اعتبر مسح أعدته "​جامعة هارفارد​" الأميركية أن فجوة الثروات في البلاد باتت مشكلة أكبر من النمو وقال القائمون على أعداد تقرير"تحديات الرفاهية المشتركة"أن التفاوت الكبير في الثروات يشكل تهديدا كبيرا ومتناميا ويشير التقرير الى أن "ثلثي المشاركين يرون أنه ينبغي على المجتمع الأميركي أن يضع على رأس أولوياته مجابهة أنعدام المساواة المتزايد والجمود الذي يكتنف الطبقة الوسطى وزيادة معدلات الفقر أو صعوبة تحسين المعيشة قبل تعزيز النمو الأقتصادي.

إنطلاقا من هذا التقرير هل نعرف أو هل لدينا ارقاما واضحة كم تبلغ هذه الفجوة في لبنان؟ وما هي معدلات الفقر وبأية وتيرة يرتفع ؟وهل يعي المسؤولون خطورة أنعدام التوازن ألأجتماعي والمناطقي خصوصا أن معظم الحروب في العالم تندلع لأاسباب تتعلق بأختلال في توزيع الثروات ؟ ثم أين أصبح  مبدأ ألأنماء المتوازن الذي يقع في مقدمة  الدستور اللبناني؟

إذا بدأنا من معدلات الفقر في لبنان نرى أن أخر الأرقام تقول أن 28,55% من اللبنانيين يعيشون  دون خط الفقر أي  بأقل من 4 دولارات يوميا يمكن القول أن حوالي 30%من اللبنانيين فقراء و3%فاحشي الثراء كما ان التوزيع المناطقي لنسبة الفقر فتظهر الكثير من الفوارق  ففي تقرير حديث للبنك الدولي يبين أن الفقر بلغ أقصاه في شمال وجنوب البلاد مع تواجد بعض البؤر الصغيرة والمكتظة في ضواحي المدن الكبيرة ولعل الخطورة في الموضوع أن نسبة أرتفاع أعداد الفقراء في لبنان بلغت 61%منذ العام 2011 مما يدل أن معدلات الفقر ترتفع بوتيرة سريعة منذ أندلاع الحرب في سوريا.

وصفة البنك الدولي لتحسين افاق التنمية

وبعد دراسة العوائق الاساسية والقيود التي يواجهها لبنان في مجال خلق فرص العمل من حيث النوعية والكمية وهو العامل الاهم بحسب البنك الدولي في عملية الحد من الفقر وتعزيز الرفاه المشترك يصل التقرير الى وصفة تفيد بتحسين أفاق التنمية في لبنان بشكل جوهري:

تقول أنه إذا أراد لبنان خلق الوظائف الكافية ذات النوعية لإفادة المواطنين وتحقيق هدفي الحد من الفقر المدقع وتعزيز الرفاه المشترك لتجنب تفاقم الأوضاع المعيشية ومعالجة الأعباء الإضافية التي تفرضها الصراعات الإقليمية على وجه الخصوص فإنه يجب عليه: الحد من ضعف الإطار المالي الكلي وتعزيز الحوكمة الفعالة في المؤسسات العامة وأن نعالج الثغرات في قطاع الطاقة بهدف زيادة انتاجية القطاع الخاص والحد من الأعباء المالية، بالإضافة إلى تعزيز قطاع التكنولوجيا والمعلومات والإتصالات لربط لبنان بالإقتصاد العالمي وخلق فرص العمل المطلوبة في القرن الـ21، تحديث قطاع التربية والتأكيد على ضرورة تزويد الشباب بالمهارات بحسب احتياجات سوق العمل، تحسين مناخ أنشطة الأعمال وتخفيف الأعباء في مجال تأسيس الشركات وتشغيلها، زيادة الإستثمار في قطاع النقل لتسهيل تنقل الأشخاص والبضائع، معالجة قضايا البيئة لحماية الموارد الطبيعية."

حبيقة: فجوة الدخل في لبنان كبيرة، والتفاوت في الثروات أكبر. والحرب محت الطبقة الوسطى

لكن كيف هو الواقع عندنا يقول الخبير الاقتصادي د.لويس حبيقه للأقتصاد أنه بالنسبة للبنان هذا غير معروف تحديداً، أي لا توجد إحصاءات دقيقة، لكن ما يمكن تأكيده هو أن هناك أقلية تتقاضى مدخولا كبيرا وأقلية تتقاضى مدخولا مرتفعا هذا بالمعدل الوسطي.

ولكن بتقديري فإن الميسورين في لبنان لا يتعدوا الـ10% من الشعب، و90% بين عادي وفقير بالتالي عند احتساب المعدل يتبين أنه منخفض.

ومن المعروف أن الدخل المتوسط للفرد في لبنان هو 12 ألف دولار في السنة أي متوسط الدخل السنوي للعائلة (بين أم وأب يعملون) يسجل 24 الف دولار في السنة، إذا كانوا الأولاد لا يعملون.

وبالنسبة لأسعار لبنان هذا المدخول لا يعد مهماً إذا كان الفرد يريد أن يدفع سكن وغذاء... فجوة الدخل في لبنان كبيرة، وفجوة الثروات أكبر وهذا الشيء واضح. والحرب محت الطبقة الوسطى ولم يعد الوضع بعد إلى حاله الطبيعي.

ويوضح حبيقة اذن الفجوة كبيرة. أما خطورتها فهي تجعل الناس تنقم على بعضها البعض، وتجعل الطبقة الوسطى التي تعد العامود الفقري للإقتصاد غائبة ما يؤثر على الإستثمارات. لان الطبقات الغنية بطبيعتها لا توظف كافة الإستثمارالت داخل البلاد وبالتالي لا يستفيد من طبقة ميسورة صغيرة بينما يستفيد الإقتصاد من طبقة وسطى كبيرة لأن الطبقة الوسطى تستثمر داخل البلد.

من هنا فإن الطبقة الوسطى هي العامود الفقري للإقتصاد اللبناني.

*ماذا عن الأنماء المتوازن.. فما هو الواقع حالياً على الأرض؟

لا يوجد إنماء متوازن نهائياً حتى  أن هناك فروقات داخل بيروت الكبرى.. وهناك الكثير من الأمور واردة في الدستور وغير مطبقة. والمناطق وضعها تعيس. وهناك جهود خاصة مثال مبادرات أشخاص أغنياء في الشمال في الجنوب والبقاع، أو أشخاص قد جمعوا أموالاً من أفريقيا يقومون ببناء مستوصف أو مستشفى.

والدولة عليها أن تنتهي بداية من الإنماء في بيروت وننتهي من مشكلة الطرقات والنفايات وغيرها.

والإنماء ليس فقط غير متوازن، إنما غير موجود في العديد من المناطق في بيروت، مثل الزلقا والفنار وهي مناطق ضمن بيروت الكبرى، وبالتالي هناك تأثير هائل.

أبو سليمان: العجلة  الإقتصادية جامدة بسبب إختفاء الطبقة الوسطى  والثروة

- من جهته رأى الخبير الاقتصادي وليد ابو سليمان في حديث خاص للـ"أقتصاد" أن  الفجوة الطبقية في لبنان كبيرة وتترجم خطورتها اليوم .. ففي أوائل الثمانينات كانت تشكل الطبقة الوسطى 80% من المجتمع اللبناني و اليوم للأسف هبطت إلى 20 % واللذين يتملكون الثروات في لبنان يشكلون حوالي 3% وهذا الأمر يشكل نوع من الأزمة الإجتماعية .  بكل دول العالم يوجد ما يسمى ب، "إعادة توزيع الثروات بشكل عادل" إذا  صح التعبير  أما في لبنان فهناك هيمنة للفساد والإحتكار  وتحويل الدولة  إلى شركة محدودة المسؤولية من قبل الأثرياء، والشعب الذي يدفع الفاتورة. والأزمة الإقتصادية تتجلى بعدم إنجاز قانون الشيخوخة مثلاً.. علماً أن البنك الدولي في الماضي أجرى دراسة و وجد أن بـ 800 مليون دولار يمكن الـ 4 مليون لبناني أن يحصل على الطبابة اللازمة له . و الذي  يحصل اليوم هو أن  العجلة  الإقتصادية جامدة بسبب إختفاء الطبقة الوسطى  والثروة التي يملكها نسبة قليلة من اللبنانيين  تأخذنا إلى حلقة مفرغة حيث أن كل مردود القطاع المصرفي  تأتي من الإكتتاب و من الودائع  وهنا لا يوجد تنشيط أو إمدادات مالية من هذه الجهات للقطاعات الإقتصادية  والشركات المتوسطة التي تشكل 95 % من الاقتصاد .

ونحن لا نشكك بالقطاع المصرفي لكن نناشده لإحياء الطبقة الوسطى لإعادة العصر الذهبي للإقتصاد اللبناني .

-* الإنماء المتوازن الذي تصدر مقدمة الدستوري.. لماذا لم يؤخذ به ؟

-يجيب  أبو سليمان :  الدستور  في لبنان أصبح وجهة نظر فما بال بعد الفقرات مثل الإنماء المتوازن وهذا ما يبينه ثورة الجياع التي اقيمت في بعض  المناطق المحرومة .

اليوم نعاني من هذه المشاكل مثل غياب العدالة الإجتماعية حيث أن محافظة جبل لبنان تمتثل للضرائب والجباية المالية والكهربائية ونفس هذه الضرائب لا تجبى في مناطق أخرى.

ونذكر بأن حسب الدراسات هناك  كل سنة يصبح هناك 170 ألف لبناني تحت خط الفقر . والبطالة بإزدياد حيث أن 27 ألف تلميذ يتخرجون كل سنة لكن فرص العمل لا تستوعب هذا العدد  فتلجأ النسبة الاكبر منهم إلى السفر.

وهناك مقولة تقول أن "رأس المال جبان" إذ أن القطاعات المصرفية لا تقوم بدورها الذي يتمثل بمنح قروض للمتخرجين الجدد أو للشركات المتوسطة لإعادة إحياء الطبقة الوسطى. 

الإنماء المتوازن مرتبط بوحدة الدولة واستقرار نظامها السياسي

وبالعودة الى موضوع ألأنماء المتوازن نذكر بأنه قديم العهد في لبنان إذ  عانى  بلدنا دائما من خلل في عملية التنمية ، وقد تـجلى ذلك في التفاوت الـهائل في مستوى التنمية بين العاصمة ووسط لبنان من جهة والـمناطق النائية مـن جهة أخرى. وإذا كان من الطبيعي أن تكون العاصمة والـمناطق القريبة منها أكثر نـمواً من الـمناطق البعيدة عنها، فـمن غيـر الطبيعي أن يبلغ التفاوت فـي التنمية بين الـمناطق حداً كبيـراً. هذه الـمشكلة أشار إليها بوضوح تقرير بعثة (إيرفد) التي ترأسها الأب (ليبـريه) والتي استقدمت إلى لبنان منذ مطلع عهد الرئيس فؤاد شهاب. وقد أولت الـحكومات التي تعاقبت في عهد الرئيس شهاب اهتماما خاصة بالـمناطق النائية وأقامت فيها الطرقات الـمعبدة وشبكات الكهرباء والـماء والـمدارس، غيـر أن الإهمال عاد ليخيم على هذه الـمناطق. وقد أدى ذلك إلى انعكاسات سلبية على الاستقرار السياسي في البلاد وعلى الوحدة الوطنية. وعندما اجتمع النواب في مدينة الطائف في الـمملكة العربية السعودية، للاتفاق على وثيقة الوفاق الوطنـي، ضمّنوا هذه الوثيقة التي وضعت بتاريخ 22/10/1998، بنداً ينص على ما يلي: (الإنـماء الـمتوازن للمناطق ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً ركن أساسي من أركان وحدة الدولة واستقرار النظام) وقد ورد هذا البند تـحت عنوان (الـمبادئ العامة والإصلاحات). وعندما عُدل الدستور بـموجب وثيقة الوفاق الوطني، بالقانون الدستوري الصادر في 21/9/1990، أُدخل هذا النص حرفيا في مقدمة الدستور وشكل البند (ز) من هذه الـمقدمة. وقد اعتبـرت مقدمة الدستور، في قرارات الـمجلس الدستوري، جزءا لا يتجزأ من الدستور.

ومما لا شك فيه إن إدراج الإنـماء الـمتوازن في الدستور، يعنـي أن الدولة اللبنانية رفعت هذه القضية إلى مستوى القضايا الأساسية، وبـخاصة أنـها ربطتها بوحدة الدولة واستقرار نظامها السياسي، وهذه أمور أساسية لا يـمكن التهاون بـها. وهذا يعنـي من ناحية ثانية أن الـحكومة ملزمة بإعطاء الإنـماء الـمتوازن الأهمية التي يستحق، في رسم سياساتـها وتـحديد موازناتـها، وأن الـمجلس النيابي عليه أن يأخذ بالاعتبار هذه القضية، في مـمارسة دوره في مـجال التشريع، وفي مراقبة الـحكومة ومـحاسبتها.فهل من يسمع؟؟!!