قطعت الإمارات الطريق على إيران قبل أن تقوم هذه الأخيرة بقطع طريق ​مضيق هرمز​، وأسقطت من يدها السلاح الذي كان يمكن أن تلجأ اليه طهران، في حال لجأ الغرب الى منعها من بيع نفطها الى دول مختلفة من العالم.

مشروع مسار بديل:

وأمس أعلنت الامارات عن البدء بتصدير أول شحنة نفط عن طريق ميناء إمارة الفجيرة التي تقع على الساحل الشرقي للدولة المطل على خليج عمان، اي خارج نطاق الدول التي تطل على الخليج العربي، وقوام هذه الشحنة 500 الف برميل  وتتوجه الى الباكستان.

وجاء ذلك بعد انتهاء مد وتشغيل خط أنابيب "حبشان" الذي بدأ بتنفيذه منذ نحو 4 سنوات لنقل النفط من مناطق سابقة موانؤها مطلة على الخليج العربي مثل إمارات:  دبي والشارقة ورأس الخيمة وأبوظبي المصدر الرئيسي لنفط البلاد إلى مرفأ التصدير في ميناء الفجيرة دون المرور بمضيق هرمز.

وتتجه أنظار المراقبين الى هذا الحدث، الذي يترافق مع تطبيق الغرب للحظر النفطي على ايران والذي بدأ  في أول الشهر الحالي، حيث هددت ايران أكثر من مرة آخرها يوم بدء العقوبات، بأنها سوف تضطر الى اقفال مضيق هرمز في حال تعرضت ناقلات نفطها للإعاقة وعدم وصولها الى زبائنها .

وكان جلياً الهدف الاستراتيجي  لهذا المشروع الإماراتي ذات الأبعاد: الاقتصادية والأمنية والسياسية، والذي بدأت بتنفيذه  حكومة ابو ظبي الممولة للمشروع والذي بلغت تكلفته نحو 4.2 ملياردولار، وهي الإمارة الغنية بالنفط حيث تنتج حوالي 90% من نفط البلاد ، وأن الهدف منه تحرير البلاد من السيف المسلّط على رأسها  عبر التهديدات الإيرانية بإقفال مضيق هرمز، كما هو الحال ايضاً بالنسبة لباقي الدول الخليجية التي تطل موانئها فقط على الخليج العربي.

ويدعم هذا وزير ال​نفط الامارات​ي محمد الهاملي رغم أنه يخفي لهجة ديبلوماسية والذي أعلن اليوم أ"ن هذا المشروع يهدف الى منح الإمارات خيارات أكثر لنقل كميات أكبر من النفط، ويمكنها من اختيار أكثر من طريق تجاري."

ورغم أن الهاملي أوضح أنه لا يمكن الاستغناء عن مضيق هرمز كلياً، وأن هذا الممر سوف يخفف الازدحام والضغط على ميناء الرويس _"أبوظبي"_ خاصة أن الأخير يصدر منتجات بترولية وبتروكيمائية، فيما سيصدر ميناء الفجيرة النفط الخام،  وأن المرور بمضيق هرمز اصبح مزدحماً جداً، .يكشف خادم الكبيسي العضو المنتدب لشركة الاستثمارات البترولية الدولية

(أيبيك) الشركة المنفذة للمشروع "أن هذا الخط تكمن أهميته بكونه يؤمن مساراً بديلاً لتصدير نفط أبوظبي الخام، المصدر الرئيسي للدخل الوطني، ك

ما أنه سيوفر امكانية تصدير 70% من نفط أبوظبي من دون الاعتماد على مضيق هرمز كطريق رئيسي لتصدير النفط، وسيلعب دوراً مهماً في الأمن الوطني والسياسة الاستراتيجية لإمارة أبوظبي" .

ويبلغ طول خط  "حبشان" الذي سينقل النفط من حقول أبوظبي  الى الفجيرة حوالي 400 كيلومتراً، وبقطر "أنبوب" 48 بوصة تؤهله لتمرير حوالي مليون و500 ألف برميل يومياً حالياً، ويتوقع ان تصل طاقته التمريرية الى مليون و800 الف برميل يومياً، أي ما يعادل نحو 70% من إنتاج النفط من دولة الامارات الذي يمكن تصديره عبر ميناء الفجيرة. ، لذلك يعد  هذا المشروع من المشاريع المهمة للبلاد، كما أخذت بعين الاعتبار الدولة أهمية تعزيز التعاون والتبادل التجاري بين أبوظبي والصين، حيث أن أوكل مهام إنشائه لشركة "ايبيك" الصينية المنشأ.

ولم يكن بناء هذا المشروع الضخم  سهلاً، وليس ارتفاع كلفته إلا أحد مظاهر الإرادة الهائلة لتنفيذه ، فهناك صعوبات جمة واجهها المشروع  والذي واكبته جهود حثيثة، إذ يشير"الكبيسي"  للجهد الجبار الذي بذلته الشركة لكي يتم إنجاز هذا المشروع الاستراتيجي ، فخط الأنابيب يعبر في منطقة جبلية وعرة وشاهقة على مسافة 40 كيلومتراً، ما اضطر لاستخدام  الكثير من الوسائل والتقنيات الحديثة لتنفيذه.

الأهمية الاستراتيجية:

وأمام هذه المعطيات يعتقد خبراء أن ما سيوفره هذا الممر على المستويات كافة، يسقط جميع الحسابات المادية واللوجستية أمامه، إذ أن المشروع  بنظرأصحابه سوف يسهم  بتحرير الامارات من وطأة التهديدات الايرانية بإقفال المضيق بين الفينة والأخرى، خصوصاً وأن الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية لم يتوانَ أبداً عن جعل هذه المنطقة النفطية تشتغل بين الفينة والأخرى على نيران السياسة  والحروب المتتالية، فكان مضيق هرمز اقصر الطرق بالنسبة لها منذ انطلاق حرب الخليج الأولى، لتخفيف الضغوطات العسكرية والسياسية والأمنية عليها.

وقد قامت فعلا الولايات المتحدة الأميركية الاسبوع الماضي بإرسال أربع كاسحات ألغام إلى الخليج لتعزيز الأسطول الخامس الأمريكي بعد تجدد تهديدات إيران بإغلاق المضيق منذ نحو اسبوعين اي مع بدء تطبيق العقوبات عليها.

ويعدّ مضيق هرمز  أهم ممر لناقلات البترول في العالم حاليا حيث يعبره يوميا 17 مليون برميل، ويبلغ عرضه نحو 50 كلم (43 كلم عند أضيق نقطة) فيما يبلغ عرض ممري الدخول والخروج فيه نحو ميلين بحريين أي (10,5 كلم)، وتعبره يومياً ما بين 20 و30 ناقلة نفط عالمية وبمعدل ناقلة كل 6 دقائق في ساعات الذروة، محملة بنحو 40% من النفط المنقول بحراً على مستوى العالم وبما يعادل اقل من النصف بقليل من إنتاج منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبيك" اليومي والذي يبلغ الآن حوالي 32 مليون برميل يومياً.

نسب الإنتاج:

وتحتل الإمارات الترتيب السابع من حيث الاحتياط النفطي والذي يبلغ نحو 97.8 مليار برميل، وبما يمثل نحو6.65 في المئة من الاحتياطي النفطي العالمي، فيما تنتج  2.81 مليون برميل نفط يوميا،ً تستهلك منها نحو 545 الف برميل يومياً,وتبلغ الصادرات الى الولايات المتحدة نحو 10 آلاف برميل يومياً حسب احصاءات.

وكانت ايران قد أعدت الاسبوع الماضي مشروع قانون طرحته في "البرلمان" يقضي بمنع الناقلات المحملة بالنفط من الدول التي اعلنت فرض العقوبات عليها، من المرورعبر مضيق هرمز، وذلك رداً على العقوبات النفطية والمالية التي فرضها الاتحاد الأوروبي عليها وقبله الولايات المتحدة.

وذكرت وكالات ان حوالي 100 من اصل 290 عضواَ في البرلمان كانوا قد وقعوا على هذا المشروع، غير أن خبراء لا يرجحون أن يكون لمشروع القانون المذكور أثر فيما لم تقره القيادة الإيرانية، علماً أن "البرلمان" الايرانية يعتبر مستقلاً، لكن بما أن هذا القرار يتعلق بالمسائل الاستراتيجية والحيوية للبلاد فأنه قد يحتاج الى موافقات أكثر من جهة تقود البلاد.

وكانت  السعودية قد اتخذت ايضاَ خطوات مماثلة قيل أنها احترازية في حال أغلاق المضيق، وأعلنت منذ نحو اسبوعين عن إعادة  فتح خط أنابيب قديم  عبرموانىء البحر الأحمر، كان النظام العراقي في عهد صدام حسين قد مدّها في ثمانينات القرن الماضي أثناء حربه مع إيران وتعرض صادرات نفط بلاده للقصف.

وفي عام 2001 صادرت السعودية خط الأنابيب لتعويض ديون لها على بغداد واستخدمته في السنوات الاخيرة في نقل الغاز إلى محطات الطاقة الواقعة في غرب البلاد. وقد قامت فعلاً السعودية بعمليات ضخ تجريبية على  هذا طول هذا الأنبوب خلال الأشهر الخمسة الماضية.

ويبقى السؤال هل تقوم هذه الدول الخليجية بأخذ خطوات احترازية بهدف الحفاظ على حجم إنتاجها وصادراتها اليومية، وأن هذه المخاوف في مكانها، أم ان هذه الخطوات تقع في إطار انتزاع أوراق الضغط التي تملكها ايران، وذلك تماهياً مع الحليف الأميركي والسياسة الغربية في المنطقة والتي تضغط على إيران بهدف الحد من طموحاتها النووية؟