يشهد لبنان في الأونة الأخيرة نشاطاً مكثفاً يشمل المواقع الامنية والسياسية، فلبنان في خضم مواجهة مفتوحة ومجهولة على حدوده، والرئاسة الأولى في فراغ قاتم لا يعرف لها مخرجاً، و المجلس النيابي على أبواب تمديد يحمل أثاراً سلبية على الإقتصاد بحسب الخبراء الإقتصاديين، ويبدو بأن الإقتصاد اللبناني برمته، في حال تخبط والى مزيد من التدهور...ولكن لوزير العمل السابق الدكتور شربل نحاس نظرة مختلفة للموضوع، إذ أوضح أن تحليل الإقتصاد اللبناني الكلي، يختلف بحسب النظرة الى عدة جوانب من الإقتصاد، وأن بعض تلك الجوانب، مثل تجارة العقارات أو المضاربات المالية في وضع جيد، ولكن وضع العمال والمواطنين في حالة صعبة للغاية.   

وقال وزير العمل السابق في حديث خاص للنشرة الإقتصادية، بأن الإقتصاد اللبناني ليس "مجرد"، ويختلف تحليل الوضع الإقتصادي بحسب النظرة الى الجوانب المختلفة للإقتصاد، فعلى سبيل المثال إذا أردنا تحليل الأوضاع الإقتصادية والمعيشية للعمال والمواطنين نرى بأن الوضع سيء جداً، ولكن إذا أردنا تحليل وضع تجارة العقارات أو المضاربات المالية، فالوضع جيد جداً لأنه لا يوجد في لبنان قطعة أرض لم يشملها أرتفاع الأسعار من 10 سنوات الى اليوم.

وأشار الى انه يوجد في لبنان العديد من "الكارتال" او جماعات الإحتكار، وأن هذا الوضع المتردي تخطى الإحتكار وأصبح نمط سائد وقال: رأينا بشكل واضح كيف تم التداول بموضوع السلسلة والتي هي مجرد تصحيح للأجور بسبب الغلاء المعيشي خلال 18 عاماً، رأينا كيف انقلبت الصورة كلياً، بمجرد ما أعلن أصحاب المصارف والمصالح بانهم يطاعون ولا يطيعون، وبالتالي جميع الكتل السياسية عدّلت عن مواقفها، لذلك من الواضح أين هي مواقع السلطة الفعلية في البلاد، ليست سرا على أحد والقضية أصبحت مكشوفة.

وعن ملف سلسلة الرتب والرواتب قال: "المسألة ببساطة هي كالتالي: لا يوجد كتلة نيابية متمثلة داخل البرلمان رفعت الصوت المؤيد للسلسلة، وطالبت بتصحيح الأجور، وجميعهم دون إستثناء. بعد وصول المسألة الى مرحلة إتخاذ القرار وعبر أصحاب الرساميل الكبيرة عن عدم رغبتهم بدفع الضرائب، إنقلبت جميع الكتل السياسية حتى على موظفيهم".

وأوضح نحاس: "الملفت في المسألة بأن السلسلة بحاجة الى نسبة 100% تمويل، في حين انه ومنذ قرابة الأسبوع تم تفويض في مجلس النواب على فتح إعتماد بـ626 مليار ليرة حوالي 420 مليون دولار، ولم يتم تمويله على الإطلاق، وفي حين أن جميع مصاريف الدولة لم تمول بنسبة 100%، الوضوح في المسألة تسمح لنا ان نقتنع بأن عندما ينحصر الموضوع بين كبار مضاربي المال والعقارات ومستويات أجر الموظفين، عندها، نعم، جميع الكتل السياسية سوف تنحاز الى الفريق الأول، وليس للفريق الثاني، لأنه اذا الضريبة ألقيت على المضاربين وزادت نسبة المعاشات، سوف يذهب الموظفين الى الإستهلاك، وبالتالي بالتفكير المنطقي، أصحاب المؤسسات التجارية والصناعية يجب أن يهللوا لهذا الأمر، لأنها زيادة حركة تجارية بالنسبة لهم، ولكن على ما يبدو حتى هؤلاء لا يستيطعون التفلت من السلطة الفعلية والتي هي سلطة مضاربي المال والعقارات.

وأضاف: حصل في البلد شيء، لم يكن متوقع حدوثه، وهو أن يحدث تحرك نقابي بعيداً عن إرادة الكتل السياسية، وخارج سيطرتها، وهذا الأمر لا يمكن القبول به عند تلك الكتل ويجب ضربه، كيف يضرب؟..بالتطويق، وبالإحباط والرشوة، وهناك إجماع على قتل فكرة ان يتنظم اللبنانيين خارج الكتل الطائفية والسياسية ويطالبون بحقهم ويحصلون عليه خارج إرادة الكتل السياسية وهذا أمر مرفوض من التركيبة السلطوية القائمة.

 المشكلة الأساسية في مؤسسة كهرباء لبنان، ان المؤسسة تبيع الكهرباء بأرخص من كلفة الإنتاج

ورداً على سؤال عن أين تكمن المشكلة الأساسية في مؤسسة كهرباء لبنان، شرح وزير العمل السابق شربل  نحاس "ان مؤسسة كهرباء لبنان تبيع الكهرباء بأرخص من كلفة الإنتاج، وبالتالي خسائرها تلقائية وتتضاعف، لأن المعامل الموجودة قديمة العهد وإنتاجيتها محدودة، هذا هو السبب الأساسي. ولذلك يضطر المواطن ان يدفع إشتراكات مولدات كهربائية زيادة عن ثمن فاتورة الكهرباء أي زيادة الأعباء المالية". وقال أن مسألة الكهرباء مسألة بسيطة، وان مشكلة الكهرباء الأساسية انه وبدأ من العام 1997 قررت الدولة بالوقت عينه التي قررت فيه تجميد الأجور، قررت فيه أيضاً تجميد الإستثمارات العامة، والدولة ليست مستعدة لأن تتحمل المسؤولية الملقاة عليها، وأن تقرر إما ان تبيع الكهرباء بأقل من كلفتها في وقت على الدولة ان تدعم مؤسسة كهرباء لبنان، او تقرر ان ترفع الأسعار أو تعدل البنية. ولكن الكذبة المزدوجة بأن كهرباء لبنان تخسر!!، ليس شيئاً جديداً، الخسائر سببها قدم المعامل ولا يوجد إستثمارات وكلفة الإنتاج أغلى من البيع".

وقال على الدولة ان تقرر بأية سعر عليها ان تبيع الكهرباء قياساً على كلفة الإنتاج، هل ستدعم الدولة الكهرباء أم لا؟!.  وأشار الى ان "القرار لا تأخذه مؤسسة كهرباء لبنان، بل الحكومة اللبنانية، وإذا قررت الحكومة ان تبيع بأقل من كلفة الإنتاج، حكماً، عليها ان تضع في الموازنة مبلغ من المال يغطي قيمة الدعم وذلك من أجل إستمرارية الإنتاج.

وعن ملف "المياومين" أوضح نحاس ان "المياومين" هم مجموعة من المواطنين، إستغلوا خلال 10 أو 15 سنة، في ظروف عمل غير قانونية، فهم إدخلوا كأجراء في مؤسسات خاصة، تعاقدت تلك المؤسسات بدورها مع مؤسسة كهرباء لبنان، للعمل لدى المؤسسة، وخلال كل تلك المدة على هؤلاء ان يسجلوا في الضمان الإجتماعي، وقسماً منهم أصيب خلال عملهم المحفوف بالمخاطر، وهذا الامر تم التغاضي عنه وأصبحوا في اللامكان، فهؤلاء المجموعة ظلموا مرّتين خلال 15 عاماً، ولما لم يأتيهم المطلب عن الماضي بأي تجاوب وهم لم يتجرؤأ على البوح به ايضاً، لأن من حرمهم من حقهم مجموعة من المتنفذين وليسوا أناس عاديين، أصبح مطلبهم التثبيت إما بالشركات الجديدة أو بمؤسسة كهرباء لبنان. والسؤال هنا من هي تلك الشركات الجديدة؟ وهل تطبق قوانين العمل؟ هل عقود العمل صحيحة؟ فهذه الحالة تمثل نموذج معبر جداً عن ضياع حقوق المواطنين في لبنان.