عام 2014 كان عام التآكل الهيكلي للإقتصاد اللبناني، هكذا عبّر الخبير الإقتصادي البروفسر جاسم عجاقة لدى سؤال "الإقتصاد" عن تقييمه للعام المنصرم، وذلك كنتيجة لمنافسة العمالة السورية، والأوضاع الأمنية المتردية،  مؤكداً بأنه من المتوقع أن يستمر الوضع على ما هو عليه بإستثناء تحسن وحيد  وهو إنخفاض أسعار النفط العالمية التي سوف تعود بالفائدة على الإقتصاد الوطني من ناحية ستُقلل من العجز في الموازنة الناتج عن  تحويلات كهرباء لبنان.

ما هو تقييمك للإقتصاد اللبناني بشكل عام في 2014؟

365 يوما ًمن التآكل الهيكلي؛ هكذا يمكن وصف الاقتصاد اللبناني في العام 2014. فهذا العام شهد بداية دموية مع إغتيال الوزير محمد شطح في ظل فراغ حكومي مما أدّى إلى تراجع ثقة المستهلكين والمستثمرين. وعلى الرغم من مشحة التفائل التي أبصرت النورم  تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام إلا أن الوضع زاد سوءاً مع إزدياد المعارك في سوريا وبدء توافد النازحين السوريين والذي  أتوا بأعدادٍ هائلة تخطت كل التوقعات. وهذا الأمر أدّى من جهته إلى عوامل سلبية عدة على الاقتصاد اللبناني تمثلت بـ:

أولاً: تآكل سوق العمل اللبناني نتيجة المنافسة التي قامت بها اليد العاملة السورية والتي أدّت إلى زيادة عدد العاطلين عن العمل اللبنانيين بقيمة 324 ألف عاطل عن العمل إضافي في نهاية العام 2014.

ثانياً: زيادة العجز في الميزانية العامة نتيجة تخاذل المجتمع الدولي في تأمين المساعدات للنازحين السوريين، والملفات الاجتماعية التي أقرتها الطبقة السياسية في ظل أجواء الانتخابات.

ثالثاً: تآكل الوضع التربوي مع إزدياد عدد التلامذة السوريين وتخطى الأمر قدرة هذه المدارس على إستيعاب العدد الكبيرمن الطلبة.

رابعاً: تآكل الوضع الأمني مع إزدياد الأعمال التخربية الت يقام به  بعض النازحين كعمليات القتل والإغتصاب والسلب والعمليات الإرهابية. وهذاما دفع إلى تفادي بعض المناطق وبالتالي قلّت الحركة الاقتصادية.

ومن المُتوقع أن يستمر الوضع على ما هو عليه بإستثناء عامل واحد وهو إنخفاض أسعار النفط العالمية التي ستُقلل من العجز في الموازنة الناتج عن  تحويلات كهرباء لبنان.

الروبل يتراجع الى مستوى قياسي جديد في ظل تهاوي أسعار النفط، ما هو انعكاس التراجع على إقتصاد لبنان في المستقبل البعيد ؟

مما لا شك فيه أن إنخفاض الروبل له تأثيرات إيجابية على الاقتصاد اللبناني من ناحية أنه يُخفض العجز في الميزان التجاري بين لبنان وروسيا. فقد بلغ العجز في هذا الميزان 894 مليون دولار أميركي في العام 2013 مع تصدير بقيمة 7 مليون دولار أميركي وإستيراد بقيمة 901 مليون دولار أميركي.

وهذا الأمر قد يُخفض العجز بنفس نسبة تراجع الروبل نسبة إلى الدولار الأميركي.

هل ستقوم الحكومة بتحديد سعر نهائي للمحروقات في ظل التراجع المستمرخصوصاً بعد تصريح الحاكم رياض سلامة؟ وما هو انعكاسها على الإقتصاد الوطني ؟

إنّ طرح فرض ضريبة على سعر صفيحة البنزين قيمتها 3000 ليرة كما طرحها حاكم مصرف لبنان، هي خطوة مُفيدة مالياً لأنها ستجلب مداخيل للدولة اللبنانية وتُقلل من العجز في الموازنة. ونعتقد أنه في غياب خيرات أخرى فإن الدولة اللبنانية ستعمد إلى هذا الخيار.

لكنّ هذا الطرح هو ضربة للإقتصاد من ناحية أنّ المبلغ الذي ستُحصِّله الدولة (أكثرمن 300 مليون دولارسنوياً) مأخوذ من القدرة الشرائية للمواطن وبالتالي لن يذهب للإستهلاك. فالمعروف في الاقتصاد أنّ عدم معرفة الإنسان لساعة موته تدفعه إلى الإستهلاك والتعلق بالأمورالدنيوية وبالتالي هذا المبلغ سيتم ّصرفه في الإستهلاك.

وفي حال تم ّإستخدام الأموال التي يستُحصِّلها الخزينة في دفع سلسلة الرتب والرواتب، فهذا يعني أنّ الدولة أخذت الأموال من قدرته الشرائية وأعطته إياه السلسلة رتب ورواتب.

من ناحية أخرى إنّ تثبيت سعر صفيحة النفط ليس بسيّئ بالمُطلق،إلا أن ّتثبيت السعرعلى الإنخفاض  (أي عتبة لا تنزل الأسعار ما دونها) يجب أن يُقابله تثبيت سقف على الإرتفاع (أيْ عتبة لايُمكن للأسعارتخطّيها). وهذاما لم تفعله الحكومة حين لامس سعر صفيحة البنزين الأربعين ألف ليرة. من هذا المُنطلق يُمكن الإستنتاج أنّ صفيحة البنزين مقرون بأمرين: تثبيت السعرنزولاً وصعوداً، والإفصاح عن هدف الأرباح التي ستنتج عنها.

بما يخض القطاع الزراعي، يبدو ان الكارثة وقت كنتيجة للعاصفة الثلجية الأخيرة، أين يكمن الضعف في القطاع ولما الإهمال المتعمد من الأحزاب السياسية على حد تعبير رئيس جمعية المزراعين؟

إن مشكلة القطاع الزراعي هي مشكلة إستراتيجية وطنية قبل كل شيء. ماذا نريد أن نزرع؟ ما هي الوسيلة لتحقيقه؟ ما هي الكلفة؟ هل سيكون هناك إكتفاء ذاتي لما ننتج؟ وغيرها من الأسئلة التي يتوجب الرد عليها.

لا يُمكن الإستمرار على هذا النحو ونحن نعلم أن عدد سكان العالم بغزدياد مُستمر وأن مساحة الأراضي الصالحة للزراعة تقل من عام إلى عام. وهذا الأمر سيدفع بأسعار المواد الغذائية صعوداً. وبإعتقادنا فإن المُشكلة ستبدأ بالظهور في نصف العشرينات من هذا القرن حيث سترتفع الأسعار بشكل كبير.

بالنسبة لملف سلامة الغذاء هل القانون سيضع حد للتجاوزات وغياب الرقابة؟

الرقابة ليست غائبة، هناك فساد! ويجب محاربة الفساد أي كان مصدره وخصوصاً على صعيد موظفي الدولة.

القوانين موجودة لكنها لم تُطبق كما يجب، ولا نعتقد أن إقرار قانون سلامة الغذاء سيغير الكثير. فالشيء الوحيد المتوقع تحسنه هو زيادة التعاون بين الوزارات.

غطاء سياسي سمح لحملة السلامة الغذائية الحالية بإبصار النور. وغطاء سياسي سيسمح بقتلها، لذا القضية هي مشكلة الفساد المستشري والذي أصبح ثقافة لدى اللبناني الذي أعطاه إسم جديد "شطارة".

هل لك ان تحدثنا ان ملف النفايات ولما الخلاف الكبير بين الأقطاب السياسية؟ وكيف السبيل إلى حل علمي للملف يرضي جميع الأطراف ولا يضر بالمصلحة البيئية؟

مقاربة ملف النفايات كما معظم الملفات، تنقصها المنهجية العلمية. فإذا كان كل فريق يُدافع عن مصلحة منطقته وحزبه وطائفته، فهذا يعني فقدان المنهجية العلمية. أضف إلى ذلك الفساد فنحصل على كوكتيل قاتل يُشبه إلى حد بعيد مشروبات الطاقة الممزوجة بالكحول.

الكل يعلم أن عدد السكان بإزدياد كبير نتيجة النزوح السوري ونتيجة زيادة عدد اللبنانيين. لذا فإن الحلول القريبة ستُصبح غير صالحة في وقت قصير. من هذا المُنطلق يجب التفكير في حلول أكثر فعالية.

من هنا يجب التفكير في السلسلة الشرقية حيث لا يوجد سكان ولا ينابيع مياه وخلق مطامر هناك بعد القيام بكل ما يجب من فرز وتسبيغ وغيرها من العمليات التي تُقلل كمية النفايات المطمورة. والمعلوم أن كلفة النقل عالية، لذا يتوجب البحث عن مراكز فرز وتسبيغ قريبة من مصدر النفايات على أن يتم الطمر في السلسلة الشرقية.

كيف يُمكن إختيار هذه مراكز الفرز والتسبيغ؟

الجواب سهل : الجدوى الاقتصادية. فإعتماد اللامركزية في ملف النفايات سيدفع المناطق إلى إستخدام خدمات المنطقة التي تملك هذه المراكز وبالتالي سيكون هذا الأمر ذو جدوى إقتصادية إذا علمت المنطقة التي تملك المركز أن هذا النشاط سيجلب لها أموالاً.

أما فيما يخص الجمع والكنس، فلتتحمل كل بلدية مسؤولياتها إتجاه هذا الأمر.

لذا ومما تقدم هناك ثلاثة إعتبارات يجب أخذها في البحث عن حل علمي: اللامركزية، الشراكة بين القطاع الخاص والعام ومُنتج النفايات هو الذي يدفع.