كثُرت التحليلات العلميّة حول طريقة ​المصافحة​ في مكان العمل، إلاّ أنّ أمرًا واحدًا أجمع عليه كل العلماء والمحلّلين، وهو: أن شخصية المدير أو الموظف تبدو جليّة جدًا من خلال الطريقة التي يصافح بها. فالمصافحة هي واحدة من الإيماءات اللاإرادية الصامتة، وقد تتخطّى دلالاتها الترحيب، وهي تعبير مهمّ ويوحي عن الشخصية ومكنوناتها، وقلّما تنفّذ من دون كلمات إذ ترافق بكلمات مثل: "كيف حالك!"حيث تعني تبادل التحيات الحميمة أو الرسمية، أو تكون دلالة على قبول اتفاق ما بعد توقيع معاهدة أو عقد صفقة تجارية.

المصافحة أعمق من مدّ اليد:

وقبل التعمّق في تحليل حالات المصافحة، لا بدّ من الإشارة إلى أنّه منذ قديم الأزل، كان الإنسان يرفع يده للآخرين كدلالة على الأمانة والصدق وأنه لا يحمل سلاحًا، فيُعطي انبطاعًا إيجابيًا، وانطلاقًا من هذه العادة، غدت المصافحة تقليدًا تمارسه كل الأمم، رغم اختلاف أنواع المصافحة من بلدٍ إلى آخر ومن بيئة إلى أخرى، حيث تنوّع العادات والتقاليد، والاختلاف الحضاري والثقافي المترتب على كل بلدٍ. فالفرنسيون مثلاً مدمنون على عادة المصافحة إن لم ترافقها تبادل القبلات على الخدين، بينما نجد أن البريطانيون أكثر تحفظّاً، أمّا العرب فهم الأكثر استخدامًا لعادة المصافحة، نتيجة العادات والتقاليد والأعراف المتوارثة، التي تميل إلى المصافحة الحميمية والقوّية وطويلة الأمد نسبيّاً، بغض النظر عن نزاهة وصدق المُصافح،إذ أنّ المصافحة بقبضةٍ قويّة قد تُوجع متلقيها، ولكن يتقصّدها البعض للتأكيد على إخلاصهم وأمانتهم ورجولتهم وقوّة شخصيتهم، وفي حال يُبالغ الشخص في قوّة قبضته أثناء المصافحة يعني أنه يخفي حقيقته غير الصريحة أو النزيهة مع الآخر.

المصافحة الرخوة:

تحتمل المصافحة الرخوة وغير القويّة، أكثر من تحليل، فقد تُفسّر كإشارة على فتور المشاعر، أو على ضعف بنية منفّذها، وهي أبسط أنواع المصافحة، ولكنّها في حقيقة لغة الجسد، تدلّ على التعالي أو الوسوسة، ويكون منفّذها مرتاحًا لأنه أبقى نفسه على مسافة مريحة له مع الآخر. في المقابل، قد تصدف أن يتمتع أشخاص بإخلاص وصدق شديدين ويُصافحون ببرودة، ويكون السبب هو اضطرارهم بحكم منصبهم، وخصوصًا الذين يستخدمون أيديهم في مهنهم كالأطباء وخبراء التجميل والموسيقيون مثلاً، وتكون هذه المصافحة مقتصرة على رؤوس الأصابع فقط، وكأنّك تصافح الهواء. ونرى ذلك جليّاً لدى أفراد الأسر المالكة والسياسيين الكبار في الدولة، نتيجة الإكثار من المصافحات اليومية.

وقد ارتبطت اليد المفتوحة بالأمانة والصدق على مر التاريخ، ففي المحاكم مثلاً، يُطلب من الشاهد أو من المحامي رفع يده اليمنى ثم الإدلاء بالقسم، ولهذا فعند الحاجة لنقل الإحساس بالأمانة والصدق توّجه راحة اليد إلى المتلقي.

في حال طلب أحد الأشخاص جلب غرضٍ ما، فمن نظرة خاطفة إلى حركة كفّه، يمكنك أن تكتشف مشاعر الشخص تجاهك، ففي وضعية الكف إلى الأعلى لن تشعر بأنك تتعرض للضغط أو للأمر لذلك، ستكون منتفحًا ومتعاونًا معه، أما في وضعية الكف إلى الأسفل عند طلبه، فستشعر بعدائية الشخص الآخر ومحاولته للتسلّط، أما في الحالة الثالثة الكف المقبوض وبسط الإبهام، ستشعر بمحاولة الآخر لاخضاعك والسيطرة عليك وقد ترفض طلبه. وتحليل الحالات الثلاثة هي:

الكف إلى الأعلى: الخضوع أو الإحترام:

غالبًا ما تُستخدم هذه الحركة مع الأكبر سنّاً أو المدير، وفي هذا الوضع يكون المتحدّث مشيرًا باحترام وتقبّل للسلطة، إذ أنها تنقل إحساسًا لا إراديًا بالاستسلام أو لنقل الإحترام الكبير، وكثيرًا ما تترك هذه الحركة إنطباعًا إيجابيًا لدى المتلقي. وتدلّ هذه الحركة أيضًا على الانفتاح والتعاون، وتشير إلى شحصية مسالمة، وهي حركة طلب وليست أمرًا، بالمقابل كثيرًا ما تُستخدم من قِبل المتسولين عند التقدّم بطلبِ مالٍ أو مُساعدة.

الكف إلى الأسفل: السيطرة والتعالي:

من يستخدم هذه الحركة، حتمًا هو شخصية مسيطرة، معتادة على إصدار الأوامر ومتسلّطة. فإن كان المتحدث يوجّه كلامه إلى من هو أصغر منه سنّاً أو مقامًا كطفلٍ صغير أو عامل أو إلى أحد الموظفين الأقل منه رتبة، فتشير راحة اليد إلى الأسفل بمعنى: (كل شئ تحت السيطرة)، ومثال عليها طريقة تحيّة هتلر، التي تعبّر بشكل واضح على القوّة والهيمنة. وهي تمثّل الأمر لا الطلب.

الكف المقبوض مع نصب الشاهد: الإهانة أو السخرّية:

تمثّل هذه الحركة من كف اليد كل أنواع الإستعلاء والتسلّط، فضلاً عن أنّها تمثّل رسالة واضحة وصريحة إلى الآخر بمحاولة لاخضاعه والانصياع لأوامره لا طلبه. وقد كانت تعني عند قدماء العرب منذ زمن بعيد إلى الآن: السب والإهانة، ولهذا سُميّ الإصبع بـ"السبابة"، وهي تعني الإهانة والسخرية من المُشار إليه