على أمل أن يتم إقرار مشروع ​الموازنة العامة​ للعام 2015 الحالي، بعيداً عن أي خلافات سياسية قد تكون مانعاً لهذه المهمة النيابية التي ما تزال مغيّبة حتى يومنا منذ أن تم إقرار آخر موازنة في مجلس النواب خلال العام 2005. وبهذا، فإن آخر موازنة أقرتها الحكومة ال​لبنان​ية تعود الى 10 سنوات مضت، في حين ان المجلس النيابي لم يصادق على موازنات الأعوام اللاحقة، رغم مرور عقد من الزمن. ولا يخفى على اللبنانيين أن هذا كله بسبب الانقسام السياسي في لبنان منذ العام 2005، ومن ثم الأزمات السياسية المتلاحقة بعد ذلك، وصولاً الى التطورات الأمنية التي ما تزال تشهدها البلاد منذ ذلك الوقت وحتى اليوم.

هذا العام أيضاً، تظهر في مناقشات مجلس الوزراء الحالية صعوبة إقرار مشروع الموازنة العامة للعام الحالي ، والعائق الرئيس في هذه المسألة هو معضلة إقرار الواردات المقدرة لـ "​سلسلة الرتب والرواتب​" لموظفي القطاع العام، وتضمينها ضمن مشروع الموازنة العامة. فضلاً عن تباينات في الآراء الوزارية داخل الحكومة فيما خص تضمين السلسلة في الموازنة العامة من عدمه.

وفي ظل ما يحصل، كان لموقع "الاقتصاد" حديث مع عدد من النواب بهدف ترجمة ما هو حاصل على الواقع اللبناني، ومعرفة أسباب تأخير إقرار الموازنة للعام الحالي، لنضيف ذلك الى ملف عدم إقرار موازنات تسع سنوات مضت منذ العام 2005.

بدايةً كان الحديث مع النائب عن كتلة "التنمية والتحرير" النيابية ​ياسين جابر​ ، والذي اعتبر أن "هناك جريمة ترتكب بحق البلد تكمن في عدم اقرار الموازنة، وبرأيي الشخصي، هي جريمة لا تغتفر". لافتاً الى أن الكتلة حين استلمت وزارة المالية بشخص الوزير علي حسن خليل، فإنها سارعت الى العمل بجهد من أجل اقرار الموازنة العامة، موضحاً أن هذا الأمر كان من أول توصيات رئيس الكتلة، رئيس المجلس النيابي نبيه بري".

وقال: "لا مجال كبير اليوم للاجتهاد في مسألة اقرار الموازنة، ومن المهم جداً المسارعة في اقرارها لسببين اثنين، أولهما هو اعادة الوضع المالي للسكه الصحيحة، وثانياً من اجل اعادة الدور الرقابي والتشريعي للمجلس النيابي على الحكومة".

وتابع: "أولى المهمات التي تقوم بها المجالس النيابية في العالم بشكل العام هي التشريع مالياً من خلال الموازنات، ومراقبة الحكومات التي تنفق هذه الموازنات بحسب ما هو معد لها ومطلوب منها. ولهذا فإن التفلّت المالي الحاصل اليوم في لبنان يعتبر جريمة بحق لبنان واللبنانيين". وأضاف: "بادر الوزير خليل الى اصدار موازنة واضحة بدون اجتهادات كثيرة ولا (فزلكات) منذ شهر آب من العام 2014، لكن للأسف الشديد رقدت هذه الموازنة في أدراج مجلس الوزراء، حتى عادت لنسمع عنها مجدداً اليوم".

وأشار جابر الى ان "الكتلة لا تمانع تضمين السلسلة داخل الموازنة اذا كان هناك توافق على ذلك. موضحاً أن نصف السلسلة تدفعه الدولة اليوم، من الغلاء المعيشي 850 مليار وغيره".

وتابع: "لو كان هناك حكمة في تعاطي الحكومة مع هذا الملف، لكانت أعطت أولوية سريعة لإقرار الموازنة ومن ثم ارسالها بعد ذلك الى المجلس النيابي ليدور النقاش حولها هناك. وذلك كي لا تصل رسالة غير صحيحة الى مؤسسات التصنيف ،  

والمؤسسات المصرفية الدولية المقرضة لنا، والتي بدأ معظمها يعتبر أن لبنان دولة غير مسؤولة، وأن حكومته لا تنوي ارجاع الامور الى السكة الصحيحة" واعتبر أن "ما يحدث في هذا السياق هو "فضيحة كبيرة".

وشدّد على أن "من أولويات كتلة "التنمية والتحرير" النيابية اليوم إقرار الموازنة"، لافتاً الى ان وزير المال الحالي هو أحد نوّاب الكتلة، وبذلك فإنها هي من تحمل كتلة النار هذه".

بدوره ، قال النائب السابق مصطفى علوش في حديث لـ "الاقتصاد" أن "أساس الخلاف فيما خص مسألة سلسلة الرتب والرواتب هو إيجاد موارد حقيقية لهذه السلسلة، وعملياً فإن الحديث عن دمجها في الموازنة، هو بحد ذاته جزء من هذا السجال القائم".. متسائلاً: "إذا ما تم تضمين السلسلة داخل الموازنة، فمن أين سيتم تمويلها؟".

وأوضح أن "أي مغامرة يتم خوضها في هذا المجال من دون توافر الموارد المطلوبة لها، فإنها ستكون بمثابة تخريب على المواطن الذي سيحصل على هذه الزودات، حيث من الممكن أن يتم تأمينها في العام الاول، لتبدأ في العام التالي مشاكل عدة سيكون في مطلعها التضخم الذي سيأكل هذه الزودات".

كما أكد علوش أن "كتلة المستقبل النيابية تبني رأيها على أساس أن أي زودات أو أعباء على خزينة الدولة والمال العام يجب أولاً أن يكون لها موارد واضحة، وهذا هو المبدأ الأساس".

وفي سياق متصل، كان لـ "الاقتصاد" حديث مع النائب ​فادي الهبر​، الذي أكد أنه "آن الأوان ليصير لدينا في لبنان موازنة سنوية، وأن يجري الإنفاق الايرادات على أساسها"، معتبراً أن "هذا واجب وطني، وأنه في الأصل من أولويات المجلس النيابي".

وأضاف: "يجب أن نحسب الواردات، والانفاق سنوي ونسبة العجز والاحتياط، وغيرها من الفزلكات الاقتصادية التي يجب دراستها حتى تتم بعد ذلك الاجابة على ما اذا كان من الأفضل أن تكون السلسلة منن ضمن الموازنة أم لا". وقال: "ينبغي عرض السلسلة من داخل الموازنة حتى نتمكن من معرفة حجم العجز الحقيقي، وذلك لأن حجم ايرادات السلسلة ليس كحجم انفاقها أبداً".

واشار الهبر الى ان "هذه الموازنة هي موازنة ضرائبية، وخاصةً في ظل الضرائب الجديدة التي يتم طرحها اليوم، وبذلك فهي تنهك الاقتصاد اللبناني، وتتسبب بتراجع النمو.. وهناك خوف من أن هذه التراجعات قد تؤدي الى زيادة في العجز، فضلاً عن الوضع الاقتصادي الذي يشهد حالياً تراجعات كبيرة على كافة الصعد".

وأكد أنهم في كتلة الكتائب النيابية يريدون اقرار الموازنة مع السلسلة، لكنهم يسلطون الضوء على المحاذير التي لا بد من الالتفات اليها. وقال: "نحن مع أن تكون السلسلة متضمنة داخل الموازنة شرط أن تكون الموازنة (متوازنة) ومحسومة الانفاقات.. أما اذا كان هناك مسائل عالقة تتعلق بالسلسلة، فنحن نؤيد تأمين موازنة منفصلة، ومن ثم دراسة ملف السلسلة، لكن هذا لا يعني أننا مع واحدة دون الأخرى".

وشدّد الهبر على أن "لبنان يحتاج الى موازنة سنوية شاملة كاملة يتم اقرارها في المجلس النيابي في تشرين الاول، وليس موازنة تتم دراستها ثم لا يتم اقرارها"، لافتاً الى ان هذا الامر يتطلب انهاء الحسابات العالقة.