لكن لا نستهدفهم كفئة منفصلة عن غيرهم.

في الواقع يجب تهيئة جو إستثماري  للمغتربين والأميركيين ، علما بأن لا جو إستثماري ولا حتى حتى تسهيلات أو تراخيص سهلة. بالرغم من كل هذا الوضع نحن نعمل على استقطاب التوظيفات إلى لبنان.

مع الإشارة إلى أن اللبناني المغترب اليوم مثله مثل الأجنبي، لا يوظف أمواله في أي مكان يواجه فيه خطرا، علما بأن الكثير منهم عمل في العقارات ولم يخسروا.

أنا لا أعارض الهجرة إلى الدول العربية... ومن يفكر بالتجارة بعيدا عن أميركا يسخف الإقتصاد

ما هي الصعوبات التي واجهتكم لإقناع الأميركي للإستثمار في لبنان؟

عندما توجهنا إلى أميركا، كان من السهل إقناع الأميركيين للتوظيف في لبنان، فكان هناك الكثير من الأموال تصرف في البلد وكان من السهل إقناعهم للتصدير إلى لبنان أيضا.

لكننا اليوم نعاني من أزمة، هذا لا يعني أننا ننقل صورة متشائمة عن لبنان، إنما ننقل الواقع ونحاول قدر المستطاع إقناعهم أنه بالرغم من هذه الأوضاع هناك مجال للإستثمار.

بالواقع الفعلي لم تواجه الهيئة صعوبات مع الولايات المتحدة، وكانوا دائما إيجابيين في التعاطي معنا، لكن كان هناك حدود عند المس بأمنهم القومي.وهذا الامر ظهر عندما حاولنا فتح خط طيران مباشر من لبنان الى اميركا، إذ رفضوا هذا الطلب لانه يمس بامنهم الخاص.

بالعودة إلى عملك، كم أعطيت أهمية لفريق العمل وهل كان فعال في عملك أم كنت تقوم بأغلب الأعمال بمفردك؟

بالطبع لا يمكن بناء مؤسسة دون فريق عمل، وهذا أساس.. والنباهة تكمن في خلق مؤسسة.

إنما في المؤسسات العائلية التي تنتقل من جيل إلى آخر، إذا كان هناك حاجة إلى الإستعانة بأشخاص من خارج العائلة لإدارتها فهذا ليس خطأ، حتى لا تتوقف المؤسسة عند جيل محدد.

هل تستمر وتنجح المؤسسة إذا بقيت عائلية أو يجب تحويلها لشركة مساهمة؟

إن تحويل الشركة من عائلية إلى مساهمة ليس بالأمر الخاطئ، فمن الأسهل العمل من خلال بنية تمويلية واضحة، لكن هذا لا يعني إخفاء هوية المؤسسة عند تحويلها إلى مساهمة.

زنلاحظ أن في كل أنحاء العالم يوجد توجه للمحافظة على هوية المؤسسة وعلى أن تظل عائلية.

هناك الكثير ممن يقولون بأنهم لو أنجزوا ذات الأعمال المحققة في لبنان في الخارج لكانوا ربحوا أكثر، فهل فكرت بالسفر؟

إن العمل على المستوى الضيق متعب كغيره من الأعمال، لكن مردوده ليس بالكبير. والعمل في سوق أكبر، فيه إحتمالات أكثر من الطبيعي أن يكون مردوده أكبر. 

لكن لبنان لا يزال منذ وجوده صغيرا،وسوقه صغيرة.

هنا لا بد من الإشارة إلى أن الحرب قضت على الحماس الموجود عند اللبناني، وهو الأمر المطلوب للإنطلاق والدخول في الأسواق الكبيرة، فعلى الرغم من أن لبنان بلدا صغيرا إلا أن أسواق العالم مفتوحة أمامنا، وأكبر خطأ هو تسكير الحدود مع الخارج،  كما أننا لم ندخل منظمة التجارة العالمية.

يجب إيجاد طرق لدعم الصناعة وتطويرها، لكي ينافسوا في الخارج.

ما هي نصيحتك للجيل الجديد من خريجي الجامعات؟

اليوم ترتفع نسبة المهاجرين، فعند تخريج نسبة كبيرة من المهندسين في لبنان ليس لهم سوق عمل ، من الطبيعي أن ينطلقوا إلى الأسواق وبخاصة في الدول العربية.

أنا لا أعارض الهجرة إلى الجوار العربي، لأن الشاب الذي يهاجر سيعود حتما لأن في الدول العربية لا مجال للحصول على جنسية ولا حتى إقامة دائمة.

هذا إلى جانب ضخهم أموالا في البلاد وتحريك قطاعات كالبناء مثلا. نحن معروفون بطموحنا فكل اللبنانيين تعود أصولهم إلى رعاة ومزارعين وصيادي سمك، والطموح أوصلنا إلى هنا، فكل الذين توجهوا إلى الدول العربية تحسنت أوضاعهم وحتى طبيعة حياتهم.

نحن لا نريدهم أن يهاجروا إنما باعتباري الهجرة إلى الدول العربية هي هجرة إقتصادية إيجابية.

عاش حياته كطالب، ثم عمل واستكمل ما أسسته عائلته. لم يتوقف طموحه عند الإرث إنما بنى علاقات لبنانية أميركية، فتحت آفاقا لكل لبناني وأحيا بضعا من الأمل الذي ضاع في الـ1975.