يتميز الشعب ال​لبنان​ي عن غيره بحالة فريدة من الاختلاف في وجهات النظر والرغبة في المعارضة، حيث لا تكاد تمر علينا قضيّة واحدة إلا ويصطف اللبنانيون عليها في صفّين اثنين، ما بين مؤيد لها ومعارضٍ، أو مطالب بها ورافضٍ..

وحتى  في ظل التهديد الأمني الذي يخيم شبحه على الحدود اللبنانية اليوم، متمثّلاً بمعركة القلمون الكبيرة المرتقبة، يتساءل اللبنانيون عن الآثار المتوقعة لنتائج هذه المعركة التي يقال أنها بدأت بشكل ما ،  وهل ستحمل نتائج سلبية على ​الاقتصاد​ اللبناني؟ وما تأثيرها في حال انتصر النظام السوري وحلفاؤه، أو انتصرت المعارضة المسلحة..؟! وفي ضوء ما هو حاصل.. كيف ستكون حركة الأسواق في صيف 2015 الذي أصبح على الأبواب؟

وفي خضم الجهد الذي تبذله الحكومة اللبنانية والاجهزة الامنية للعمل على تحييد الداخل اللبناني أي وقوع في شباك الحرب القائمة، وبالتزامن مع شبه الإستقرار الأمني والاقتصادي الذي يعيشه لبنان بالمقارنة مع دول المنطقة التي تشهد منذ سنوات أزمات خطيرة أهلكت أقتصاداتها ودمرت ثرواتها.. كيف يقيم خبراء الاقتصاد أداء القطاعات الإقتصادية في لبنان بشكل عام خلال هذه المرحلة؟ لبحث هذه المعضلات كان لنا أحاديث مع عدد من الخبراء للوقوف عن هذه النقاط والنظر الى ما هو أبعد منها..

لويس حبيقة

بداية ، أوضح الخبير الاقتصادي د. لويس حبيقة أنه "ليس بالضرورة أن تحمل معركة القلمون تداعيات سلبية على الاقتصاد اللبناني، إذ أن أهم ما فيها بالنسبة للاقتصاد نتائجها.. فهذه الحرب الموجودة والمرتقبة قد تكون لها آثار مغايرة، وربما تحمل نتائج ايجابية وفي صالح استمرارية لبنان".

وقال: "الحرب السورية اليوم تستنزفنا وتستنزف لبنان وسوريا والعالم العربي، وبالتالي فإن انهاءها بمعركة كبرى ليس أمراً عاطلاً أبداً". لافتاً الى وجود ثلاث سينواريوهات متوقعة، وهي: انتصار النظام السوري وحلفاؤه، أو انتصار المعارضة المسلحة المتواجدة في القلمون، ومنبّهاً من السيناريو الثالث الذي اعتبره الأسوأ، وهو أن لا ينتصر أي طرف من الطرفين، حيث أن ذلك سيؤدي الى استنزاف سنوات اضافية، وهذا ممكن جداً.

كما اعتبر أن استمرار الحرب سيكون سيئاً جداً، لأنه سيكون سرطانياً على الاقتصاد"، مضيفاً: "حتى وان انتصر الطرف السيء بالنسبة للبنان، فمن الممكن أن تتم لاحقاً معالجة الكثير من الامور، وبالتالي توجد أفضلية بين السناريوهات الثلاث، والتي أسوأها أن تستمر الحرب على ما هي عليه".

وتابع: "من مصلحة الاقتصاد أن تكون المعركة حاسمة وتنتهي الحرب، إذ أن أسوا ما يتعرض له لبنان هو استمراريتها، وليس بإمكان الاقتصاد اللبناني أن يتخارج من هذه الأزمات، لأنه لا يقدر على العيش من دون الاقتصاد السوري".

وقال في حديث خاص لـ "الاقتصاد": "لن يكون صيف 2015 جيداً حتى في حال انتهت الحرب السورية بعد شهر أو شهرين من الآن، لأن موسم الصيف يتم التحضير له في شهر آذار، ونحن اليوم في أيار، ما يعني أن هذا الموسم فاته القطار، والتعويل اليوم بات على أمر واحد لا غير، هو أن يأتي المغتبرون اللبنانيون لقضاء عطلة الصيف هنا، وهو أمر ما يزال غير واضح جداً حتى الساعة".

وفي سؤال عن تقييمه لأداء القطاعات الإقتصادية في لبنان بشكل عام، قال حبيقة: "نحن اليوم في (كوما).. ونعيش حالياً غيبوبة سيئة جداً، قابلة لأن تسوء أكثر لكنها غير قابلة للتحسنً".

وليد أبو سليمان

بدوره اعتبر الخبير المالي والاقتصادي وليد أبو سليمان أن "باب التوتر الذي نراه هو بالأساس باب سياسي، طرأ عليه توتر أمني مؤخراً، ما نزال نعيشه على الحدود اللبنانية - السورية، وهذه الامور مجتمعة تسببت بحدوث تباطؤ اقتصادي في لبنان".

وقال: "اليوم يحكى طبعاً عن معركة القلمون، على المدى القريب من الممكن أن يكون هناك تأثيرات اقتصادية، حيث يمكن أن يكون هناك حالة من الترقب الاستهلاكي أو الاستثماري، إنما على المدى الطويل، فإذا ما حصل انتصار ما أو اندحار للقوى التي تعمل على تهديد الحدود، فطبعاً بهذه الحالة سينعم بلدنا باستقرار أمني، ويعود الاقتصاد للسير على السكة الصحيحة. لذا، فإن الاستقرار السياسي مهم جداً للنهوض بالاقتصاد الوطني" لافتاً الى ان "تفريغ المؤسسات الدستورية وتعطيلها "وعلى رأسها رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء الذي هو حالياً في مرحلة شبه تصريف أعمال"، يؤدي الى الضغط على الاقتصاد الوطني".

وأضاف: "من الممكن أن يكون لنتائج حرب القلمون تكهنات سياسية بحصول تسوية تشمل انتخاب رئيس جمهورية، واقرار قانون انتخابات جديد، لكن الأمر يبقى رهن الوضع الاقليمي، حيث لا يمكن انجاز أي تسوية بدون تقارب اقليمي سعودي - ايراني، فلبنان يشهد انقساماً داخلياً ما بين فريق هواه سعودي وفريق آخر هواه إيراني، وإذا تم التقارب سينعكس ذلك داخلياً باتفاق شبه كامل متكامل".

ولفت أبو سليمان الى ان "الاستهلاك ازداد في الداخل اللبناني خلال فصل الصيف، وذلك بسبب انخفاض سعر صرف اليورو، وهبوط اسعار النفط عالمياً"، متوقعاً أن تكون الحجوزات من المغتربين اللبنانيين كثيفة وكثيرة، وقال: "نحن نعوّل على الاستقرار، لأن الصيف يشكل جزءاً مهماً جداً من الواردات ، والسياحة تشكل نحو 24% من الناتج المحلي في لبنان. ونتوقع أن يكون هذا الصيف أفضل من الذي سبقه، إلا اذا شهدناً تدهوراً أمنياً خطيراً جداً، ونتمنى ألا يكون الامر كذلك".

كما اشار الى أن السياحة ارتفعت 27% خلال الفصل الاول من العام 2015 ، وارتفعت أيضاً نسبة الاستهلاك وثقة المستهلكين، على عكس قطاعات أخرى كالقطكاع العقاري والترانزيت والتصدير الى الخارج الذي تعرض الى انتكاسة اغلاق معبر "نصيب" الحدودي، وهو معبر مهم للصادرات اللبنانية، بينما لم تجد الحكومة حتى الآن بديلاً لهذا المعبر.

وأضاف: "بشكل عام، الأرقام اقتصادياً مشابهة الى حد بعيد لنهاية العام 2014، وذلك بسبب ارتفاع وتيرة الاشتباكات السياسية الداخلية والامنية على الحدود".

نسيب غبريل

من جهته، رفض كبير الاقتصاديين ومدير قسم البحوث والتحاليل الاقتصادية في مجموعة "بنك بيبلوس" نسيب غبريل، التعليق على تداعيات نتائج معركة القلمون على الاقتصاد اللبناني، معتبراً أن أي تحاليل في هذا السياق يبقى ضمن مضمار التكهنات، وتفتقر الى الربط العلمي الواضح.

لكنه لفت الى ان "موسم الصيف ما يزال يعاني لأكثر من 4 سنوات بسبب الوضعين الأمني والسياسي"، مضيفاً: "حتى العام 2014 بالرغم من تحسن الأرقام، لكن ذلك بسبب أن العام 2013 كان عاماً كارثياً ومن أسوا السنوات التي مرت على لبنان، وبذلك فإن أي نتائج بعده ستكون أفضل، فضلاً عن ارتفاع عدد الزائرين العراقيين الذين هربوا العام الماضي الى لبنان من الحرب الدائة في بلادهم، ولم تتوافر احصاءات مفصلة وكافية لمعرفة سبب زيارة هؤلاء، سواء أكانت للعمل أو السياحة أو لأسباب الصحية، أو ربما للهروب من الحرب والاوضاع السيئة التي تعيشها مناطقهم".

وقال: "أما العام الحالي فنشهد منذ بدايته استباباً أمنياً، وأتوقع أن يأتي هذا الصيف مغتربون أكثر من العام الماضي إذا ما بقيت الأوضاع الأمنية مستتبة دون أي تدهور". لافتاً الى ان "التعويل في صيف 2015 هو على المغتربين اللبناتنيين فقط لا غير".