إتخذ البنك الدولي موقفا جريئا من مكافحة ​الفساد​ بقول رئيسه جيم يونغ كيم إن الفساد على المستويين العام والخاص هو محنة الدول النامية . وقال كيم: "في العالم النامي الفساد هو العدو رقم 1 للشعب".

وقالت المؤسسة المالية الدولية التي تحاشت لفترة طويلة التصدي للفساد لانها تريد الابتعاد عن عالم السياسة  انها تخطط لاستئجار المزيد من الخبراء في المسائل المتعلقة بسيادة القانون والحوكمة.

اما في لبنان، فان الشارع  المزدحم بالتحركات  الشعبية يشهد لما تركه الفساد المستشري في كافة الوزارات والادارات والمؤسسات والقطاعات  والمرافئ من فضائح غير مسبوقة  فتحت ملفاتها ازمة النفايات .

ما هو واقع الفساد في لبنان ؟ ما هو تأثيره على الاقتصاد؟

700مليون دولار هو رقم غير قابل للتشكيك. صدر عن وزير المالية علي حسن خليل، يجسّد فيه خسارة لبنان السنوية المترتبة على خزينة الدولة نتيجة الفساد الجمركي. هذا الفساد الذي يمتد من المرفأ إلى المعابر الحدودية مع سوريا مرورًا بالمطار، كانت له تداعيات سلبية على الاقتصاد اللبناني برأيه . ولكن الفساد في امكنة  اخرى عديدة ايضاً.

الخبير الاقتصادي غسان حاصباني يقول: علينا التمييز بين الفساد والهدر.

ويرتبط الفساد في شكله المالي أو الإداري بسوء استعمال السلطة وتوظيفها في خدمة المصالح الخاصة الضيقة؛ بصورة تتناقض مع القوانين الجاري بها العمل؛ وتفرز تكاليف سيّئة وخطيرة تطال الدولة والمجتمع.

ووفق التقديرات فان الفساد يكلف 1،6 نسبة % من الدخل القومي . والخسارة السنوية قد تتجاوز 800 مليون دولار سنوياً اذا اعتبرنا ان الناتج القومي هو 45 مليار دولار .

وحسب منظمة الشفافية العالمية للعام 2014 يحتل لبنان المركز 136 في مؤشر الفساد  بين 175 دولة في العالم. ووفق منتدى الاقتصاد العالمي في تقرير عن التنافسية لناحية الرشاوى والمدفوعات المشبوهة للمؤسسات والشركات يحتل المرتبة 142بين 144دولة في العام 2014  ايضاً، وهو يسبق غينيا واليمن .

وبالنسبة لمستوى المحسوبيات في قرار  الدولة وما يتضمنه من عامل "الواسطة" والتدخلات السياسية فهو يحتل المرتبة 142 ايضا ً بين 144دولة  في العالم.  وهنا تأتي بعده الارجنتين وفنزويلا.

وما نحذر منه اليوم هو فقدان الثقة بين المواطن  والمسؤولين السياسيين . ووفق هذا المؤشر الخطير  لبنان هو في المرتبة 144.

ويرى حاصباني ان هناك ما يعرف بالفساد الاداري وهو يتنوّع  بين توزيع رشاوى ، تلاعب في المال العام، استغلال المركز والوظيفة لتحقيق الارباح وغير ذلك....

ومن الممكن ان تصل  كلفة هذا الفساد في لبنان الى عدة مليارات دولار سنوياً ، ومن الصعب تحديده لعدة اسباب.

وهناك انواع للفساد:

1- الفساد العادي او الرشوة على مستوى الموظف والادارة.

2- الفساد على مستوى الصفقات المعقودة واخذ العمولات مقابل مشاريع  وتلزيمات .  وهذا عادة ما ينطبق على معظم انواع المناقصات والمقاولات.

3- الفساد غير المباشر وهو مرتبط بصفقات ومشاريع  غير مفيدة ودون اي جدوى اقتصادية  وانما نتائجها خطيرة على الاقتصاد.

ويقول حاصباني: "كل اوجه الفساد موجودة في لبنان . وهنا المواطن شريك ، لان الذي يقدم الرشوة أو يسكت عن الفساد  هو شريك في المسؤولية والذنب.

الفساد يعرّقل الاقتصاد ويدخل في القرارات السياسية  لتعطيل النمو وتمرير مشاريع ذات كلفة عالية وبدون اي جدوى.

واليوم  يمكن وضع علامة استفهام حول عدد من المشاريع المنفذة او التي هي قيد التخطيط في لبنان؛  في البنى التحتية ،  في السدود ، في الطرقات ، في الكهرباء ، المرافئ وغيرها من المشاريع التي يغمرها الفساد والهدر".

وعما اذا كان فرض الضرائب غير المباشرة التي يدفعها المواطن ذا الدخل المحدود يشكل بابا آخراً للفساد يوضح "ان هذا الامر يصب في خانة سوء الادارة وسوء التخطيط وليس الفساد كما يعتبره البعض او نتيجة غير مباشرة للفساد.

وقد يكون المسؤول في الادارة يتمتع بالكفاءة  اللازمة ولكنه فاسداً في نفس الوقت. كما يمكن ان يكون العكس. فبعض الدول يفضل النزيه وغير الفاسد وحتى لو كان بدون كفاءة . هذا الخيار ايضاً يضع الادارة امام اخطاء كبيرة والنتائج لا تكون مرجوة. فالحل الوحيد هو بوجود الكفاءة مقترنة بأخلاقيات عمل عالية، وشفافية مصحوبة برقابة عالية ومحاسبة.

وتكمن المشكلة عندنا بوجوب تفعيل ضوابط الشفافية  والرقابة والاخلاقيات في العمل . ولا شك ان هذه الاخيرة اي الاخلاقيات في العمل  ناتجة عن ثقافة الانسان وتربيته والبيئة الحاضنة له.

اما الرقابة فهي التي تمنع الفساد وتحقق المحاسبة.

واخيراً الشفافية التي يجب ان تسود كل المناقصات  بدءا بالاعلان عنها وصولا الى فضها واعلان النتائج بشكل علني وواضح.

وهنا اهمية تطبيق الحكومة الالكترونية التي تخفف من الاحتكاك المباشر بين المواطن والشركات من جهة والادارة من جهة أخرى.

فمعظم المناقصات يمكن أن يتم عبر الانترنت أو على الأقل، تكون نتائج المناقصات معلنة على الانترنت وهذا ما تعتمده  الدول المتقدمة  في مشترياتها.

وحق الوصول الى المعلومات هو حق عام لكل مجتمع متطّور رقمي.

ولا ننسى ان عدم الشفافية يردع الاستثمارات الدولية ويبعدها ، وهذا ما نلمسه في لبنان".

أخيرا ً، لا جدل في إن خطورة الفساد بمختلف تجلياته ومظاهره بالغة بالنظر إلى تكلفته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية  الكبرى وانعكاساته السيئة على مسار التنمية؛ ولذلك أضحت مكافحته وتنقية  الحياة العامة مطلبا شعبيا ملحّا زاد من حدّته تنامي الاهتمام الدولي بهذا الملف الحيوي؛ وهو ما تترجمه العديد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية والتقارير الدولية التي تصدرها مجموعة من المؤسسات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية في هذا الشأن.

إن تكلفة وخطورة الفساد كارثيّة بكل المقاييس على الاقتصاد والمجتمع من حيث حرمان خزينة الدولة من مجموعة من الموارد بسبب التهرّب الضريبي؛ ونهب الأموال العامة وإهدارها واستنزافها في أغراض شخصية؛ أو تهريبها نحو الخارج؛ عوض توجيهها نحو مشاريع تنموية اجتماعية حيوية في مجالات الصحة والتعليم والسكن والبنيات الأساسية . فهل يشفى مجتمعنا من هذا الداء الذي هو الفساد؟