لطالما نادى مجتمع الأعمال في لبنان بفصل السياسة عن الاقتصاد، من دون جدوى. كما لم تجد طائلاً مناشدة السياسيين أهل الاقتصاد بالابتعاد عن تسييس شعاراتهم لتحقيق مطالبهم وبرامجهم. وإزاء هذا الواقع المعقّد، بقي المواطن أسير الحلقة المفرغة والمقفلة أمام الحلول.

بعد مرور ثلاثة أسابيع على عدم انعقاده بسبب الأولويّات والأولويات المضّادة، فجّر ملف اقتصادي صغير مجلس الوزراء السياسي. صغير الملف لأن كلفته على الخزينة 21 مليون دولار. وعنوانه دعم فارق كلفة الشحن البري للتصدير الصناعي والزراعي. علماً أن ملفات دسمة أكثر بكثير كعرض التعويض لشركة طيران خاصة بما يفوق المئة مليون دولار أميركي، أو طرح ردم الحوض الرابع في مرفأ بيروت بما يفوق عشرات ملايين الدولارات القيمة الفعلية لعمل مماثل، لم تفعل فعلها التفجيري في "الحكومة الجامعة".

أصل النزاع

نشأ أصل النزاع من اقفال معبر نصيب على الحدود السورية – الأردنية والذي يمرّ عبره نحو 40% من الصادرات اللبنانية إلى الأردن والعراق وسائر دول الخليج. وخلف هذا التطور الميداني البرّي ارتدادات على انسياب السلع اللبنانية التي وجدت في البحر بديلاً آمناً للشحن ولكن بكلفة أعلى. وعلت أصوات المعنيين من الصناعيين والمزارعين مطالبة بالدعم لتدارك خسارة الأسواق التقليدية.

وكلف مجلس الورزاء ( عندما كان في وضعه الطبيعي ) الوزارات المعنية والمؤسسة العامة لتشجيع الاستثمار ( ايدال ) باعداد دراسة لتقييم حجم الدعم المطلوب، ورقم الـ 21 مليون دولار أميركي الذي أعلن عنه وزير الاعلام لدى تلاوته الأسبوع الماضي مقررات مجلس الوزراء.

الحلول المجتزأة

وبمعزل عن أيّ توجّه سيأخذه قرار دفع التعويضات للمصدّرين أكان لناحية المباشرة بتطبيقه أو التراجع عنه بسبب الخلاف السياسي القويّ على دستوريته وميثاقيته، تبقى هذه الحلول المعتمدة لمسألة تصريف الانتاج الزراعي مجتزأة وغير شاملة ولا جذرية، خصوصاً أنها لا تأخذ بالاعتبار إلا المواسم المقبلة خلال فترة الصيف الحالي، متناسية الخيرات الآتية في بداية الخريف ولاحقاً في الشتاء وفي مقدّمها الموز.

مبادرة "الاقتصاد"

تطرح "الاقتصاد" مباردة تعتبرها مفتوحة للنقاش مع أهل العلم والاختصاص في القطاعين العام والخاص ولا سيما مع الصناعيين والمزارعين والتجار، بهدف انقاذ موسم الموز المقبل عن طريق تحفيز استهلاكه أكثر في السوق المحلي بطرق متعدّدة ومتنوّعة، والتخفيف من الاعتماد على تصريفه في السوق الخارجي المتأثر بحركة المعابر وقرارات الدعم الملغومة.

الواقع الحالي لزراعة الموز في لبنان

بات القسم الأكبر من سهل صور والجنوب والدامور مزروعاً بالموز. وتبلغ المساحة المزروعة 30 الف دنم (بحسب آخر احصاء لوزارة الزراعة عام 2010)، وكميات الانتاج 96 ألف طن (آخر احصاء لوزارة الزراعة عام 2009). تغطي كمية الانتاج حاجة السوق المحلي، والفائض (20 الى 30% من الانتاج) يتم تصديره برّاً. توضّب الكميات المصدّرة خضراء في علب كرتون زنة 12 كلغ، وتحمّل في شاحنات – برّادات. ويتمّ تخمير الموز الأخضر في البلد المستورد.

وعند اغلاق المعابر على الحدود البريّة، يتوقف التصريف، ويعاني المزارعون كما التجار. كما أن عوامل الطبيعة ( تدني الحرارة، تساقط البرد والثلوج على الساحل، الشحائح.. ) تخلف الخسائر. ونتيجة ذلك: الكساد، تدني الأسعار، وبالتالي عدم القدرة على التصريف.

التصريف ونقاط البيع

يبدأ موسم الموز فعلياً في تشرين الأول وينتهي  أواخر  آذار – نيسان. ولمّا تحولت مساحات شاسعة الى هذه الزراعة، أصبح الانتاج مؤمناً طوال أشهر السنة تقريباً، ولكن بكميات قليلة جداً في الصيف. تبدأ عملية البيع من المزارع، وتمرّ بالتاجر وصاحب القوميسيون والمخمر، فصاحب المحل بالمفرّق.

تصل الأرباح إلى 100% اذا كان يملك التاجر مخمراً ومن ثم يوزّع بنفسه على نقاط البيع. وتفوق الأرباح 100% اذا تولى التاجر الشراء من المزارع والتخمير وبيع المنتج الى المستهلك مباشرة. الموز الأصفر سريع العطب خصوصاً في الطقس الحار ولذلك يحتاج الى التسويق السريع.

نقاط البيع هي السوق الخارجي و السوق المحلي (محال وبسطات الفاكهة، السوبرماركت، محلات السمانة التي تبيع الخضار والفاكهة، العربات على الطرق...)

سلبيات بيع الموز الأصفر

- تعلق أبراج الموز في السقف

- وزنها ( 20 كلغ وما فوق ) يشكل عائقاً

- لذلك هناك محلات سمانة لا تبيع الموز لأنها غير مجهزة وتحتاج الى مساحة، وبسبب وجود رجال مسنّين و/ أو سيدات تدير هذه المحال وهي غير قادرة على حمل هذه الاوزان

- الموز الاصفر غير موضّب، كما أنه يخلف أوساخاً في أرض المحل

- لا يستطيع الزبون بنفسه تعبئة الموز في الكيس كما سائر الفاكهة ( التفاح مثلاً )

- يحتاج البائع الى استخدام منشار خاص لقصّ المشط الذي يختاره الزبون

- تصريف الموز الأصفر في المنزل يجب أن يكون سريعاً لان بقاءه أكثر من اللزوم يعرضه للاهتراء

- وضع الموز الأصفر في البراد يحوّل لون القشرة الى سوداء وغير ملفتة للعين.

المشروع البديل: بيع الموز الأخضر مباشرة الى المستهلك وتصنيعه وتجفيفه

- تسويق كمية من الموز الفائض عن حاجة السوق المحلي أخضر إلى جانب الأصفر مباشرة في نقاط البيع الى المستهلك بعد معالجته وتنظيفه

- تعبئته أخضر في علب كرتون سعة 1.5 أو 2 كلغ

- توضيب كل حبّة موز إلى جانب الأخرى بطريقة ملفتة وجذابة ( مثلاً كرتونة البلح أو الاكي دني)

- استخدام كمية من الموز الفائض عن حاجة السوق المحلي في تصنيع مربّى الموز.

- تجفيف ما تبقّى من الكميات الفائضة وتسويقها مع الفاكهة المجففة الغالية الثمن.

مزايا هذا المشروع

- التركيز على تخمير الموز الاخضر في المنزل بطريقة طبيعية وصحية ( بواسطة التفاح مثلاً ) من دون مادة الـ carbure

- امكانية تصريف الانتاج الفائض في الداخل مع اطالة فترة تخزين الموز من دون تخمير اصطناعي

- تفادي الوقوع تحت ضغوط المعابر الحدودية ومخاطر النقل الخارجي

- تخفيض الاكلاف مع الغاء كلفة النقل الخارجي

- اطالة عمر الموز الأخضر في المنازل حتى الـ 3 اسابيع تقريباً من دون أن يتعفّن

- ايجاد نقاط بيع جديدة للموز المعبأ بعلب كرتون صغيرة ( محلات السمانة التي لا تبيع الخضار، محلات الحلويات والبزورات، الأفران...

- اعتماد المطاعم والمقاهي علب الموز كهدايا غير مكلفة في عملية جذب للزبائن للعودة ...

- اطلاق حملات وطنية لشراء علب الموز الاخضر واشراك المواطن في تحمّل مسؤولية تصريف انتاج لبنان الزراعي.

- اطلاق حملات تثقيفية حول طرق تجفيف الموز في المنازل وحول سبل تصنيعه كمربّى.

- اعداد دراسة مستقبلية لتعبئة الموز المغطى بالشوكولا مثلاُ ( على شاكلة التمر والشوكولا )

- تأمين فرص عمل جديدة وسهلة لربات المنازل في قرى العودة من دون عناء التنقل ( الدامور مثلاً) الأمر الذي يعدّ عاملاً دافعاً وداعماً لمسيرة عودة المهجرين.

- هذا المشروع يستوعب كل الانتاج في السوق المحلي طالما هو أخضر. كما يحد من الخسائر التي تسببها الطبيعة....

مشروع قابل للحياة

تأمل "الاقتصاد" أن تلقى هذه المبادرة اهتماماً رسمياً وخاصاً، وأن يصار إلى بلورتها وإلى تحويلها مشروعاً قابلاً للحياة والنمو، فلا تصيب مزارعو الموز في الموسم القريب الذي يعدّون له الخيبة والمعاناة التي سبق أن قاسى منها المزارعون الآخرون.