في الوقت الذي تتركز فيه أنظار الدول الغربية على الوضع الأمني والسياسي المتفجّر في سوريا، ورغم الحصار الاقتصادي والمالي المفروض عليها من قبل الدول الغربية وجامعة الدول العربية، ها هي روسيا تقوم بتقديم الاسعافات الأولية المنعشة للاقتصاد السوري وقطاعه المالي.

ففي آخر زيارة لوفد رسمي سوري الى روسيا منذ يومين، كشف وزير المالية السوري محمد جليلاتي، إن بلاده طلبت من روسيا قرضاً ماليا بالعملة الصعبة، ورغم أن جليلاتي صرح للصحافة أن بلاده تملك احتياطياً كافياً من النقد الأجنبي، إلا أن الازمة فرضت ضرورة توفر المزيد منها، ولم يفصح عن قيمة القرض ، إلا ان مصادرمراقبة توقعت  ان تتخطى قيمته مئات ملايين  اليورو، ذلك أن روسيا وعدت بمناقشته في غضون أسابيع.

ليس هذا وحسب، فقد طلب الوفد السوري من روسيا ان تقوم بطبع كمية من أوراق العملة الوطنية السورية في المطابع الروسية، وذلك بعد أن رفضت دول غربية الوفاْء بالتزامات سابقة  بهذا الشأن وقبل أن يسري مفعول الحظر الاقتصادي.

وقال جليلاتي:"لجأنا إلى الصديق الروسي وتمت طباعة هذه الأموال ولكنها لم توضع في التداول، وإنما تم وضعها في مصرف سورية المركزي لتبديل العملة التالفة وأيضاً لضخ جزء من الأموال بما يتناسب وتطور الناتج المحلي الإجمالي، ولا يؤدي ذلك إلى تضخم في قيمة العملة، وإنما يلبي الحاجة الاقتصادية والحاجة إلى نسبة زيادة السيولة النقدية".

وإذا كان الجانب السوري يعتبر أن أهم ما توصل اليه في زيارته الى روسيا هو مقدرته في اختراق الحصار المالي والنفطي، خصوصاً في ضوء استمرار تصدير النفط السوري الى روسيا، يكشف الجانب الروسي أن اهم ما في الاتفاق انه سيتم تعزيز التبادل التجاري والاقتصادي بين البلدين، وذلك في ضوء الإتفاقات التي اتخذت في موسكو ضمن اجتماعات المجلس العلمي - التقني الدائم للتعاون التجاري - الاقتصادي في أواخر ايار الماضي.

وفي خضم كل ذلك تقول  جهات مراقبة، أن روسيا ومنذ البداية أعلنت أنها غير معنية في العقوبات الغربية المالية والنفطية على سوريا، وصولاً للعقوبات الأخيرة التي فرضتها منذ أسبوعين والتي تتعلق بحركة النقل السوري  البحري والجوي، والتي قيل أنها تهدف للحد من تصدير السلاح الى النظام السوري.

ففي أول رد فعلٍ روسي حول تلك العقوبات جاءت على لسان وزارة الخارجية الروسية التي قالت انها لن تقبل أن تقوم أي جهة عسكرية في عرض البحر بوقف السفن المتجهة بعرض المتوسط وتحمل علماً روسياً، ولعل هذا ما يدعم الموقف السوري العسكري والسياسي .

وفي ظل هذه الأوضاع تعتقد جهات مراقبة أن جميع تلك العقوبات التي فرضت على سوريا، تسببت بالأذى لجيرانها أكثر مما تسببت بالأذى للنظام نفسه وهو المستهدف، رغم أن الاقتصاد ككل تضرر بشكل هائل ، إلا أن الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز والتي إن تراجعت متأثرة بالأزمة وبالعقوبات الغربية، إلا ان دمشق لا تزال تصدّر النفط  الخام  الى روسيا  فقط وبواقع 200 الف برميل يومياً، رغم أن نسبة الإنتاج قد تراجعت من 380 الف برميل يومياً بسبب الأحداث والعقوبات، وتحصل سوريا بالمقابل على احتياجاتها المكررة من روسيا من البنزين والكاز والمازوت ، وبدون كلفة اضافية.

فتركيا مثلاً وعلى مستوى صادراتها في مجال الصناعات الخفيفة  والمتوسطة ، قد تضررت  أكثر من جارتها بموجب الحظر الذي التزمت به تلبية للقرارات الغربية، بعد أن تم وقف تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة التي كانت معقودة بين البلدين ويسري مفعولها منذ عام 2007، والتي كانت بالإجمال لصالح الجانب التركي، اذ بلغت قيمة فاتورة تصدير السلع التركية الى سوريا عام 2009 مثلاً  ما قيمته 1.425 مليار دولار أمريكي، فيما بلغت قيمة الفاتورة الاستيرادية لسورية من تركيا 328 مليون دولار، هذا فضلاً عن تراجع حركة تجارة الترانزيت ما بين تركيا والدول الخليجية، اذ تعتبر سوريا شريان حيوي يربط ما بين كل من تركيا ولبنان والأردن بأسواق باقي الدول الخليجية، التي تعتمد على الصناعات السورية والتركية واللبنانية، بشكل يصل الى نحو 50% من اجمالي فواتيرهم الاستيرادية من باقي الدول، وخصوصاً في مجال الانسجة، وصناعة الأغذية، وأدواني الطبخ، ومعدات السياحة والبلاستيك، وغيرها من الصناعات الخفيفة الأساسية.

وهكذا هو الحال ايضاَ  بالنسبة للدول العربية الأخرى  ومن بينها لبنان والذي تضرر سواء بفعل الالتزام بتلك العقوبات أو بسبب  غلاء كلفة التأمين على  النقل والشحن، وذلك  بسبب ارتفاع نسبة المخاطر الأمنية، فيما يجمع تجار ان نسبة حركة الترانزيت ما بين لبنان والدول الخليجية عبر الممر السوري تراجعت بنسبة 80%. كذلك الأمر بالنسبة للأردن الذي أوقف العمل أيضاً باتفاقية التجارة الحرة التي كانت قائمة ما بينه وبين دمشق بفعل هذه الأزمة، والعقوبات التي فرضت، وكانت نسبة الصادرات الأردنية قد بلغت قيمتها أكثر من مليار دينار ما بين السنوات (2000 – 2010)، مقابل ثلاثة مليارات دينار قيمة الصادرات الأردنية لسوريا عن نفس الفترة.

ويبقى السؤال، كيف سيتم تحويل القرض الذي طلبته دمشق من صديقها الروسي، خصوصاً بضوء الحظر المفروض على التحويلات المالية نحو سوريا، وما هو وضع النقد واحتياطي القطع الأجنبي في البنك المركزي السوري، والى متى سيبقى قادراً على تلبية احتياجات النظام والدولة؟