فجأة وفي ليلة ليلاء، فتحت الطرقات، وتنفس أصحاب المحال التجارية في صيدا الصعداء، وحلّت الحكمة على عقول وزرائنا، وحكي عن انفراج بقضية المياومين، بعد أن كانت مهيئة للانفجار، وها هو وزير العمل سليم جريصاتي يطرح خطة "باراشوتية" كانت قد خطر بعضها بشكل او بآخر على بال الجميع إلا أن أحداً لم يسمع أو يقنع، ولم يعرف أحد من المياومين ولا من اللبنانيين كافة، "الأسرار" الكامنة وراء تلك الحكمة التي اسرًت قلوب الصيداويين والجنوبيين، كما أثلجت قلوب المياومين، من يملك مفتاح الانفجار والانفراج معاً.

بين الأسير والمياومين

فما يجمع ما بين قضيتي الصيداويين والمياوميين، هو السياسة، وما يفرق بينهما أكثر من الله والسياسة، فالحسابات السياسية التي تكمن وراء القضيتين حتماً أبعادها وأهدافها تختلف، فالأولى ذات بعد اقليمي أمني  اقتصادي، والثانية ذات بعد أمني انتخابي اجتماعي وانساني... لذا فإن الأدوات والأسباب التي أسهمت في تأجيج الأزمتين تختلف عن الأخرى. وهنا بيت القصيد.

فما الذي دفع الأطراف المعنية لإيجاد مخرج وحلحلة ملف المياومين اليوم، فيما كانت شبه معقدة بالأمس؟

يربط مراقبون ما بين الانفراج الحاصل في صيدا والذي حصل في ​مؤسسة كهرباء لبنان​، تحديداُ في الدوافع السياسية والأمنية له وإن كانت الاسباب المباشرة التي دعت الشيخ أحمد الأسير يعلن موافقته على فض الاعتصام،  شرط توفير أمنه وأمن عناصره، تختلف عن الأسباب التي دفعت المعنيين في الدولة من إيجاد مخرج لقضية المياومين وجباة الأكراء والتي تتصل بالأحداث الاقليمية في المنطقة وتطوراتها خلال الاسبوع الماضي.

ورغم أن اللجنة النيابية الفرعية المكلفة بوضع صيغة قانونية لموضوع المياومين وجباة الإكراء كانت قد توصلت الى صيغة معقولة منذ نحو شهرين، وتم إقرارها بقانون، إلا أن تلك الخطة لم ترقَ الى طموح المياومين ومن يؤيدونهم في مطالبهم، خصوصاً انه لم يتم حسم موضوع الرواتب المتأخرة في فترة اعتصام المياومين، في ضوء رفض كل من مؤسسة كهرباء لبنان والشركة المتعهدة دفعها، وهو ما برز من بين الأسباب الأساسية  والتي  باتت أشبه بكرة الثلج،ما أدّى الى استمرار الاعتصام، وتصعيد لهجته.

 وقضت الخطة التي أقرّت  بقانون في أيار الماضي بتثبيت المتعاقدين،  بعد  إجراء مباراة محصورة بعمال غب الطلب وجباة الإكراء وسائر العاملين بشكل مؤقت مع مؤسسة كهرباء لبنان ممن يستوفون الشروط القانونية ومن لم يتجاوزوا الـ 54 من العمر، وأن يتم التعامل مع من يرسبون في الامتحانات او ممن لم يستوفوا شروط الدخول في المباراة كما يعامل موظفو الملاك،  ما يعني أن يحصلوا على كافة تعويضاتهم ومعاشات التقاعد نفسها التي يحصل عليها من هم في الملاك، دون أن يكون هناك إلزامية في تثبيتهم، فيما يبقوا بحكم المياومين مع الشركة المتعهدة المقدمة للخدمات، غير أن المؤسسة تلتزم بمستحقات تعويضاتهم أسوة بموظفي الملاك، ورغم كل ذلك فإنها  لم تحظَ باستحسان المياومين، والموافقة الكلية من كافة الأطراف.

خطة جريصاتي

وتأتي خطة الوزير جريصاتي التي طرحها منذ يومين أمام رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وكل من وزير الطاقة جبران باسيل، والوزير السابق سليمان فرنجية ، لتكشف عورة الحوار الذي ساده البعد السياسي والهدف الانتخابي والتشنج، فيما بين الوزير باسيل والمياومين من جهة، وما بين الرئيس برّي وباسيل من جهة ثانية، وكل يرمي بالكرة الى ملعب الآخر، فخطة الوزير جريصاتي التي لا تزال حتى الآن في طور المخاض، ولم يعلن عن ولادتها بعد، لكنها بحسب الملامح الأولية التي تسربت لم تأتِ بالجديد عن الخطة السابقة، ما خلا  بعض التعديلات المتعلقة بعدد المياومين الذين سيخضعون الى المباراة الحصرية،  بحسب ما أوضح وزير العمل  الذي قال ان القانون الذي أقرّ سابقاً لا يزال كما هو، إلا انه تم رفع العدد الى 900 مياوم بدلاً من 700 ليخضعوا لمباراة حصرية، على أن يتم تثبيت 700 منهم بدلاُ من 500، فيما لا يزال موضوع الأجور المستحقة عن فترة الثلاث أشهر اعتصام، يخضع لنقاشات في ما بين المياومين ومؤسسة الكهرباء، والتي يرعاها رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن، وهو ما دفع المياومين اليوم لعدم رفع اعتصامهم بانتظار ما ستؤول إليه النتائج فيما يتعلق بموضوع رواتبهم المتأخرة تحديداً وبعض التفاصيل المالية، ما يجعلنا نطرح السؤال التالي: هل يمكن ان يكون ماحصل خلال اليومين الماضيين من تسريب أخبار من الأطراف كافة بأن قضية المياومين  أصبحت محلولة وشبه منتهية، بما فيهم ما صدر عن وزيري الطاقة جبران باسيل ووزير الصحة علي حسن خليل، بمثابة "بالون" اختباري لامتصاص غضب المعتصمين، بانتظار جلاء أمور ما، أو مراهنة على حدث او تطور ما؟

بين الشك واليقين

ويعزّز هذا الشك موقف المياومين الذين أعلنوه في بيان لهم بعد ظهر اليوم بأنهم سوف يستمرون بالاجتماع مع رئيس الاتحاد العمالي العام ووزير العمل، والقوى السياسية المعنية بقضيتهم،  حتى حل قضيتهم نهائياً،  وأنهم لن يذهبوا الى منزلهم قبل حل قضيتهم نهائياً، مطالبين الرؤساء الثلاثة ومجلس الوزراء والسياسيين في وضع حل نهائي وجذري لوضع مؤسسة كهرباء لبنان، والى اعادة الأمور الى ما كانت عليه سابقاً وبالسرعة القصوى، وقبل مطلع الاسبوع المقبل لكي لا تضطر النقابة الى اتخاذ سلسلة قرارات لا تحمد عقباها".

لكن رئيس الاتحاد العمالي العام وبعيد لقائه مع المياومين أبدى أجواء تفاؤلية، إذ صرح للصحافة بعد خروجه :" أن"لا خلاف جوهري على ما اتفق عليه في قضية المياومين، إن في القانون أو الانضمام إلى الشركات أو المسائل المالية"، و أنه "يتم مناقشة كيفية تنفيذ بعض البنود  وخصوصاً حول بند  يتعلق بمصير المياومين بعد انتهاء عملهم مع الشركات الخاصة  المتعهدة، وأن يتم تثبيتهم مع شركة الكهرباء بعد انتهاء عقدهم. اما العقدة الباقية فهي رواتب المياومين لثلاثة اشهر سابقة، حيث ترفض شركات غب الطلب دفعها الى المياومين، ولكنها باتت من التفاصيل".لكن غصن عاد وأكد أنه حتى صباح الغد سوف يصبح كل شيء جاهز للاعلان عنه".  

برّي يرفع يده ولا يخشى البلل

وكان الرئيس  برّي قد صرح منذ يومين أمام وسائل الاعلام انه رفع يده من ملف المياومين، وأجاب حينها على سؤال أحد الصحفيين:"اما التهديد بقطع الكهرباء عن كل لبنان، فان الغريق لا يخشى البلل، لذا فاننا ندعو المؤسسة الى قطع الساعتين من التغذية عن الجنوب وعكار".

هذا وقد نشرت الصحف بعض تفاصيل الخطة التي عرضها وزير العمل  ومنها ما  يتعلق بعقود عمل المياومين مع شركات تقديم الخدمات،  حيث تم توحيد العقود وجمعها فضلا عن تأمين استمرارية العمل انطلاقا والتزاما بالمادة ستين من قانون العمل، ما يعني ان عقود العمال لا تصبح لاغية مع انتهاء عقود المياومين مع  الشركات المتعهدة بتقديم الخدمات بعد 4 سنوات. كما يؤمن تحصين العقد النموذجي والزام الشركات بتأمين الضمان الاجتماعي للعمال، واشار جريصاتي الى انه يعمل على آلية تعديل وليس تغيير قانون المياومين الذي جرى اقراره في مجلس النواب.

 

وتبقى التساؤلات الى حين جلاء الأمور نهائياً، ألم يكن بمقدور  كل من وزير الطاقة  ووزير العمل ورئيس مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك، والرئيس برّي تجنيب البلاد هذه الأزمة ، التي ضربت كافة جوانب حياة اللبنانيين اليومية وليست المياومين وحسب، سواء لجهة زيادة عدد ساعات التقنين على المواطنين، والأضرار التي لحقت بهم جرّاء ذلك، او سواء لجهة توتير الأجواء الأمنية والسياسية الى إيجاد حل لها قبل أن تتراكم ؟،  أم الأمر كان بمثابة لعبة شدّ الحبال ويخشى أحدهم من تسجيل سابقة قد تنسحب على المتعاقدين في مؤسسات الدولة باسرها؟ أم بات على اللبنانين أن يدفعوا الثمن كل مرة، مرة بسبب وقوعهم ضحية التجاذبات السياسية، ومرة بسبب الملهاة في مواضيع مماثلة تتسبب  بتأخير البتّ في الكثير من مشاريع القوانين الحيوية والتي قد تضرب بمرتكزات الحياة الأمنية والسياسية والاقتصادية في لبنان، خصوصاً إذا ما علمنا  ان  الانتخابات النيابية لعام 2013 لا يزال ملف  مشروع القانون في الأدراج والحديث عنه وراء الكواليس، فيما على القانون أن يكون جاهزاً قبل ستة أشهر  من موعد الانتخابات على الأقل امام وزير الداخلية؟