يواجه القطاعان الزراعي والصناعي في ​لبنان​ مشكلة جديدة تتمثّل بعدم تمكّن الشاحنات من عبور الحدود المشتركة مع سوريا في الشمال والبقاع، ما يخلق بدوره أزمة اقتصادية محمّلة بالعديد من السلبيات، التي سرعان ما تفاقمت مع إقفال معبر "نصيب" على الحدود الأردنية - السورية، لتقطع الطريق الوحيدة للتصدير من لبنان الى دول الخليج والأردن والعراق. ما سيترتّب عليه خسائر كبيرة، كانت قد ظهرت بدايةً مع عمليات النهب التي اعترضت شاحنات نقل لبنانية مرت من معبر "نصيب"، ويتوقع أن لا تنتهي مع أزمة تصريف الصادرات اللبنانية، في ظل بذل الدولة اللبنانية جهودها المستمرة مع السلطات الأردنية، لكن الأخيرة تصر على قرارها بأن يبقى المعبر مغلقاً في الوقت الراهن وحتى إشعار آخر".
 
وتجدر الاشارة الى ان إغلاق معبر "نصيب"، يعتبر مشكلة حقيقية تواجه قطاع الزراعة في لبنان، حيث أن المعبر يشهد يومياً مرور أكثر من ألف طن من الخضار والفاكهة.
 
وقد عقد اليوم وزراء الزراعة والصناعة والاقتصاد والأشغال العامة والنقل اجتماعاً يسبق انعقاد جلسة مجلس الوزراء، بهدف البحث عن البدائل المحتملة التي يمكن اعتمادها لتمكين المزارعين من تصريف منتجاتهم.
 
حيث كان قد أوضح وزير الاقتصاد والتجارة آلان حكيم ان الاجتماع يهدف الى الاتفاق على آلية جديدة تعرض على مجلس الوزراء، لاتخاذ قرار مناسب ضمن إطار نظرة واحدة للوزراء الأربعة". كما اشار الى وجود ثلاثة بدائل يمكن اعتمادها لحل الازمة، وهي: "الخط البحري، والخط الجوي، والخط البحري/البري الذي يقع في تركيا"، لافتاً الى انه يميل الى البديل الثالث. لكن وكما هو معلوم، فإن ​النقل البحري​ "العبارات" تكلفته أعلى من ​النقل البري​  بكثير، كما أنه يستغرق مدة أطول.
 
وفي ظل ما هو قائم، كان لموقع الاقتصاد حديث مع رئيس "جمعية المزارعين" أنطوان حويك، الذي أكد بدوره على وجوب اعتماد التصدير عن طريق العبارات البحرية والبواخر الى مصر. مضيفاً: "الطروحات الحالية فيها من الفساد ما فيها، ولا بد من العودة الى الاقتراح  الافضل، وهو العبارات. ولا يمكن اعتماد الطريق الجوي لارتفاع كلفته، كما لا يمكن اعتماد الطريق البري لعدم توافره في الوقت الراهن".
 
 
 
وقال: "لا يمكننا أن نعتمد على غيرنا من الدول، وينبغي على الدولة اللبنانية أن تشتري هي عبارات بكلفة لا تتعدى الـ 4 الى 10 ملايين دولار، ثم تقوم بتكليف إحدى شركات الشحن بمناقصة لإدارة هذا الخط، لتضعهم في مرفأ طرابلس ومن ثم ترسلهم الى بورسعيد في مصر.. والدولة هي التي تدفع كلفة هذا الخط".
 
كما شدد على أن من واجب الدولة شراء الخط وتلزيم التشغيل فيه "هذا الحل الوحيد الذي لا بديل له، طرحناه منذ سنوات وتم تعطيله، وها هو يُطرح من جديد، لكن بطريقة تنفيذية غير سليمة.. في المبدأ الجميع يقول أنه لا بديل لنقل الصادرات عن طريق البحر، أما البعض فقال (نعتمد الخط التركي)، وهو خط يمر بالمرافئ الاسرائيلية، ثم ما علاقتنا بتركيا؟ الأزمة الواقعة لبنانية ويجب حلّها بطريقة أفضل من هذه".
 
ولفت حويّك الى "أننا اليوم في أواخر مواسم زراعية، وبداية أخرى، أي ليس لدينا اليوم سوى الحمضيات كي نصدّرها، ما أدّى الى انخفاض أسعار الحمضيات بشكل كبير، فتجد مثلاً في السوق المحلي كيلو الليمون بـ 500 ليرة، وهو ما لم يكن ليحدث أبداً". اضاف: "الذي يتأثر اليوم هو قطاع الحمضيات، فالبطاطا العكارية لم تنضج بعد، والبقاع لم يبدأ انتاجه حتى الآن، لذا نحتاج حلاً سريعاً لا نجده في البدائل المطروحة".
 
وقال: "الحل الوحيد، الذي ليس مطروحاً حتى اللحظة بكل أسف، هو أن تشتري الدولة اللبنانية هذا الخط وتعمل على تشغيله، فهي ليست تاجراً لتستفيد منه، بل مهمّتها تكمن في حماية الاقتصاد ورعايته، ويمكن أن تتدخّل في حال اضطرّت لذلك فقط".
 
من جهة أخرى، أشاد رئيس "جمعية الصناعيين" زياد بكداش بالجهود التي يبذلها الوزراء المعنيون "وزراء الزراعة والصناعة والاقتصاد والأشغال العامة والنقل"، في هذا الملف للعمل على عدم توقف التصدير، لافتاً الى أن التصدير الصناعي اليوم بات أكبر، خاصةً وأن الصناعة اللبنانية تذهب الى الخليج عن طريق البر". وقال: "الحلول اليوم تنحصر في الحل البحري، لكن أن تذهب البضاعة الى جدة ويتم تفريغها هناك، فإن هذا ليس بالحل الجازم، لأن العملية تتطلب حوالي 40 يوماً، كما سيكون لزاماً بعد ذلك نقل البضاعة الى مستودعات الزبائن، كما كان متبعاً عن طريق البر".
 
 
 
واضاف في حديث لـ "الاقتصاد": "الحل الثاني هو عملية الرورو، وهو الأسرع، لكن يجب أن ندرس كلفتها، والمطلوب من المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان "ايدال" أن تدعم هي الفارق في كلفات الشحن، لأنه اذا كان القطاع الخاص هو من سيدفع.. إذن لن يكون هناك أي صادرات لا صناعية ولا زراعية"، معللاً ذلك بقوله: "نحن اليوم في منطقة تزداد فيها المضاربة باستمرار، وقد قمنا سابقاً بخفض أرباحنا لنتمكن من الاستمرار في المنافسة، وعلى أساس أن نبقى في الأسواق العربية.. وينبغي على "ايدال" أن تدعم هذا الفارق، لأن التصدير لا يستفيد منه القطاع الخاص فقط، بل هو أحد الركائن الأساسية في الميزان التجاري. واذا ما أجبِر القطاع الخاص على الدفع، فإن الفرق بين التصدير والاستيراد والذي يبلغ نحو 15%، قد ينخفض الى 7 وحتى 5%".
 
وأكّد أنه "في حال لم تتحمل الدولة دفع هذه الفروقات، فإن الصادرات الصناعية التي تبلغ 3 مليار دولار سنوياً، ستهبط بكل تأكيد الى 2 مليار!!". وهذا يعني أن الصناعيين في لبنان لا يملكون القدرة على تحمّل هذه التكاليف، في ظل منافسة لبنان لأضخم الدول في المنطقة.
 
وأسِف بكداش أن الكثير من المعنيين في الدولة اللبنانية ما يزالون غير مقتنعين بأن لدى لبنان صناعة جيدة تنصب في مصلحة البلد والميزان التجاري.، كما طالب بأن يكون لدى لبنان ملحقين تجاريين في كل الدول التي تُعدُّ أسواقاً واعدة للصادرات اللبنانية كالسودان وفنلندا وغيرها..
 
 
 
في سياق متصل، اشار رئيس نقابة الفلاحين، رئيس تجمّع المزارعين في البقاع ابراهيم ترشيشي في حديث لـ "الاقتصاد"، الى أنه "كانت هناك مطالب بعقد اجتماع خلية أزمة، وهو ما حصل فعلاً، حيث تمت دعوتنا الى اجتماع في مبنى وزارة الزراعة، بحضور الوزراء الأربعة المعنيين بالملف"، لافتاً الى أن الاجتماع خرج بقرارات سيتم طرحها على مجلس الوزراء.
 
وأكد ترشيشي أن جلّ القرارات تدور في فلك "دعم التصدير البحري" لارتفاع كلفته، حيث ستقوم الدولة -في أول ثلاثة أو ستة أشهر- بالوقوف الى جانب المصدّرين حتى يألفوا هذا الخط، ويبدأوا الشحن من خلاله، مشيراً الى وجود قناعة كاملة لدى الجميع بأنه لا بديل بعد اليوم عن الطريق البحري، الذي سيجعلنا ننسى النقل البري ونخلّفه وراءنا.. وهذه كانت روح القرارات التي خرج بها الاجتماع".
 
وأضاف: "ومن القرارات:، السماح للشاحنات التي تحمل لوحة أجنبية بالدخول الى البلاد مباشرة، الى جانب العمل للافراج عن السائقين المفقودين الذين يحتاجون فدية". ولفت ترشيشي الى ان هذا الاجتماع هو أسرع ما يمكن في توصل قراراته الى مجلس الوزراء، اذ انه سبق اجتماع المجلس بلحظات فقط.