تنتشر ظاهرة تأجير ​السيارات الخصوصية​ ذات اللوحات البيضاء بشكل ملفت في لبنان، علماً أنها ليست حديثة العهد لكنها مؤخراً إرتفعت بشكل ملحوظ، ولا سيّما في مواسم الصيف والأعياد، لتصبح المهنة الأسهل والمدرّة للمال دون أي عناء أو تعب، وكل ما تطلبه هذه التجارة سيارة حديثة.

مهنة تأجير السيارات بدأت فعلياً في لبنان أواخر الستينات، لكن مع اندلاع الحرب الأهلية توقفت تماماً، لتعود وتظهر من جديد في بداية التسعينات، وفي السنوات العشر الأخيرة بدأت تلك المصلحة تعيش عصرها الذهبي، لأن الطلب على إيجار السيارات خاصة في مواسم الأعياد والصيف يفوق بكثير العروض المتوافرة في السوق.

غير أن مكاتب تأجير السيارات ذات اللوحة الخضراء بدأت تلاقي منافسة شديدة من قبل  أصحاب السيارات الخاصة، التي لا تحتاج إلى أي رخصة أو شروط لتشغيلها و بكل بساطة، يمكن لأي مواطن يمتلك سيارة حديثة أن يؤجرها بالسعر الذي يطلبه، خاصة عندما يكون الموسم الصيفي في أوج عزهّ، ولا تتوافر في مكاتب التأجير أي مركبة خالية، فيضطر المغترب أو المواطن اللبناني في الداخل إلى إستئجار سيارة خصوصية، حيث  تغيب الشروط والمطالب على عكس ما يحصل داخل هذه المكاتب.

يوسف.ز، (فضّل عدم الكشف عن إسمه كاملاً)، شاب لبناني يعمل داخل إحدى المولات في بيروت، يقسّط سيارته من نوع "كيا" (موديل 2013)  بـ260 دولار أميركي شهرياً، وفي مطلع الصيف الحالي لفت نظره رفيقه إلى فكرة تأجير سيارته لأحد المغتربين الوافدين إلى لبنان مقابل 30 دولاراً في اليوم، الفكرة أعجبت يوسف ففي غضون أسبوع يستحصل على 210 دولار أي ما يساهم في تسديد “كمبيالة” من قسط السيارة، فكيف الحال لو إستفاد من تأجيرها على مدار شهر أو أسبوعين حتى.

ويوسف ليس الوحيد، فهناك الكثير من المواطنين، من كافة المناطق اللبنانية، الذين يقسطون سياراتهم تعجبهم هذه الفكرة ويرون فيها مصدراً لسد بعض الكمبيالات ولزيادة المدخول.

أحد المواطنين من البقاع (من آل برّو) يقول أن "هذه التجارة مزدهرة نوعاً ما في المنطقة، أولاً لأن مكاتب التأجير محدودة جداً في المناطق المحيطة بضيعتنا، بإستثناء شتورة وزحلة، ثانياً أن عدد من الشبان في هذه المناطق لا يحملون رخص سواقة ومعظمهم نعرفهم بحكم الجيرة، لذا أقوم انا وأخي وعلى عهدتنا بتأجيرهم السيارات التي لدينا مقابل 30 أو 40 دولار يومياً وخلال أيام العطل نرفع السعر إلى 45 حتى الـ55 دولار".

وعند السؤال عما يميز أسعارهم عن سعر المكتب يقول برّو : "أنا معي جيب هوندا أحياناً أؤجره بـ40 دولار، ويومي السبت والأحد وفي الأعياد بـ45 دولار، فيما المكتب لن يطلب أقل من ذلك 60 او 55 دولاراً، وأخي كذلك الأمر يفعل فهو معه رانج موديل 2011، وأجرته اليومية من المكاتب الرسمية لا تقلّ عن الـ50 وتصل إلى الـ60 وحتى الـ70 دولار يومياً أيام الزحمة".

ويضيف برّو" هذا عدا عن طلب المكتب لأوراق أخرى منها صورة عن رخصة سوق المستأجر، ما يجعل الشباب تفضيل نمرة بيضاء على الخضراء، كون غالبيتهم لا يمتلكون هذه الرخص".

من الناحية القانونية يقول مصدر أمني "للإقتصاد" أن هذه التجارة غير شرعية بتاتاً وفي حال وقع المستأجر والمؤجر بيد الشرطة، سينال كلاهما محاضر مخالفات، لا سيما أن قانون السير الجديد حدد بوضوح بانه لا يحق لأي صاحب سيارة إعارة مركبته إلا لمن كانوا من أصول عائلته كالأب والأم والاخ والإبن والزوج(ة)، غير ذلك كل من يتم توقيفه وهو يقود سيارة أحد الأشخاص يتعرّض للملاحقة القانونية وتصل إلى السجن أحياناً حسب الحالة، قربما هذا الشخص يستخدم سيارة صديقه لتهريب الممنوعات أو لأعمال مشبوهة، حينها يتم محاكمة الطرفين".

ولا توجد إحصاءات وأرقام لدى القوى الامنية ولا حتى عند نقابة مكاتب تأجير السيارات، بإعتبار أن هذه التجارة ممنوعة وسرّية وبالتالي لا يمكن رصد حالات المخالفة، وفي حال وقوع حادث مع المستاجر يتصل الأخير بصاحب السيارة، وأحياناً يكون صاحبها بعيداً جداً عن مسافة وقوع الحادثة هنا في هذه الحالة يتم الكشف عن الفضيحة وخاصة مع شركات التأمين الذين يرفضون التكفل بإصلاح السيارة، وهنا يدخل صاحب السيارة بمتاهة وخسارة ومشاكل قانونية تفوق أرباحه اليومية من تجارته بكثير.

ويرى نقيب أصحاب مكاتب تأجير السيارات في لبنان محمد دقدوق أن "هذه التجارة بالأسود (قاصداً بالخفاء وعدم الشرعية)، لم تقض فعلياً على مكاتب التأجير الشرعية، كون السائح الوافد إلى لبنان لا يقبل إستئجار إلا سيارة مكفولة وشرعية لتجنب هذه المشاكل، وبعض المغتربين اللبنانيين يفعلون ذلك، ولكن من يقوم بهذه المخالفات هم اللبنانيين في الداخل".

ويؤكد دقدوق أن "مكاتب التأجير لن تخفّض أسعارها كي تتنافس مع تجارة غير شرعية أصلاً، ولن تقبل بغض النظر عن المستندات الأساسية لتأجير السيارة كرخصة السوق ودفع عربون أقله 300 دولار، وهذا الأمر يضمن حق صاحب السيارة والمستأجر، ففي حال وقع الحادث نخصم العربون من الزبون وفي حال لا نعيد إليه المبلغ".

ويرى دقدوق أن لجوء البعض إلى اللوحة البيضاء لعدة أسباب، فعدا عن العربون وصورة عن رخصة القيادة وهما أساس المشكلة، يفضّل بعض الشباب إستئجار لوحة بيضاء كنوع من التباهي امام الناس، خاصة إذا كانت السيارة من نوع جيب أو سيارة فخمة أخرى".

ويشدد دقدوق على نقطة مهمة وهي "كيف يثق، صاحب السيارة من نية المستأجر، ولو كان يعرفه،  فمن الممكن أن يقوم هذا الشخص بسرقة السيارة أو إستخدامها في أعمال مشبوهة، كما أن سيارته معرّضة للحصول على ضبط سرعة أو مخالفة، من سيدفعه حينها غير صاحب السيارة، فيما نحن كأصحاب مكاتب نتحرّى قبل إستلام السيارة من الزبون بانها خالية من أي محاضر ضبط".