تشير المؤشرات الحديثة إلى أن اقتصاد سلطنة عمان يواصل تعزيز أدائه على الصعد كافة، وغيرت مؤسسة (​ستاندراد آند بور​) نظرتها المستقبلية لاقتصاد السلطنة من سلبي إلى مستقر مع الاحتفاظ بتقييم (A) الائتماني في ما يخص الالتزامات المالية السيادية.

ويبدو جلياً أن المؤسسة المتخصصة في التقييم الائتماني أخذت في الاعتبار الكثير من مؤشرات الأداء الاقتصادي من قبيل رصد فائض قدره 7 بالمئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي للسنة المالية 2011.

وأعدت السلطنة ميزانية 2011 مع توقع رصد عجز في حدود 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

كما شكّل فائض الحساب الجاري للسلطنة قرابة 14 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للسنة نفسها، وهي أرقام تؤكد متانة الأوضاع المالية للسلطنة، ويعود الأمر لحد كبير في كلتا الحالتين إلى ظاهرة بقاء أسعار النفط من جهة، والغاز من جهة أخرى، مرتفعة خلال العام الماضي.

وأعدت الحكومة ميزانية 2011 على أساس متوسط سعر للنفط قدره 58 دولاراً للبرميل، بيد أنه تبين لاحقاً أن متوسط سعر النفط العماني وصل إلى 103 دولارات للبرميل، وتشتهر عمان بين سائر الدول العضوة في مجلس التعاون الخليجي بتبني سياسات محافظة كخيار استراتيجي.

وتراجع متوسط الأسعار خلال النصف الأول من 2012، لكن علينا الانتظار حتى نهايته، للوقوف على حقيقة الوضع.

اللافت أنه تم رصد هذه الإنجازات على الرغم من عدم الاستفادة الفعلية من مبلغ العون المالي الخليجي المخصص، أي مليار دولار لكل سنة لمدة 10 سنوات.

وكان مجلس التعاون الخليجي أقر، في العام الماضي، 10 مليارات دولار لكل من البحرين وعمان بغية المساهمة في معالجة الأسباب التي أدت إلى ظهور مشاكل أمنية وسياسية واجتماعية في البلدين مطلع 2011.

ويعود الأمر بشكل جزئي، إلى عدم وجود آلية واضحة لتحويل المبالغ المخصصة ربما لأسباب إدارية، لكن كما هو الحال مع البحرين تستفيد عمان من مسألة وجود رصيد مالي ضخم في ما يخص الآفاق الاقتصادية، والتي بدورها تنعكس إيجاباً على أمور مثل التقييم الائتماني.

ويوجد دليل آخر على التقدير العالمي للأداء الاقتصادي المتميز، وتحديداً تقدير اعتبار صندوق النقد الدولي بتحقيق الناتج المحلي الإجمالي العماني نمواً قدره 4.4 بالمئة في العام 2011، أي أعلى من نسبة 4.1 بالمئة، والتي تم تسجيلها في 2010.

ويعد هذا الأداء محل تقدير كونه تحقق في خضّم ظروف اقتصادية عالمية غير مواتية على أقل تقدير بالنظر إلى الأزمة التي تعيشها منطقة اليورو، وظهور معضلة المديونيات الصعبة في اليونان ودول أوروبية أخرى.

كما يضاف إلى التطورات الإيجابية المتنوعة عدم تسبب ​الظواهر الاقتصادية​ محل الاهتمام في تعقيد مسألة التضخم، حيث بقيت الأمور تحت السيطرة، وارتفع متوسط التضخم من 3 بالمئة في العام 2010 إلى 3.6 بالمئة في 2011، لكن مقابل ثمن مستحق.

وبدأ العمل في مشاريع وبرامج قيمتها 2.6 مليار دولار في 2011، بهدف تحقيق أمور من قبيل إيجاد آلاف فرص العمل للمواطنين في الدوائر والمؤسسات الحكومية، فضلاً عن تقديم مساعدة مالية في حدود 400 دولار شهرياً للعاطلين الباحثين عن عمل، وتسهم هذه النفقات في تعزيز دوران الأموال داخل الاقتصاد المحلي، لأنه من الصعب تصور خروج هكذا مبلغ شهري إلى الخارج.

ومن الصواب هذا التوجه، لأنه يهدف إلى ضمان توافر سبل العيش الكريم لفئة من المواطنين، والذين لم يحالفهم الحظ بالحصول على وظائف، وبالتالي خطة تستحق الإشادة، ويتحمل الشباب في عصر العولمة تكاليف متنوعة، منها نفقات وسائل تقنية المعلومات، وبالتالي هم بحاجة إلى الاعتماد على دخل دائم حتى ولو كان محدوداً حتى تستقيم أمورهم المعيشية.

وتشمل الأخبار الإيجابية الأخرى استمرار تعزيز الإنتاج النفطي، حيث جاء في تقرير إحصاءات الطاقة ليونيو 2012، ومصدره شركة بريتيش بتروليوم البريطانية، نمو إنتاج النفط الخام بنسبة 2.8 بالمئة في 2011، وعلى هذا الأساس ارتفع مستوى الإنتاج إلى 891 ألف برميل يومياً في 2011 مقارنة بـ715 ألفاً في العام 2007.

يضاف إلى كل ذلك نجاح عمان في تحسين ترتيبها في الكثير من المؤشرات الدولية المتعلقة، والتي تم نشرها حديثاً، فقد نجحت السلطنة في تحسين ترتبيها بواقع 10 مراتب على مؤشر الإبداع والابتكار للعام 2012، أي الأفضل من حيث التقدم بين دول مجلس التعاون الخليجي.

بل تراجع ترتيب ثلاث من أصل ست دول عضوة في مجلس التعاون الخليجي، ويتمتع التقرير بمصداقية كونه يصدر عبر شراكة بين مدرسة إنسايد المتخصصة في إدارة الأعمال، ومنظمة وايبو التابعة للأمم المتحدة، والمهتمة بكل ما له علاقة بالإنتاج الذهني.

كما نجحت السلطنة بنيل المرتبة الثانية على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي بعد الإمارات في تقرير تمكين التجارة للعام 2012، ومصدره المنتدى الاقتصادى العالمي.

ويعد هذا الأداء إنجازاً بالنظر إلى تركيز أكثر من اقتصاد خليجي على موضوع التجارة الخارجية.

وفي المقابل، لا يمكن غض النظر عن بعض التحديات التي تواجه الاقتصاد العماني من قبيل الاعتماد المبالغ فيه على القطاع النفطي يعد أمراً سلبياً، لأنه يجعل الاقتصاد المحلي تحت رحمة التطورات في أسواق النفط الدولية، ويسهم شق النفط الخام من القطاع النفطي بنحو ثلثي كل من دخل الخزانة والصادرات، كما يسهم شق الغاز بنحو 13 بالمئة من دخل الخزانة العامة.

وتخضع أسعار النفط لمجموعة معقدة من العوامل الاقتصادية والسياسية، فضلاً عن ميول المتعاملين في هذه التجارة في أسواق المال العالمية، ويتطلب الأمر الاستفادة من العوائد النفطية، لتحقيق هدف استراتيجي، أي تحقيق التنوع الاقتصادي عبر تنفيذ برامج تنموية، مثل تعزيز دور قطاع السياحة كون السلطنة تتمتع بإمكانات سياحية ربما غير متوافرة لغالبية الدول الأخرى العضوة في المنظومة الخليجية.

يضاف إلى ذلك معضلة إيجاد فرص عمل مناسبة للمواطنين، وهي المشكلة التي أطلقت شرارة الأحداث التي اندلعت في منطقة صحار الصناعية في 2011، وتركزت مطالب المعتصمين حول معالجة معضلة البطالة ومحاربة الفساد المالي، إضافة إلى تعزيز صلاحيات السلطة التشريعية.

تتراوح نسبة البطالة بين 12 و15 بالمئة في أوساط المواطنين المؤهلين للتوظيف غالبيتهم من الإناث، وترتفع نسبة البطالة في المناطق البعيدة عن المدن الرئيسة في هذه البلاد المترامية الأطراف، وتعتبر البطالة نوعاً من الطاقات المعطلة في أي بلاد، ما يعني عدم الاستفادة الكاملة من الثروات البشرية المتوافرة، خصوصاً الخريجين الجدد المسلحين بآخر ما توصل إليه العلم الحديث.

كما تضيف الإحصاءات الديمغرافية أو الإحصاءات الحيوية لمعضلة البطالة، وإيجاد فرص عمل للمواطنين في البلاد، وتشكل اللواتي تقل أعمارهن عن 25 عاماً قرابة 60 بالمئة من المواطنين، كما يشكل السكان دون سن الخامسة عشرة نحو 43 بالمئة من مجموع المواطنين.

ولأسباب يمكن تفهمها، يأمل السواد الأعظم من العمالة المحلية في العمل لدى الدوائر الرسمية بطريقة أو أخرى، خصوصاً المؤسسات الأمنية.

وتبين حديثاً أن العمالة الوطنية تستحوذ على 14 بالمئة فقط من فرص العمل المتوافرة في القطاع الخاص.

وعلى هذا الأساس تستحوذ العمالة الوافدة على نحو أكثر من 80 بالمئة من فرص العمل الجديدة في القطاع الخاص لأسباب مختلفة، منها استعدادهم للعمل بأجور متدنية ولساعات عمل أكثر مما تنص عليه قوانين العمل، فضلاً عن الإنتاجية.

ويكمن التحدي لأي اقتصاد في توفير فرص عمل تتناسب وتطلعات المواطنين من حيث التقدم الوظيفي والعوائد.

وفي المقابل، يشكل المواطنون أكثر من 90 بالمئة من القوى العاملة في القطاع الحكومي، ما يعني محدودية فرص العمل الجديدة في الدوائر والمؤسسات الرسمية في الظروف الطبيعية، وكان هذا هو الحديث في الفترة التي سبقت الأزمة التي طفت على السطح في فبراير 2011.

يشار إلى أن رؤية عمان 2020 تؤكد أهمية تقليص حجم الوظائف في المؤسسات الرسمية تماشياً مع مبادئ تعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني.

مهما يكن من أمر أثبتت بعض النتائج التي تحققت خلال العام 2011 والنصف الأول من 2012 قدرة عمان على تحقيق أداء اقتصادي نوعي خلال فترة قياسية.

ونميل إلى الاعتقاد بامتلاك عمان سحر تحقيق إنجازات اقتصادية في ظل إيمان السلطنة، قيادة وشعباً، بقدرة تحقيق إنجازات على الرغم من مختلف التحديات.