كأن حزمة العقوبات التي أضافها ​الاتحاد الأوروبي​  آخر الاسبوع الماضي، كانت تنقص ​الاقتصاد السوري​ لكي يشتدّ إحكام  الطوق عليه، وهو المترنح تحت وطأة الأحداث الجارية في البلاد منذ أكثر من عام ونيف، حيث خسر حوالي 40 مليار دولار منذ اندلعت حتى الآن بحسب تقارير صحفية متفرقة .

فقد تضمنت حزمة العقوبات الجديدة على ​النظام السوري​ والتي حملت الرقم 17  خلال 16 شهراً من الاشتباكات ما بين قوى النظام وقوى المعارضة، حظر شركة الطيران السورية من 'الهبوط في اوروبا'، فيما أتيح لها فقط القيام بعمليات هبوط اضطرارية في المطارات الاوروبية، لكنها لن تتمكن من القيام برحلات تجارية لنقل مسافرين او شحن، كما ستخضع لتفتيش لحمولات طائرات الشحن .

وفي ما عدا الأشخاص الذين أضيفت أسماؤهم الى اللائحة السوداء، باتت العقوبات تشمل نحو 52 شركة وإدارة سورية، وضعهم الاتحاد ضمن لائحته السوداء، شملت شركة الطيران السورية، بعد أن كان  قد فرض حظراً نفطياّ ومالياً، وفرض الرقابة الالزامية على السفن والطائرات التي  يشتبه بانها تنقل اسلحة وعتادا يمكن ان تستخدم في عمليات القمع في سورية.

جامعة الدول العربية​ كانت قد أقرّت حزمة من العقوبات نهاية العام الماضي حظّرت بموجبها النقل الجوي من والى سوريا والتي قالوا انها جاءت بسبب تجاهل النظام السوري لخطة الجامعة  بالسماح لمراقبين بدخول سوريا لحماية المدنيين من القمع الدامي.

هذا ومن المفترض أن يبدأ مفعول العقوبات الأوروبية مع بداية الاسبوع المقبل، رغم الخسائر المالية التي يمكن أن تتكبدها هذه الشركات بها بسبب قرار حظر الطيران.

المشهد العراقي يتكرر:

إزاء هذا الواقع الجديد يعود المشهد العراقي  ليطفوا مجدداً على سطح الأحداث،  لنستذكرعندما قام الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية بفرض عقوبات على النظام العراقي، ومنها حظر الطيران، كيف تضررت المنطقة العربية والخليجية بمجملها من تداعيات تلك القرارات، ليس فقط على صناعة  الطيران بل على التجارة العربية البينية وحركة الترانزيت. وكيف ان الشعب العراقي حينها كان المتضرر الأول والأخير إزاء تلك العقوبات، وليس النظام ولا من يرأسه.

فقد تبين لنا ان عقوبات مماثلة لا يمكن لها بأي شكل أن تؤتي ثمارها اذا كان فعلا الهدف الضغط على النظام القائم في البلاد، فقد اثبتت التجارب سابقاً في كل من افغانستان وايران والعراق، إن أحداً من رؤساء تلك الأنظمة لم يتنحّ ولم يتراجع عن موقفه، تحت ضغط عقوبات مماثلة، فلماذا تسعى الدول الغربية إذن الى فرض عقوبات  اذا كانت لا تثمر؟، فيما المتضرر الأول والأخير هو الشعب، سيما إذا كان الهدف من تلك الضغوطات التي تمارس على النظام السوري الآن بحسب ما تعلن في حيثيات قراراتها هو الشعب وحقوقه وحريته، إلن يسهموا بذلك في حصاره، وفي إفقاره؟

التداعيات المتوقعة:

اما التداعيات على مستوى الدول العربية المحيطة فهي متعددة الأوجه، فالسعودية مثلاُ التي تعتمد على العمرة والحج تتكبد خسارات  تقدر قيمتها بنحو 6 ملايين ريال أسبوعياً، بحسب تصريحات سابقة لمسؤولين فيها، بفعل هذا الحظر. كذلك الأمر بالنسبة لكل شركات الطيران الخليجية المختلفة والتي يتواجد فيها قوى عاملة سورية.  لبنان مثلاً تأثرت فيه حركة تجارة الترانزيت عبر الممر السوري بشكل كبير، إذ أن هذا الممر الجوي  بين لبنان وبقية الدول العربية والخليجية، يؤمن نحو 40% من مداخيل تجارة الترنزيت.

فيما يبقى التأثر طفيفاً بالنسبة لدول عربية أخرى مثل مصر، حيث حولت شركة "مصر للطيران" رحلاتها الى كل من مطار بيروت وعمان، وزادت عددها بالمقارنة مع ما قبل الحظر.

ويصدف أن شركة "ايرفلوت" الروسية ان اعلنت يوم الأحد الماضي انها ستوقف رحلاتها الى سوريا بسبب انخفاض عدد المسافرين وعدم وجود جدوى اقتصادية على خلفية الأحداث في سوريا، ويتوقع أن تبدأ بتنفيذه في السادس من آب المقبل. غير أن هناك من ربط هذا القرار واعتبره تماهياً مع رغبات الاتحاد الأوروبي. سرعان ما أصدرت وزارة الخارجية الروسية بياناُ أعلنت فيه أنها لا توافق على فرض عقوبات جديدة بهذا الشكل على الطيران السوري.

ووصفت وزارة الخارجية الروسية قرار العقوبات بأنه قرار أحادي الجانب إذ فرض على النظام حصاراً بحرياً وجوياُ، دون المعارضة، وهي بالتالي لا تعترف بها، موضحة ان الحزمة ال، 17 من هذه العقوبات تتطلب دراسة دقيقة من الخبراء، خصوصاً في ما يتعلق بتفتيش السفن والطائرات التابعة لدول ثالثة وتتجه الى سوريا، وفي حال وجود اشتباه بأن حمولتها تضم أسلحة او أجهزة قد تستخدم لقمع الاحتجاجات، مشيرة ان تلك العقوبات قد تأتي بنتائج عكسية، ولا تسهم في تطبيع الوضع في البلاد وقد لا تتناسب مع خطة أنان، ولا مع بنود البيان الختامي لمجموعة العمل حول سورية في جنيف".