يستضيف مقر المجلس الاقتصادي والاجتماعي قبل ظهر غد الاربعاء 13 الجاري الاجتماع الأول للجنة المشتركة المكلفة "صياغة برنامج مشترك للمفاوضات بين لبنان ودول السوق المشتركة لدول اميركا الجنوبية (الميركوسور)"، وذلك وفق ما تضمّنت مذكرة التفاهم حول التعاون التجاري والاقتصادي بينهما والتي وقّعت في 16/12/2014. سيفتتح الاجتماع كل من وزير الاقتصاد والتجارة الان حكيم، وسفير البرازيل في لبنان خورخيه جيرالدو قادري ورئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي روجيه نسناس.وسيتمثل الجانب اللبناني بمسؤولينمن وزارات الخارجية والمغتربين والزراعة والصناعة والمالية والعدل والاقتصاد والتجارة والمديرية العامة للجمارك واتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان وجمعية الصناعيين اللبنانيين. أما عن جانب مركوسور، فسيحضر سفراء وقائمو بالأعمال ومسؤولون من وزارات التجارة في كلّ من البرازيل والارجنتين والباراغواي والاوروغواي وفنزويلا.

وقال رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي روجيه نسناس لـ"الاقتصاد" أنه "يؤيد كل الخطوات الآيلة إلى تعزيز وضع لبنان الاقتصادي خصوصاً في ظلّ الأوضاع الصعبة التي يمرّ بها لبنان".

وشدّد على أن توقيع الاتفاقات يأتي في اطار سياسات الدولة الهادفة الى تطوير علاقاتها الاقتصادية والتجارية، خصوصاً مع سعي الوزراء والمسؤولين المعنيين الدؤوب لكي تأتي الاتفاقات متجانسة ومتكافئة، ولا تضر بمصلحة لبنان الاقتصادية.

ونوّه نسناس لـ"الاقتصاد" بما يقوم به وزير الاقتصاد والتجارة الان حكيم على هذا الصعيد، شاكراً مبادرته إلى اختيار المجلس الاقتصادي والاجتماعي مكاناً مميزاً لاستضافة اجتماعات مماثلة، كون المجلس هو ملتقى الحوار واللقاء بين مختلف شرائح المجتمع والدولة.

مركوسور

نشأت مجموعة دول مركوسور عام 1991 بين الارجنتين والبرازيل والباراغواي والاوروغواي. ثم انضمت فنزويلا عام 2012 كبلد بعضوية كاملة، ودولة بوليفيا على طريق الانضمام الكامل. اما تشيلي وكولومبيا والاكوادور وبيرو فهي دول اعضاء مشاركة.وغدت مركوسور رابع مساحة تجارية مشتركة في العالم بعد الاتحاد الاوروبي واميركا الشمالية وجنوب شرق آسيا. وتربط في ما بين اعضائها المنتسبين اتفاقات تجارة حرة وتبادل حر وتسهيلات جمركية ومعاملات تفاضلية. وتوسعت علاقاتها لترتبط باتفاقيات شراكة مع دول اخرى لتسهيل التبادل التجاري. وحتى الساعة لم يوقع الاتحاد الاوروبي على اتفاقية منطقة تجارية حرة مع دول المركوسور. وما زال الاوروبيون يدرسون سلبيات وايجابيات هذه الخطوة على اقتصاديات القارة العجوز.

لماذا وقّع لبنان مذكرة التفاهم مع مركوسور؟

تحدّد مذكرة التفاهم الأسباب التي دفعت إلى توقيع مذكرة التفاهم بين لبنان ومجموعة دول مركوسور، وأهمّها تشجيع التبادل التجاري والاستثمارات المتبادلة عبر انشاء منطقة تجارة حرّة، على أساس أن اتفاقات التجارة الحرة تساهم في نمو التجارة العالمية واستقرار دولي متنامي، وبشكل خاص في تنمية علاقات وثيقة أكثر فأكثر بين شعوبها. إذ أن مسيرة التكامل الاقتصادي لا تشمل تحرير التجارة المتبادل والتدريجي فحسب بل تتعداه الى ارساء تعاون اقتصادي شامل. وتهدف المذكرة ايضاً الى تمتين العلاقات بين الاطراف المتعاقدة من خلال تشجيع نمو التجارة وتوفير الاطار والآليات اللازمة للتفاوض حول انشاء منطقة تجارة حرة وفق قواعد وتعليمات منظمة التجارة العالمية.

الواقع الحالي بين لبنان ومركوسور

في العام 2012، صدّر لبنان الى دول مركوسور بما قيمته 19 مليون دولار، واستورد منها بما قيمته 420 مليون دولار تقريباً. وفي العام 2013، صدّر 36 مليون دولار واستورد 500 مليون دولار. وفي العام 2014 عاد وتراجع حجم التصدير اللبناني الى 25 مليون دولار، وارتفع حجم الواردات الى 550 مليون دولار اميركي.

ماذا يستورد لبنان من مجموعة هذه الدول؟

بحسب الاحصاءات التي توردها الجمارك، يتبيّن ان نصف واردات لبنان من دول مركوسور يتعلق بالمنتجات الحيوانية والحيوانات والأبقار خصوصاً ( بحدود 250 مليون دولار ) . وتحتل التبغ  ومنتجات صناعة الاغذية والمشروبات المرتبة الثانية ( 115 مليون دولار ) والمنتجات النباتية المرتبة الثالثة (بحدود 88 مليون دولار).

المناطق الحرة: عبء على اقتصاد لبنان أم منفذ؟

ما هي انعكاسات اتفاقية اقامة منطقة للتجارة الحرة مع مركوسور على الاقتصادالوطني؟ لطالما عانى لبنان من فتح أسواقه امام المنتجات الاجنبية، ما أدى إلى سياسات اغراقية وإلى زيادة العجز في الميزان التجاري إلى ان وصل في العام الماضي إلى 17 مليار دولار اميركي، وسجل مطلع هذا العام رقماً قياسياً بلغ ملياري دولار في الشهر الاول من 2015. ولقد تبين من تجارب السنين الماضية ان الاتفاقات التجارية الحرة بين لبنان وسائر البلدان أخذت من البلد الصغير اكثر مما نفعته. ويعطي وزير الصناعة د. حسين الحاج حسن اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الاوروبي واتفاقية التيسير العربية مثالاً على ذلك، موضحاً ان هذه الاتفاقات زادت حجم استيرادنا كثيراً من دون ان تؤدي الى زيادة صادراتنا بذات النسبة أقله، كما لم تؤد الى خفض الأسعار كما وعد المدافعون عن سياسة الاسواق المفتوحة. ولهذا السبب ايضاً عارض وزير الصناعة الاسبق فريج صابونجيان توقيع لبنان على اتفاقية تجارة حرة مع تركيا. ولذلك ايضاً دعت وزيرة الصناعة السابقة ليلى الصلح حمادة الى ضرورة اعادة مناقشة الاتفاقات التجارية الموقعة بين لبنان والدول الاخرى واجراء تعديلات عليها بما يتناسب مع الاقتصاد اللبناني.

التصوّر المقترح لمنطقة التجارة الحرة

اطلعت " الاقتصاد " على أجندة اجتماع الغد، وعلى الآليات المقترحة لاتفاقية التجارة الحرة المزمع توقيعها هذا العام بين لبنان ومجموعة دول مركوسور.

ووفق جدول أعمال الغد، يلقي كل من الوزير حكيم والسفير البرازيلي ورئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي روجيه نسناس كلمة في جلسة الافتتاح. ثم يصار الى تبادل المعلومات عن الحركة التجارية بين الطرفين. وتقدّم وزارة الاقتصاد والتجارة عرضاً عن الواقع الحالي والتسهيلات التي يقدّمها لبنان على هذا الصعيد، في مقابل عرض عن الغاء الحواجز الجمركية والسياسات الضريبية داخل مجموعة دول مركوسور. ثم ينتقل المشاركون الى تأليف لجان عمل مشتركة متخصصة ومصغرة ستعنى بملفات محددة مثل قواعد المنشأ، تقنيات الحواجز التجارية، حلّ النزاعات، التعاون الجمركي...

ووفق التصوّر الذي اطلعت عليه "الاقتصاد"، فقد لحظ وجوب الأخذ بالاعتبار في أي تفاوض من اجل التوصل الى اتفاقية تجارة حرة النقاط التالية:

اولاً- تتضمن الاتفاقية الفصول التالية: تجارة السلع، قواعد المنشأ، اجراءات تفاضلية، آلية حل النزاعات والتعاون الجمركي.

ثانياً- يتضمن الفصل الذي يتناول العوائق التقنية التجارية تحديد المواصفات العالمية، والاعتراف المتبادل بالاتفاقات، والتعاون الدولي والشفافية.

ثالثاً- يتضمن الفصل الثالث معالجة الالتزامات المتعددة الاطراف، الشفافية، التجارة الاقليمية والمناطقية والاستشارات المطلوبة حول معاملات تجارية محددة.

كما تعالج الفصول الرابعة والخامسة والسادسة مسائل حل النزاعات والتعاون الجمركي وشروط تبادل المعلومات وكيفية الحصول عليها وضمان السرية حولها ومناقشة اجراءات حمائية تفاضلية.

أما الفصول السابعة والثامنة والتاسعة فتضع آلية حول بدء التفاوض ونوعية البضائع والسلع المنوي تبادلها ومدى ملاءمتها لاتفاقية الغات والمناطق الحرة.

مهام اللجنة المشتركة

تتولى اللجنة المشتركة بين لبنان ومجموعة دول مركوسور:

- تبادل المعلومات حول التعريفات الجمركية المطبقة والتعريفات النسبية حسب الحصص المطبقة في كل من الاطراف المتعاقدة في ما خص التبادل التجاري الثنائي والتبادل التجاري مع اطراف ثالثين اضافة الى سياساتها التجارية والمتبادلة.

- تبادل المعلومات حول دخول اسواقها، تدابير جمركية وغير جمركية، تدابير تتعلق بالصحة والصحة النباتية، المعايير والتشريعات الفنية، قواعد بلد المنشأ، تدابير الحماية ومنع الاغراق وتدابير التعويض، الأنظمة الجمركية الخاصة بحل النزاعات وغيرها من المواضيع

- التعرف الى واقتراح تدابير تهدف الى تحقيق تسيير التجارة

- وضع معايير للتفاوض في موضوع انشاء منطقة تجارة حرة بين الاطراف المتعاقدة

- التفاوض بشأن اتفاقية ترمي الى انشاء منطقة تجارة حرة بين الاطراف المتعاقدة

- تشجيع الاطراف المتعاقدة على تنمية النشاطات المشتركة التي تهدف الى اقامة مشاريع تعاون في مجالي الصناعة والزراعة وسواها، عبر تبادل المعلومات والبرامج التدريبية والبعثات الفنية وتشجيع الفرص التجارية والدورات التدريبية والبعثات الفنية....

المرتجى

يعدّ عدد سكان دول مجموعة مركوسور 242 مليون نسمة، في مقابل 4 ملايين لبناني. واذا اخذنا معدل نسبة صادراتنا اليها فانها تأتي بحدود 27 مليون دولار خلال السنوات الثلاث الماضية ( 2012 – 2013 – 2014 ). مع العلم ان هذه الدول تحتضن اكبر جالية لبنانية واكبر عدد من المتحدرين من اصل لبناني قد يصل عددهم الى 16 مليون لبناني مهاجر تقريباً، 10 ملايين من بينهم في البرازيل وحدها. وتشكل البرازيل وحدها ايضاً نسبة 80 % من الناتج المحلي لدول هذه المجموعة، بما معناه وكأن لبنان يفاوض لتعزيز تجارته مع البرازيل اكثر من سائر الدول. وهذا هو المطلوب خصوصاً اذا جرت عملية حسابية بسيطة تظهر ان كل لبناني من المهاجرين الـ 16 مليون يستورد بما قيمته 1.6 دولار سنوياً فقط، اي بما قيمته الفان وخمسماية ليرة لبنانية. وهنا السؤال الجوهري عن التقصير الفادح على صعيد ربط لبنان بالدياسبورا المنتشرة في الخارج. وتصب الديبلوماسية الاقتصادية التي تنتهجها وزارة الخارجية والمغتربين في هذا الاطار، وان كانت لم تعط نتائج مقبولة حتى الآن.

وإذا تمكّنت الجهود من رفع مساهمة اللبنانيين المنتشرين في هذه الدول في شراء البضائع اللبنانية ومضاعفة النسبة الحالية من 1.6$ سنوياً الى 1.6$ شهرياً، فهذا يعني ان صادرات لبنان الى هذه الدول ترتفع من 20 مليون دولار تقريباً الى 320 مليون دولار سنوياً.