يرى البعض أن شهر الخير والبركات ربما صار يحمل عبئاً شبه ثقيلٍ تتكبدُ عناءَه العديد من العائلات التي بالكاد تستطيع تأمين احتياجات يومها.. والتي تنقم كل يوم أكثر على التجار، وتنظرهم على أنهم يستغلّون (موسم الخير) ليجعلوا منه موسم احتكارات تعمل في خفاء عن أعين الرقابة شبه المعدومة.

وحتى غلاء الأسعار في ​لبنان​ يتميّز عن نظيره في البلدان القريبة، حيث أن اسعار السلع في اسواقنا ترتفع بشكل جنوني مع أي حدث يحصل، مستفيدةٍ من غياب أو ضعف السلطة الرقابية والمحاسبة.. فتأخذ بذلك منحىً تصاعدياً يرهق القدرة الشرائية لدى المستهلك ويؤثّر سلباً على ثقته.

هو شهر الرحمة .. فلماذا يرفعون الأسعار فيه من دون رحمة..؟!

أيضاً تتأثر أسعار السلع والخدمات في لبنان بما يشهده العالم من متغيرات اقتصادية بل وحتى أمنية.. وعند أول أزمة تحصل في بلد قريب، ترتفع الأسعار عندنا ثم لا تعود الى سابق عهدها حتى وإن تمت معالجة المشكلة في البلد الآخر.

وبذلك، أصبح المستهلك اللبناني يعلم يقيناً أن أسعار المأكولات (الخضار والفواكه واللحوم) سترتفع بشكل ملحوظ قبيل ​رمضان​ من دون أي مبرر غير الاحتكار، مستسلماً بذلك للواقع الذي فُرِض عليه وأُجبر على التعايش معه..

    

في غضون ذلك، كان لنا جولة على عددٍ من الأسواق في ​بيروت​، لحظنا خلالها أن معظم أنواع الفاكهة والخضار تشهد ارتفاعاً في الأسعار، لكنّ الأسوأ من ذلك هو أن هذا الارتفاع غير المبرّر ليس إلا بداية، إذ يتوقّع البائعون أن ترتفع الأسعار أكثر مما هي عليه مع بداية الشهر، وبشكل خاص أسعار الخضار التي يزداد الطلب عليها كالخيار والخس والبندورة، فضلاً عن أسعار اللحوم والدواجن.

وقد قمنا بتوجيه سؤال لأكثر من مستهلك في الأسواق وداخل بعض المحلات، لنخرج منه بإجابات متوافقة نوعاً ما على أن "الغلاء لا يحتمل، والتجار لا يخجلون من استغلال شهر الصيام لكسب بعض المال..  لكن مع ذلك، فإن لرمضان بركة ، تجلب رزقته معه".. نوع آخر من الناس -وهم الغالبية- فيعتبرون أن المصاريف تتضاعف في هذا الشهر، لذا يجب أن يتم التحضير له قبل أن يحين موعده بفترة.

برو: كل التوقعات تصب في ناحية خفض الأسعار، لكن ما حدث واقعاً هو أن الأسعار ارتفعت!!"

في هذا السياق، كان لنا اتصال مع رئيس "جمعية حماية المستهلك" ​زهير برو​، والذي قال: "تبيّن لنا في آخر فصلين أن هناك استمراراً في غلاء أسعار السلع رغم انخفاض أسعار النفط عالمياً، وهبوط سعر اليورو، ورغم أزمة وقف تصدير المنتجات اللبنانية الى الخارج.., ومع أن التوقعات كلها كانت تصب في ناحية خفض الأسعار، لكن ما حدث واقعاً هو أن الأسعار ارتفعت!!".

وعلل برّو ذلك أسباب، منها أن "البلد يعيش في حالة من (الفلتان) والتجار يستغلون الفرصة للاستفادة منها كما هي العادة، فضلاً عن عدم توافر آليات تعمل على ضبط الاسعار واستقرارها، وكذلك غياب المنافسة وهذا عامل رئيسي يتسبب باحتكار التجار للسوق، وبالتالي رفع الأسعار كما يحلو لهم".

واضاف: "نطالب بعقد اجتماع لـ "المجلس الوطني لحماية المستهلك" والذي يضم تسع وزارات معنية بهذا الملف، اضافة الى ممثلين عن التجار والصناعيين والمستهلكين"، لافتاً الى أن هذا المجلس عقد في 10 سنوات أربع اجتماعات فقط، وذلك بسبب سيطرةٍ وهيمنةٍ واضحة ومنعٍ لانعقاده، موضحاً أن الهدف من ذلك هو العمل على راحة التجار".

وقال: "الأصوب أن يكون هناك اجتماع لمناقشة هذا الموضوع ودراسة الاجراءات الآيلة لضبطه، والعمل على توفير الراحة المطلوبة للمستهلكين، وليس فقط التجار".

وقال: "نحن بدولة احتكارات، لسنا في دولة منافسة واقتصاد حر.. هذا كذب!! لبنان ليس اقتصاد حر، بل هو ممسوك من المحتكرين، وهذا ما جعل معدّل الغلاء فيه أعلى بنحو 25% من معظم البلدان المحيطة به والقريبة منه". واضاف: "هناك سياسات وتضامن وشبكات علاقات سياسية / تجارية تسيطر على السوق اللبناني، وحتى اليوم لا نملك في لبنان قانوناً للمنافسة. وبالتالي فهذا يفسر الوضع الراهن، ويتسبب بعدم انخفاض الأسعار، التي في حال انخفضت (قليلاً) يكون ذلك بشكلٍ مؤقت لسلع كالخضار والفاكهة فقط، ومع ذلك فإنها تشهد ارتفاعاً اليوم".

وتابع: "ونحن متخوّفون اليوم فالأسعار بالعادة ترتفع مع بداية شهر رمضان ثم تنخفض تدريجياً أثناء الشهر، بينما تشير تقديراتنا الى أنها لن تتراجع هذا العام في ظل هذه الاجواء، نحن طبعاً سنراقب الأسعار وندرسها وننشر النتائج عبر الاعلام، لكن تقديراتنا الأولية هو أن هناك (فلتان) كامل في البلد".

وأكد برو على أن "وضع الأسعار هذا العام هو الأسوأ بالمقارنة مع السنوات الماضية، حيث أن كل العوامل التي تؤثر على خفض الأسعار توافرت، لكن لم يكن لها أي نتائج تُذكر". وقال: "الدولة قادرة على التحرك بأدواتها، ومن أدواتها هوامش الأرباح، والبدء بطرح قانون المنافسة"، لافتاً الى ان هيئة تابعة لـ "الأمم المتحدة" قدمت الى لبنان من اجل مناقشة هذا الموضوع وعرض مسودّة على الحكومة، لا ندري أين أصبحت اليوم"، معتبراً أن بعض السياسيين يرفضون تحريك هذا الملف لأنهم هم بالأساس تجار، والمصيبة الكبرى في لبنان اليوم هي (شبكة المصالح المشتركة السياسية التجارية).

من جهةٍ أخرى، أشار نقيب اصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري ​طوني رامي​ ، في ردٍ على سؤال لـ "الاقتصاد" حول تأثير شهر رمضان على هذا السوق ، الى ان وجبة الغداء في المطاعم تخف بشكل كبير كما يخف أيضاً مبيع الكحول، وتقوى الافطارات، لكن بسعر عادةً ما يكون أقل من السعر المعتمد لدى المطعم، لذا فإن شهر رمضان يؤثر بشكل سلبي على ايرادات المطاعم".

واضاف: "أما المقاهي، فتستفيد من هذا الموسم، لأنها تستقبل الشهر بعمل الافطارات ومن ثم السحور في الليل، كما تقوى لديها بيع النراجيل والحلويات والصاج والمناقيش، فضلاً عن أن البيع يمتد حتى ساعات الفجر تقريباً، وهذا يرتدُّ بشكل ايجابي كبير على المقاهي. بينما الملاهي يخف عملها، إذ أن روّاد السهر تقلّ أعدادهم جداً، فكثير من الناس يكونون صائمين، كما أن الطوائف الاخرى تخف سهراتها لأنها عادةً ما تأتي ضمن مجموعات من جميع الطوائف، وبذلك تخف الحركة".

رامي: المقاهي تستفيد من الموسم عبر الإفطارات والسحور

ولفت رامي الى ان حركة السوق خلال الفصل الاول من العام 2015 الحالي كانت أفضل بنحو 20% من نفس الفترة من العام 2014، لكن هناك قلق اليوم على أبواب الصيف، فالخطاب السياسي لا ينذر بالايجابية، ووضع البلاد على المحك، كما أن المسؤولين في لبنان لم يدركوا أن بإمكانهم العمل على ملفاتهم السياسية من تحت الطاولة دون نشرها على العلن، ولو حدث ذلك فإنه سيحمل آثاراً ايجابية كثيرةً على القطاع السياحي". وقال: "كلما خرج سياسيٌّ ما بموضوع ما، يضعه في عشرين صحيفة، ويطلق أربعين خطاباً حولهُ في أسبوع.. ما نرمي إليه هو أن اللهجة والمنطق السياسي في لبنان يرتد سلباً على ​السياحة​".

واشار الى أن "لبنان بلد سريع التعافي والانتعاش، ولو حصل اليوم أي خضة ايجابية في البلد، سواء من انتخاب رئيس للجمهورية، أو أي نوع من "دوحة" جديدة، عندها بإمكان لبنان أن يقوم بإعادة تأهيل نفسه والتماثل للشفاء وعمل موسم صيف جيد نوعاً ما".

وقال: "أملنا في المغترب اللبناني أن يرجع الى لبنان ويقيم فيه، لا أن يأتي ثم يسافر، وصحيح أن عدد السواح يعد مقبولاً نوعا ما، لكن هناك أمور مهمة لا يأخذها السياسيون في عين الاعتبار، منها نوعية السائح، ومدة إقامته، والقدرة الشرائية لديه..   اليوم يعاني لبنان من هذه الأمور، إذ لا يستوفي السائح مدة الإقامة المطلوب، ولا القدرة الشرائية كذلك، ولا حتى نوعية السائح الخليجي الذي كان يزور لبنان في 2009 الى 2011 وما قبل ذلك".

فعلى أمل أن يتم تفعيل الدور الرقابي الذي يساهم في توفير الراحة للمستهلكين، بلّغكم الله رمضان بكل خير.