رفع البنك الدولي مؤخراً تقديراته لتحويلات المغتربين إلى لبنان إلى 8.9 مليار دولار في العام 2014. وعزا هذا الإرتفاع في تحويلات المغتربين إلى لبنان في العام 2014 "جزئيًا" إلى التحويلات المرسلة إلى النازحين السوريين في لبنان من قبل ذويهم في الخارج، فضلا عن تحسّن النشاط الاقتصادي في بعض البلدان الرئيسية التي تستضيف المغتربين اللبنانيين، مثل الولايات المتحدة الأميركية.

وبذلك حلّ لبنان في المرتبة الرابعة عشرة عالميًا، وفي المرتبة العاشرة بين الإقتصادات النامية الـ 125 من حيث تحويلات المغتربين في العام 2014.

كذلك، صنّف التقرير الحديث الصادر عن البنك الدولي لبنان كثاني أكبر متلقّ لتحويلات المغتربين بين 16 دولة عربية وكثالث أكبر متلقّ لها بين 50 دولة ذات الدخل المتوسط إلى المرتفع. كما وقُدّرت تحويلات المغتربين إلى لبنان بما يوازي 17.8% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2014، وهي النسبة ذات المرتبة الأحد عشر الأعلى عالمياً.

شرف الدين "للاقتصاد": التحويلات إلى ارتفاع

- كيف يفسّر النائب الأول لحاكم مصرف لبنان رائد شرف الدين هذه الأرقام؟

فقد أكد شرف الدين "للاقتصاد" أن "الوتيرة السنوية لهذه التحويلات هي إلى ارتفاع، بالرغم مما شكّله انخفاض سعر البترول من تحدٍ على حركة التحويلات، كون هذا الانخفاض يؤثر على حركة الاقتصاد في الخليج، وهو منبع التحويلات الى لبنان، حيث يشكّل هذا المصدر 60% من اجمالي تحويلات المغتربين." ووصف المغتربين "بالشريان الحي والركيزة الأساسية للاقتصاد الوطني، لما يملكون من رؤوس أموال بشرية واجتماعية وعلمية وقدرات مالية كبيرة، مما يعطيهم دوراً فاعلاً وبارزاً في دعم الاقتصاد اللبناني".

ولكن على الرغم من اعتباره أن هذه الوتيرة "مؤشر جيد يدل على متانة الوضع المالي والثقة بالنظام المصرفي اللبناني"،فإن أي معلومات دقيقة عن نسبة تمويل هذه التحويلات للمشاريع الانتاجية، غير متوفرّة حالياً. ولا توجد أي مؤشرّات عن سبل استخدامها ومآلها وما إذا كان أصحابها يكتفون بايداعها كودائع مجمّدة مقابل الفائدة العالية نسبياً التي تعطيها المصارف اللبنانية، مقارنة مع المصارف الأجنبية في الخارج.

ثقة بالمصارف لا تقابلها ثقة بالاقتصاد

غير أن تخطي موجودات القطاع المصرفي سقف الـ 176 مليار دولار، وإن كان يعتبر مؤشراً إلى ثقة المودعين المقيمين وغير المقيمين الكبيرة بالقطاع المصرفي اللبناني، فهو لا يعكس ثقة مماثلة بالاقتصاد اللبناني ككلّ، بفعل تجميد هذه الكتلة النقدية الكبيرة مقارنة بحجم الناتج المحلي الذي يصل الى حدود الـ 47 مليار دولار تقريباً، ونتيجة عدم اقدام غالبية أصحاب رؤوس الأموال هذه على توظيف جزء منها في مشاريع تكنولوجية وصناعية وزراعية وبيئية وانمائية تؤمن فرص العمل، وتشكل البديل عن هجرة الشباب اللبناني.

86 ألف مليار ليرة مجموع التسليفات حتى نهاية 2014

لقد وفّرت المصارف التجارية والمؤسسات المالية للمواطنين والمؤسسات تسليفات تشمل جميع أصناف القروض والتي تتضمّن التسليفات الزراعية والصناعية والتجارية-الخدماتية وتسليفات المقاولات والبناء والوساطة المالية وغيرها من الأصناف المخصصة للاستخدام الفردي والمؤسسي. وبلغ مجموع هذه التسليفات حتى نهاية العام 2014 حوالي 454 86 مليار ل.ل.

كيفية توزّعها على المحافظات

توزعت هذه التسليفات حتى نهاية العام 2014 على المناطق الجغرافية، في لبنان وخارجه كالآتي:

القطاعات الاكثر استفادة

أما القطاعات الأكثر استفادة من هذه التسليفات فهي قطاع المقاولات والبناء (17 %)، قطاع التجارة والخدمات (34 %)، وقطاع القروض الشخصية للأفراد (29 %) والذي شكّلت القروض السكنية منه ما نسبته 60 %.

وفي قراءة ايجابية لهذه الاحصاءات، يمكن شمول تمويل بعض المشاريع الانتاجية التكنولوجية أو الزراعية الصغيرة ضمن فئة القروض الشخصية التي لا تحتاج إلى ابراز الكثير من الكفالات للحصول عليها. ومع ذلك، تبقى حصّة الصناعة والزراعة دون المستوى المطلوب لتحقيق نقلة نوعية تؤدي إلى تكبير حجم مساهمتهما في الاقتصاد.

آليات تسريع اجراءات التمويل

فما هي المعوقات التي تحول حتى الآن دون تسهيل عمليات الاقراض؟ وما هي الأنظمة التشريعية والتنظيمية المطلوب تعديلها لتحسين وتبسيط وتسريع اجراءات التمويل؟

يجيب شرف الدين: "إن تأمين المستويات المطلوبة من التمويل يحتاج إلى توفير بنيةٍ تشريعية-قانونية ومؤسساتية وتنظيمية عصرية ومتطورة، تشكّل البيئة الحاضنة لآليات التمويل وتسهم في تحسين وتبسيط وتسريع إجراءاتها. وتقوم هذه البنية على دعامتين، الأولى تُعنى بتوفير المؤشرات والمعلومات الإقتصادية والإحصائية الضرورية لإيجاد البيئة الآمنة لآليات التمويل وتعزيز الثقة بين المستثمر والمموّل من جهة والمُقترض من جهة أخرى".

ويسعى مصرف لبنان إلى تعزيز الثقافة المالية والوعي لدى المستهلك والجهات الساعية إلى التمويل،من خلال وحدة حماية المستهلك ونشر برامج التوعية والتثقيف في المراكز الرئيسيّة للمصارف والمؤسسات المالية وجميع فروعها ومواقعها الإلكترونيّة وغيرها من وسائل التواصل مع العملاء.

منظومة تشريعية-مؤسساتية-تنظيمية

وتتكوّن الدعامة الثانية من المنظومة التشريعية-القانونية والمؤسساتية والتنظيمية المطلوبة لتطوير وتبسيط وتسريع إجراءات التمويل.وتتضمّن اجراءات عدة من أهمها:

أولاً، حماية حقوق المموِّلين وضمان سلامة آليّاتهم الإدارية والرقابية، حيث يشدّد مصرف لبنان على تطبيق مبادئ الإدارة الرشيدة وإنشاء وحدات الامتثال في الإدارات المصرفية والمالية، منشئًا لهذه الغاية وحدة الإدارة الرشيدة.

ثانياً، تطوير قانون الإفلاس، بحيث يتم معالجة بعض الإشكالات الناتجة عن علاقة هذا القانون ببعض القوانين الداخلية الأخرى مثل القوانين الضريبية، والقوانين العقارية وقانون الضمان الاجتماعي، وذلك لناحية الأولوية في التطبيق. كذلك من الضروري إيجاد حلول للصعوبات التي تنشأ في حالات الإفلاس عبر الحدود عند متابعة اجراءات التفليسة خارج حدود الدولة التي صدر فيها حكم الافلاس، ولا سيما لناحية عدم وجود مرجعية قضائية تشرف على هذه الاجراءات وتتابع  حسن سير عملها مما يمكن ان يعرّض حقوق الدائنين لخطر الضياع.

ثالثاً، مراجعة النظام الضريبي والتخفيف من أعبائه كي يصبح أكثر دعماً لروّاد الأعمال في خوض المخاطر، وأكثر تشجيعاً للمؤسسات من أجل العمل بشفافية وضمن إطار القطاع الرسمي. كذلك من الأهمية بمكان معالجة الأعباء النسبية المرتفعة في تكاليف إقامة وتشغيل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

رابعاً، مراجعة قيم ضمانات الائتمان للقروض، والمضي في تطويرنظام رهن الأموال المنقولة الهادف إلى تشجيع إقراض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، كون هذه المؤسسات تفتقر الى الضمانات الثابتة الكافية.

خامساً، إنجاز قانون عصري ومتكامل للمنافسة يواكب التطورات العالمية ويعمل على خلق المناخ الملائم لتأمين المنافسة والنفاذ الى الأسواق عبر منع كل الممارسات المخلّة بالمنافسة وعمليات استغلال الوضع المهيمن، وبالتالي زيادة رفاهية المستهلك وتحفيز الفعالية الاقتصادية والأعمال الخلاقة. وفي هذا المجال،قامت وزارة الاقتصاد والتجارة بوضع سياسة جديدة حول المنافسة تواكب التجارب العالمية.

سادساً، إصدار قانون لتنظيم العمليات المالية والمصرفية بالوسائل الإلكترونية، لا سيما التجارة الإلكترونية وما يتعلّق بها من شؤون كالتوقيع الإلكتروني والدفع الإلكتروني والمعاملات الإلكترونية وحماية المستهلك وخصوصيته والجرائم الإلكترونية، علماً أن مصرف لبنان أصدر عدداً من التعاميم المتعلقة بالعمليات المالية والمصرفية الإلكترونية، إلا أن هذه الأنظمة يقتصر تطبيقها فقط على المصارف والمؤسسات المالية.

سابعاً، إصدار قانون يرعى تطبيق مبادئ الإدارة الرشيدة في الشركات التجارية، بهدف تعزيز السياسات الداخلية التي تضمن مبادئ الشفافية والمساءلة وفعالية الإدارة، علماً أن تعزيز الحوكمة يؤسس لمفاهيم جديدة في ثقافة الإستثمار، خصوصاً في الشركات الناشئة، من أهم تنائجها تعزيز إدارة المخاطر. الجدير ذكره أن مصرف لبنان يتخذ الإجراءات الضرورية لتطبيق مبادئ الإدارة الرشيدة على صعيد الإدارات المصرفية والمالية، كما ورد سابقاً.

تخفيف عبء التمويل الاقراضي على المؤسسات الصغيرة

ثامناً، تعزيز ثقافة المساهمة للتخفيف من عبء التمويل الإقراضي على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، عبر تطوير الأسواق المالية وأسواق رأس المال. وفي هذا المجال، أسّس مصرف لبنان هيئة الأسواق المالية وفقا لقانون الأسواق المالية في إطار السعي إلى تطوير السوق المالي من أجل رسملة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عبر آلية حشد التمويل (crowd-funding). وتقوم الهيئة بدراسة خيارات عدة لتفعيل عمل الأسواق المالية، من بينها إنشاء بورصة للمؤسسات المتوسطة والصغيرة. هذا بالإضافة إلى دعم مصرف لبنان لاقتصاد المعرفة، عن طريق تحفيز المصارف للمساهمة في الشركات التي تعنى بهذا القطاع، ممّا يعزّز من آليات تأسيس شركات جديدة في لبنان، والتي قد تتحوّل في المستقبل الى شركات مساهمة قابلة لإغناء الإقتصاد الوطني وتوفير فرص عمل جديدة وتعزيز عمل السوق المالية. لذا فإن جوهر هذه المبادرة هو عملية الرسملة وليس الإقراض، لأنها توفّر آلية للمصارف اللبنانية كي تشارك في رأس مال تلك الشركات الناشئة، وبالتالي يتجنّب القطاع الخاص عبء كلفة الدين الذي يمكن أن يحد من إمكانات الاستثمار لدى المؤسسات".

لبنان 104 في مؤشر بيئة الأعمال

صنّف البنك الدولي لبنان في المرتبة 104 من أصل 183 في مؤشر بيئة الأعمال (WBEI)، والذي يصنّف الدول بناءً على المناخ العام للأعمال التجارية السائد في كل منها. ويعتمد هذا التصنيف على متغيّرات يعتبرها أساسية في بيئة الأعمال، وهي: حماية حقوق الملكية، إنفاذ العقود، أنظمة تكلفة النفاذ إلى الأسواق، وفعالية نظام الإفلاس.

ويرى خبراء"للاقتصاد" أن هذا التصنيف " لا بأس به نظراً للأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية الضاغطة والصعبة التي يمرّ بها لبنان، من دون اغفال التطوّرات التي تشهدها المنطقة  وتأثيراتها على لبنان".