يوافق يوم الخميس المقبل الذكرى السنوية الخامسة لأزمة الائتمان، عندما بدأت مشكلة الرهون العقارية غير المليئة في الانتشار. وكانت العلامة الأولى على ذلك هي تجميد ثلاثة من صناديق أسوق المال التي يديرها بنك بي إن بي باريبا، مما أثار الذعر والمخاوف في فترات متقطعة منذ ذلك الحين.

وكررت الأزمة نمطا اشتركت فيه مع جميع حالات الذعر المسجلة في التاريخ: هرع ​المستثمرون​ لمقايضة الأموال "الخاصة" التي كونتها البنوك وبنوك الظل خلال فترة الازدهار، بالمال العام. وانهارت أسعار الأصول- وفي نهاية المطاف- تدخلت البنوك المركزية والحكومات من أجل تفريغ الأموال الخاصة الأقل جودة، مثل السندات المالية المدعومة بالرهون العقارية والتزامات الديون المضمونة.

ربما لا تبدو الأصول المالية المعقدة تشبه المال بالنسبة لتجار البقالات. لكن البنوك وبنوك الظل (صناديق التحوط وصناديق أسواق المال) كانت تريد تحويلها إلى أموال عن طريق قبولها كضمانات مقابل القروض، خصوصا في أسواق الريبو. وتملك البنوك القدرة على إيجاد أموال خاصة (حقيقية) يمكن إنفاقها في المحال التجارية.

النقاش أيضا هو عملية إعادة للتاريخ. وسيكون الاستياء الشعبي من الظلم الناتج عن السماح للقطاع الخاص بالحصول على المكاسب والأرباح التي نتجت عن فترة الازدهار في الوقت الذي يتولى فيه القطاع العام تنظيف آثار هذه الفوضى، -أمرا مألوفا للطلاب، بحيث لا يبقى الأمر قاصرا فقط على ما يتعلق بتداعيات انهيار البورصة عام 1929، ولكن أيضا بالذعر التجاري البريطاني الذي حدث عام 1847، والآثار التي ترتبت على انهيار بنك هامبورج عام 1857، أو انهيار البنك البريطاني أوفر آند جرني عام 1866.

ووصف وولتر باجهوت بنك أوفر آند جرني بأنه "متهور وأحمق جدا، لو قام طفل بإقراض المال في مدينة لندن لفعل ذلك بشكل أفضل". واليوم سيصبح كتاب المقالات بالقسوة نفسها على بنوك الأقاليم في ألمانيا، وعلى إتش بي أو إس، وليمان براذرز.

إنه لأمر مضحك أن يُلقى باللائمة على الحمير، فهذا لا يرقى إلى ما تكتسيه النقاشات الاقتصادية من أهمية. وكانت هذه النقاشات في صدارة اهتمامات ​البنك المركزي الأوروبي​ هذا الأسبوع، حيث تظل ألمانيا معزولة في معارضتها لباقي مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي. وتعارض برلين بشدة تقديم أموال عامة لمساعدة الدول المتعثرة على إبقاء عائدات السندات منخفضة، مخافة من حدوث تضخم.

ومن السهل جدا في منطقة اليورو أن يتم رصد الأموال الخاصة وهي تخرج من إسبانيا التي تشهد هروب المودعين والمستثمرين في آن معا. وبالفعل فقد استُبدلت بهم جزئيا، أموال البنك المركزي الأوروبي التي وفرت السيولة إلى البنوك بطريقة أسهل وأرخص وعلى مدى أطول. لكن المعارضة الألمانية استبقت تحذيرات البنك المركزي الأوروبي وأصبحت الأموال العامة محدودة، ومن هنا انخفضت أسعار الأصول، وقامت الحكومات المتعثرة بتمويل أنفسها. والأسوأ من ذلك أنه عندما يتم ضخ الأموال العامة، ولنقل في دولة مثل إسبانيا، فإن منطقة اليورو ستسمح للمستثمرين الحذرين بإعادة تدوير جزء كبير من هذه الأموال في ألمانيا مرة ثانية.

وتتسم أحدث الخطط بالتعقيد. فما زال أعضاء مجلس الإدارة يتعلمون من دروس التاريخ، ثمة حاجة لأن تحل أموال القطاع العام محل الأموال الخاصة من أجل تخفيف الأزمة. والمخاطر هي نفسها: يمكن للأموال الرفيعة المستوى أو ذات النفوذ أن تتسبب في خلق تضخم مما يؤدي إلى وجود مخاطر معنوية.

في أوائل القرن التاسع عشر، كان الانقسام بين المدرسة النقدية البريطانية والمدرسة المصرفية، في ظل وجود رغبة من المدرسة النقدية في تقييد الأموال الخاصة التي تسمح بها المدرسة المصرفية. وعند أواخر القرن العشرين تمت إعادة رسم المشهد من خلال السياسات الأمريكية بحيث وقف أنصار الذهب في جانب والشعبويون الذين يريدون قيودا مالية أقل في الجانب الآخر. وتجدد النقاش كمدرسة نقدية في مقابل المذهب الكينزي، لكن تحول الآن ليصبح حايك في مقابل كينز. إنها القضية نفسها: الدائنون الذين يريدون أقل كمية من الأموال من أجل الحد من التضخم، والمدينون الذين لا يؤثر فيهم التضخم بشكل كبير.

وتعاني ألمانيا الآن من الوقوع في موقف صعب. فهي أكبر دائن في منطقة اليورو، ولكم تعرضت لضغوط قوية في الأعوام الثلاثة الماضية أدت بها لوضع قيود اقتراض صارمة. وسوف تعاني كثيرا إذا تفككت منطقة اليورو. وأيا كان ما يحدث، فإن ألمانيا في موقع يجعلها تخسر. والنتيجة حرجة وحاسمة بالنسبة للمستثمرين؛ التضخم أم الانكماش؟ والرهان على الانكماش من شأنه أن يحمي العملة الموحدة من الانهيار وهو يتمتع بشعبية هائلة. ومن الأفضل أن يتم تطبيقه على السندات الألمانية، حيث هوت العائدات قصيرة الأجل ذات العامين إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق الأسبوع الماضي. ويجب أن يتذكر المستثمرون أن الطريقة الأوروبية تعد حلا وسطا. وقد حارب البنك المركزي الألماني الجولة الأولى من شراء السندات من قبل البنك المركزي الأوروبي، لكن عمليات الشراء مضت قدما على أي حال. ولم توقف المقاومة الألمانية الميزانية العمومية للبنك المركزي الأوروبي من أن تصل إلى ثلاث أضعاف حجمها خلال خمس سنوات. ومن الصعب جدا الآن تصديق أن ألمانيا ستقوم بعرقلة خطة وضعها بالفعل ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، لأن ذلك يمكن أن يتسبب في القضاء على صدقيته وصدقية البنك المركزي. وتشتمل خطة دراجي على بوادر حل هذه الأزمات. وتنطوي الخطة على تمويل إسبانيا وإيطاليا، وفي الوقت نفسه تقليل المخاطر المعنوية عن طريق إشراف بروكسل. وقد أدرك المستثمرون هذا الأمر بشكل جزئي، ما دفع عائدات السندات الإسبانية ذات العامين إلى الانخفاض من نسبة 7.15 في المائة غير المستدامة إلى 3.96 في المائة أمس الأول. ويبدو أن المعارضة الألمانية ستؤدي إلى إحباط الخطة. وبالتالي السوق لن تجد تدخلا بالقدر الذي تريده، على الأقل ليس في الوقت الحاضر. وما لم تكن ألمانيا مستعدة لتحمل آلام ترك العملة، ستظل عالقة مع اليورو. ومن المحتمل أن تتبنى الحل الذي ثبت نفعه من قبل، وهو المزيد من الأموال العامة. دع مكابس المطابع تعمل.