خلال حديث جرى أخيرا تناول جلين ستيفنز، محافظ بنك الاحتياطي الأسترالي، الدور المحوري الذي لعبه الدولار الأسترالي في أوقات المحن، فقال إذا كان هناك تدهور حاد في الصين، فإن العملة الأسترالية "قد" تتهاوى، وهذا يعطي مزيدا من الدعم للاقتصاد المحلي، وهو دعم تمس الحاجة إليه.

وكان المنطق خلف هذا واضحاً، وذلك بسبب ما تملكه أستراليا من ثروة معدنية هائلة وصناعة تعدين واسعة. فالدولار الأسترالي يعد سلعة نقدية، ومن خلال التوسعات فإنه يرتبط بشدة مع نمو الصين. فعندما تبطئ الصين، فإن الدولار الأسترالي ينخفض وتتأثر قطاعات المرتبطة بالتجارة نتيجة لانخفاض سعر الصرف.

كذلك تحدث ستيفنز عن سيناريو بديل يشير إلى أن حدوث أزمة أخرى في منطقة اليورو قد ينتج عنه تدفق كبير للأموال في الأصول التي يسيطر عليها الدولار الأسترالي. وقال: "في هذه الحالة فإن مشكلتنا قد تكون هي عدم قدرتنا على امتصاص رأس المال هذا".

وهذا السيناريو بشأن الدولار الأسترالي يرسم صورة الملاذ في أذهان المستثمرين خاصة أنه يصد عنهم الأنداد الكبار، عوضاً عن الانخفاض الحاد في أسعار السلع، خاصة الحديد الخام والفحم.

وبالنسبة لأسعار خام الحديد، فإن أستراليا هي أكبر مصدريه. وقد انخفض سعر الطن فيها خلال عامين ونصف ليصل إلى 115 دولارا يوم الثلاثاء نتيجة للمخاوف بشأن الطلب على الصلب الصيني. ووصلت قيمة الدولار الأسترالي إلى 1.05 للدولار الأمريكي محققا ارتفاعا خجولا مقداره خمس سنتات أمريكية خلال عام 2011، ليعود ويرتفع مرة أخرى محققاً 1.10 دولار أمريكي في حزيران (يونيو) بعد أن واصل انخفاضه طوال ثمانية أشهر حتى بلغت قيمته أقل من 0.969 دولار أمريكي.

وحقق ارتفاعا خلال ستة أشهر مقابل الجنيه الاسترليني ووصل إلى 0.69 جنيه استرليني، وإلى 0.85 مقابل اليورو. وبوضع هذه الأرقام في سياقها فإنه عندما بلغ سعر خام الحديد 70 دولاراً للطن منذ ثلاث سنوات كانت قيمة الدولار الأسترالي 0.80 دولار أمريكي.

وأورد محللون مجموعة من التفسيرات للمرونة غير المتوقعة التي أظهرها الدولار الأسترالي، أولها أن أستراليا هي واحدة من سبع دول حاصلة على تصنيف AAA وفقما استقرت عليه ثلاث وكالات تصنيف كبرى.

أما التفسير الثاني فيتمثل في أن إجمالي الناتج المحلي قد تزايد بنسبة 4.3 في المائة سنويا حتى آذار (مارس)، وهذا ما يجعل من أستراليا صاحبة أقوى أداء اقتصادي متطور في العالم، ولا تزال البطالة منخفضة عند مستوى 5.2 في المائة، بينما يبلغ معدل التضخم 1.2 في المائة فقط.

والتفسير الثالث أن أستراليا لا تزال صاحبة أعلى معدلات الفائدة وبنسبة عائد رسمي على النقد بلغت 3.5 في المائة. وختاماً فإن الدولار الأسترالي يستفيد من التوقعات بشأن المزيد من "التسهيل الكمي" من ​المصارف المركزية​ الكبرى.

ويقول جيرارد ميناك، الخبير الاقتصادي لدى مورجان ستانلي: "إن أهم سبب هو شراء الملاذ"، ويضيف: " إننا نقدم سلعة نادرة وحاصلة على تصنيف A الثلاثي بالنسبة للسندات الحكومية وتأتي في صدارة أعلى السندات عائداً".

وتحقق سندات الحكومة الأسترالية عائدا يبلغ 3.05 في المائة في مقابل الدولار الأمريكي والجنيه الاسترليني حيث حقق كلاهما 1.48 في المائة.

وظهر الطلب على الدولار الأسترالي من المصارف المركزية وصناديق الثروة السيادية التي تتحول من احتياطي العملات التقليدية، كالدولار الأمريكي والين الياباني، وكذلك اليورو على وجه الخصوص.

ويقول وارين هوجان، كبير الاقتصاديين في بنك إيه إن زي في سيدني: "إن الابتعاد عن الدولار الأمريكي أصبح ظاهرة قائمة منذ سنوات عدة". ويضيف: "لدي شعور بأن دخول هذه التدفقات إلى أستراليا خلال الأشهر الست الماضية يتجه مبتعداً عن أوروبا من خلال مستثمري القطاعين العام والخاص على حد سواء".

ويقول المتداولون إن المصارف المركزية في ألمانيا وسويسرا وكازاخستان وجمهورية التشيك وفيتنام كانت قد اشترت، أو أضافت الدولار الأسترالي إلى محافظ احتياطي النقد الأجنبي خلال الشهر الماضي.

وفي واقع الأمر، فإن سويسرا التي وصفت بأنها "​الصين الجديدة​" نظرا لكنز احتياطي العملات الأجنبية الهائل، بدأت في شراء الدولار الأسترالي منذ تسعة أشهر، وفقا لتقارير وسائل الإعلام المحلية. وكونت لجنة من المصارف لتتولى عملية شراء الأصول المملوكة بالدولار الأسترالي مثل السندات الحكومية.

ويقول ريتشارد جراس، كبير الاستراتيجيين النقديين في بنك الكومنولث في أستراليا: "منذ ستة أعوام كنا نتحدث إلى أقل من ستة مصارف مركزية. اليوم نتحدث إلى ما يزيد على 50 بنكاً ونعلم أنهم يضيفون الدولار الأسترالي إلى الاحتياطي الخاص بهم".

ويهيمن المستثمرون غير الخاضعين للضرائب على سوق ديون الكومنولث الحكومية البالغة 235 مليار دولار أسترالي. وفي نهاية آذار (مارس) الماضي بلغت مقتنيات المستثمرين غير المقيمين من سندات حكومات الكومنولث نسبة قياسية وصلت إلى 76.5 في المائة، وفقاً لما أورده مكتب الإدارة المالية الأسترالية.

ويقول جراس إن هذه الحصة تكاد تقترب من حد الإشباع، إلا أن التدفقات الداخلة لا تعطي أي إشارة إ لتباطؤ حيث يقدم المستثمرون الدوليون على الاستثمار في الأصول التي يتحكم فيها الدولار الأسترالي، مثل ديون الدولة والديون الحكومية المحلية وسندات الشركات والسندات البنكية. ويضيف جراس: "إننا نرى الكثير من الاستثمارات هنا".

وبالنظر إلى وصول الدولار الأسترالي إلى قيمة متوسطة تبلغ 0.75 دولار أمريكي يطرح المستثمرون سؤالا جوهريا حول مدى استمرار العوامل الداعمة للعملة الأسترالية عند مستوى مرتفع في مواجهة انخفاض أسعار السلع.