تكشف الرسالة التي بثتها اليوم منظمة "متحدون ضد ​ايران​ نووية" (UANI) عبر موقعها، والتي هي عبارة عن أسئلة وجهتها الى حاكم ​مصرف لبنان​ المركزي "رياض سلامة" للمرة الثانية منذ شباط الماضي، النوايا المبيتة والأهداف السياسية التي أرادت هذه الجهة اقحام أكبر جهة مصرفية ونقدية رسمية في لبنان بها، بهدف إيقاعها في أتون معارك سياسية خارجية وبلبلات داخلية،لا ناقة لها فيها ولا جمل ، فظاهر الرسالة  خيرٌ، تحت ستار ما أسمته هذه المنظمة وما تسميه الولايات المتحدة وحلفاؤها "مكافحة الارهاب"، فيما يراد به باطلٌ، ألا وهو رأس القطاع المصرفي في لبنان.

الأسئلة المريبة

تضمنت الرسالة الموجهة لحاكم مصرف لبنان  5 أسئلة سياسية  رئيسية، ومفندة، قد لا يملك الحق بالرد على معظمها شخصياً بحكم موقعه على رأس سلطة نقدية،  واعتمدت تلك الاسئلة على تقارير أجنبية، واعترافات إعلامية أسندت لحزب الله ولأمينه العام السيد حسن نصرالله كان قد صرح بها لصحف أجنبية وهي:

 هل بإمكانك نفي التالي:

-  بأن حزب الله هو الحزب السياسي المهيمن على لبنان؟، وهل تنفي ان "حسن نصر الله" عندما قال أننا نتلقى الأسلحة وأشياء أخرى، كذلك الأموال بنفس الطريقة، وكلها تتم عبرالدعم الإيراني"؟ - (صحيفة النيويورك تايمز).

-أن إيران هي الجهة المالية الداعمة والمسيطرة على حزب الله؟ (Hurruvet Daily News)?)

-التصاريح التي أطلقها حزب الله  " أن ايران تستمر بتمويل حزب الله بحصة بارزة، مما مكنه من توسعة مصادر دعمه في السنوات الأخيرة.؟ وأن حزب الله أصبح متورطاً بشكل ضخم في الأنشطة الجرائمية والتي تتضمن تجارة المخدرات وتهريبها؟

- أن المجتمع الدولي لا أمل له  بممارسة ضغوط مالية ضد مجموعة مثل حزب الله، خصوصاً أنه يحظى  بتدفق الأموال من دولة راعية للإرهاب ، كما هو الحال ايضاً بالنسبة للإيرانيين؟

هل يمكنك أن تجزم أن مصرف لبنان:

- لم يشرف على حسابات او لم يقم بعمليات تحويل مالي لأي منظمة أو فرد ايراني؟

- لم يتعامل أبداً مع البنك المركزي الايراني؟

- لم يقدم تسهيلات عبرالبنوك اللبنانية للدعم الإيراني اللامشروع لحزب الله، ولبيع الأسلحة الايرانية، ودعم كل من حزب الله ونظام بشار الأسد السوري غير الشرعي؟

أسئلة أعطت لنفسها الحق هذه المنظمة  اللاريعية واللاحزبية كما تعرف عن نفسها ، بأن تنصّب نفسها كما لو أنها محكمة عدل دولية ، أو سلطة قضائية ذات نفوذ ولديها صلاحيات استنطاقية، وما يجعلنا نشك بنواياها عندما نعلم أن هذه المنظمة الأميركية التي تأسست منذ نحو 4 سنوات تضم من بين  مؤسسيها ​خبراء​ في السياسة والاستخبارات في منطقة الشرق الأوسط إذ يتراسها السفير الاميركي السابق في الأمم المتحدة "مارك د. والاس" وهو ايضاَ المدير التنفيذي للشركة المالية “Tigris”، والمدير السابق لوكالة الاستخبارات الأميركية(CIA)"جيم ووسلي"، والخبير في شؤون الشرق الأوسط الديبلوماسي الأميركي السابق "ريتشارد روس"، والديبلوماسي الأميركي الراحل الذي خدم في وزارة الخارجية الأميركية "ريتشارد هولبروك"، ويكشف موقع المنظمة أن هدفها الأساسي "الحؤول دون تحقيق إيران طموحها بالحصول على السلاح النووي".

ورغم أن حاكم  مصرف لبنان كان قد أجاب في آذار الماضي على تساؤلات سابقة لهذه المنظمة بشكل رحب وبكل شفافية حول وضعية التحويلات وحجم الودائع في القطاع المصرفي اللبناني والذي أكد فيها أن لبنان يلتزم بكافة المعايير الدولية الكفوءة والشرعية، ودعا فيها رئيس الجمعية "والاس" لزيارة لبنان للتأكد بنفسه، ومع ذلك تستمر هذه المنظمة في قيادة بروبغندا سياسية واقتصادية، ورغم أن رسائلها قد تبدو غير مهمة لعدم مشروعيتها أو لكونها غير رسمية، إلا أن هدفها الإطاحة أو على الاقل التأثير على سمعة القطاع المصرفي اللبناني خارجياً سيما في أوساط  المستثمرين والشركات والبنوك التي تكتتب بسندات دين الخزينة اللبنانية.

تقييد التحويلات وتبييض الأموال

لكن لماذا أصبح منذ فترة وتحديداً منذ عام 2003  رأس القطاع المصرفي اللبناني مطلوباً، وأصبح الآن مطلوباً بشدة أكثر، علماً أن  هذا القطاع يكاد يكون القطاع الوحيد الذي بقي صامداً رغم العواصف المختلفة التي مر بها المنطقة  العربية ولبنان؟

 نتذكر جميعاً أحداث 11 سبتمبر 2001, وقرارات تقييد التحويلات المالية وأحجامها اليومية التي جاءت معلبة من واشنطن ومؤسساتها المالية والاستخباراتية، واللوائح السوداء التي ضمت شركات وبنوك وشركات مالية واشخاص وعائلات ومنظمات وجمعيات، فرضتها الولايات المتحدة الأميركية على الدول العربية وغيرها من الدول النامية، وفي عام 2003 تاريخ غزو الولايات المتحدة الأميركية للعراق تحت ستار مكافحة الإرهاب والقضاء على أسلحة الدمار الشامل، وفي صيف ذلك العام عممت السلطات المالية الأميركية على الدول العربية قائمة جديدة بأسماء المنظمات والدول والعائلات التي اعتبرتها داعمة للإرهاب، وبموجب تلك القائمة فرضت على الدول العربية وغيرها من بعض الدول بضرورة تطبيق حظر عليها. لم يقف الأمر عند ذلك بل طالبت مجموعة العمل المالي لمكافحة تبييض الأموال "غافي"العالمية،

بضرورة وضع قوانين لمكافحة تبييض الأموال، وفرض المزيد من تقييد حرية التحويلات الأمر الذي يمكن الولايات المتحدة من كشف الكثير من الحسابات والتدخل بالتالي بتلك الدول.

غير أن لبنان الحريص على نظام السرية المصرفية والذي يتميز به عن غيره من البلدان العربية، كان الوحيد الذي اتخذ احتياطاته في عام 2001 إذ سارع الى وضع "قانون مكافحة تبييض الأموال" وفقاً لأعلى معايير وبما يتملاءم مع متطلبات السرية المصرفية، ورغم أن مجموعة "غافي" أثنت على  هذا القانون وشفافيته حيث سبق لبنان غيره به، ظلّ الوضع لا يرقَ الى مستوى إعجاب الساسة الأميركيين الذين لم يتمكنوا من فرض قانونهم الجاهز عليه لقانونيته وشفافيته، فقد ارادوا على ما تكشف في ما بعد وتحت ذريعة مكافحة الإرهاب والسلام العالمي تدمير اقتصادات الدول النامية، أو السيطرة على قراراتها السياسية ، وفي حال لبنان فإن  واشنطن تهدف الى حماية اقتصاد وأمن اسرائيل، وطالما أن مقاومة لبنان بخير فإن اسرائيل بخطر.

يقول خبراء اقتصاديون أن المنظمة اعتمدت في تقارير سابقة أرسلتها الى الحاكم على حجم الإيداعات الضخمة التي يشهدها القطاع المصرفي في لبنان، رغم أن نسبة الفائدة متدنية على الودائع، كما أن الاستثمار في سندات دين الخزينة اللبنانية لا يزال يحظى بإقبال، رغم أنه ارتفع بشكل طفيف بحسب آخر تقرير شهري لمصرف لبنان عن نيسان الماضي ليسجل 20.169 مليار دولار أميركي، مقابل 19.458 مليار دولار أميركي في الشهر الذي سبقه.

أموال ​المصارف

ويقول خبراء ان حجم الايداعات في المصارف اللبنانية يشهد زيادة عاماً بعد عام رغم الأزمة العالمية وتداعياتها وهذا يعود لتحويلات اللبنانيين وللثقة بالنظام المصرفي اللبناني الذي يطبق السرية المصرفية ، وبسبب هجرة الأموال من منطقة الخليج  وأسواق المال الأميركية والأوروبية التي تضررت بفعل أزمة الائتمان العالمية واسواق الأسهم الخليجية والعالمية، ولأن مصرف لبنان يطبق سياسة محافظة وغير مغامرة على القطاع المصرفي، وسط استقرار نقدي ملحوظ، ولأن اقتصاده غير مرتبط الى حد ما بالأسواق العالمية بشكل رسمي تمكن من تجنب تداعيات تلك الأزمة بل واستقطاب قسم كبير من تلك الأموال.

وبنظرة سريعة يتبين لنا أن حجم الميزانية المجمعة للمصارف اللبنانية ارتفع العام الماضي الى 140.5 مليار دولار مقابل 128.8 مليار دولار عام 2010، اي بزيادة حوالي 11,7 مليار دولار وبنسبة 9.04%، فيما كان عام  2009 قد بلغ 115.2 مليار دولار ، اي بزيادة بنحو 13.6 مليار دولار عام 2010.

المصارف العمود الفقري للاقتصاد

وفي ظل هذه المعطيات يعتقد خبراء أن القطاع المصرفي والذي يشكل العامود الفقري للاقتصاد اللبناني والممول الرئيسي لأنشطة للدولة ولعمليات التنمية وتطوير بناها التحتية، يبقى هو المستهدف بالمقارنة مع ما يعاينه الاقتصاد الاسرائيلي الذي أكل ضربة موجعة بفعل أزمة الرهن الأميركي والائتمان العالمية، فضلاً عن الأزمات الأمنية الداخلية المتلاحقة لديه،  وما موضوع الحظر الايراني والسوري الذي يتلطى به هلاء الخبراء وغيرهم من الأميركيين، سوى غطاء في إطار المساعي للنيل من تقدم وازدهار القطاع المصرفي وبالتالي الاقتصاد اللبناني ، إذ تمكن من اجتياز المحنة بشكل فائق مع بدء الأزمة العالمية وصولاً لمرحلة ما يسمى "الثورات العربية" ومرحلة الحظر الغربي المفروض على النظام السوري وبنوكه وبعض الشركات والأفراد السوريين ممن وضعهتهم واشنطن على اللائحة السوداء المحظر التعامل معهم.

وفي هذا السياق يقول مصرفي للـ "النشرة" أن  المصارف اللبنانية  وهي ستة بنوك كانت قد افتتحت فروعاً في ​سوريا​ بالمشاركة مع رجال اعمال ومصرفيين سوريين قد خسرت حوالي 40% من أصولها بسب الاضطرابات وإجراءات الحظر الأميركية، لكن وبحسب هذا المصدر أن هذه النسبة قياساً لحجم الميزانية المجمعة لكافة المصارف لا تشكل حوالي 12% من مجملها.

نبقى بانتظار ما ستؤول اليه الأمور وهل سيرد "سلامة" على رسالة هذه المنظمة هذه المرة، أو بالأحرى هل يملك إجاباتها، أم سيحيلها الى الجهات المختصة؟