تحت عنوان "الهدر والفساد، وكلفتهما على الاقتصاد: وهل صحيح أنها تموّل أكثر من سلسلة واحدة؟"، استضاف برنامج "المجلة الاقتصادية" للمُعِدّة والمقدمة كوثر حنبوري في حلقته الثالثة عبر أثير "اذاعة لبنان"، عميد كلية ادارة الاعمال في "جامعة الحكمة" البروفيسور روك انطوان مهنا، وذلك بمشاركة هاتفية من رئيس "الاتحاد العمالي العام" غسان غصن، ورئيس "تجمع رجال الاعمال" د. فؤاد زمكحل. حيث أوضح كل ضيف من الضيوف وجهة نظره المتعلقة بالموضوع.

اشارت حنبوري في بدايةالحلقة الى ان الكلام سيتمحور حول قضية الهدر والفساد، وكلفة هاتين الآفتين على الاقتصاد اللبناني، "انطلاقاً من قول احد الخبراء أن (الحكومة في حال أوقفت الهدر والفساد، بإمكانها أن تموّل أكثر من سلسلة واحدة دون الحاجة لفرض ضرائب جديدة على المواطنين)". وتساءلت: "ما مدى صحة هذه المقولة؟ أين هي مواطن الهدر؟ وما هو ترتيب لبنان بالمقارنة مع دول أخرى؟ كيف تضبط هذه المزاريب؟ وما هي الاقتراحات؟ وما هي امكانية وقابلية التطبيق؟ ألا يكفي أن يقال عنا بأنّنا ملوك الفرص الضائعة، وأن هذه الفرص تقدّر بنحو 16 الى 17 مليار دولار بين 2011 و 2014؟! واضافت: "سنبحث هذا الموضوع من كافة جوانبه، مع الخبير الاقتصادي عميد كلية ادارة الاعمال بجامعة الحكمة البروفيسور روك انطوان مهنا.

روك انطوان مهنا

بدايةً، اعتبر مهنا أنه "لا توجد دراسات دقيقة تحدد معايير الهدر والفساد"، مضيفاً: "الكلفة السنوية للفساد والهدر بحسب آخر الدراسات هي أكثر من 2 مليار دولار كهدر مباشر بالسنة، لكن يوجد هدر من نوع آخر ، وهو الفساد غير المباشر، ومعه تكون الكلفة السنوية على الاقتصاد اللبناني أكثر من 4 مليار بالسنة".

واعتبر ان تمويل السلسلة بشكل خاطئ يُعدُّ فساداً بحد ذاته، "إذ أن كلفتها ستكون أكبر مما تم وضعه بالحسبان أو على الاوراق، كما أن الايرادات -التي أُسندت التوقعات اليها- ستكون أقل. لكن الكلفة ما تزال غير دقيقة وغير مدروسة بشكل صحيح، لا من ناحية التمويل ولا من ناحية الايرادات المتوقعة لها".

واشار مهنا الى أن "لبنان جاء في مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره منظمة "Transperancy International" غير الحكومية في المركز 127 من اصل 177 دولة في عام 2013، وحصد معدل 28 من 100، مقابل معدل 37 من 100 للشرق الاوسط بشكل عام. كما جاء لبنان في المركز 13 من أصل 19 دولة بالشرق الاوسط وشمال افريقيا، ليتجاوز فقط ايران، سوريا، اليمن، ليبيا، العراق والسودان.

واضاف: "لكن اذا رجعنا الى 10 سنوات ماضية، نجد أن لبنان كان في المركز 115، وفي 2013 اصبح لبنان في المرتبة 127، ما يعني أنه اليوم الى تراجع، ومن المنتظر أن يتراجع أكثر خلال العام 2014 الحالي".، وقال: "الفساد أصبح مستشرٍ بشكل أكبر، بل أصبح فساداً منظماً، وهذا أمر خطِير".

في غضون ذلك، قال مهنا: "الجمارك مثلاً، من المرافق التي فيها هدر كبير في لبنان، حيث يصل الهدر في العام الواحد الى نحو 2 مليار دولار أميركي". وأورد مثالاً بسيطاً لآلية من آليات الفسد، فقال: "لبنان -العضو في اتفاقية التيسير مع الدول العربية-،  يستورد من هذه الدول دون وضع ضرائب على بعض البضائع، ومن الأمثلة على الفساد أنه يتم في كثير من الاحيان تغيير اسم البلد المنشأ لبعض البضائع القادمة، فقد تأتي من الصين مثلاً، وتسجّل أنها قادمة من الامارات أو السعودية، فلا يكون عليها بذلك أي ضريبة".

فؤاد زمكحل

من جهته، اشار رئيس "تجمع رجال الاعمال" د. فؤاد زمكحل الى ان "من الشجاعة فتح ملف الفساد والهدر في لبنان"، وقال: "في لبنان، وحتى في العالم العربي والاوروبي تحتوي جميع البرامج لدى القيادات السياسية أهدافاً تتمثّل بدايةً في محاربة الفساد.. ونجد الكثير من الكلام حول نظام النزاهة الوطني ومحاربة الفساد، بينما اتضح مع مرور السنين -للأسف- أن أكثر الفاسدين هم من أولئك الذين يطالبون بمحاربة الفساد"، واضاف: "بالعادة تقوم أموال الفساد بتمويل الكثير من الأحزاب السياسية وبرامج الانتخابات والمساعدات الاجتماعية في لبنان والعالم". وتابع: "موضوع الفساد في لبنان نتكلم عنه منذ فترة طويلة، لكن لسوء الحظ، نسمع عن كثير من الفاسدين، بينما المحكومين منهم قلة".

واضاف زمكحل: "تشير منظمة "Transperancy International" المتواجدة في برلين، والتي تعمل على محاربة الفساد في العالم، الى ان كلفة الفساد في لبنان تتراوح بين 1 و 1.5 مليار دولار سنوياً"، وقال: "ليس هناك ما يؤكد هذه الارقام، لكن اذا قمنا بعملية حسابية بحسب عجز الموازنة، ندرك حينها أن هذه الارقام واضحة".

وقال: "محاربة الفساد ليست بهذه السرعة والسهولة، حتى إن وُجِدت موافقة شمولية عليها تضم القطاعين الخاص والعام.. لا يمكن محاربة الفساد بيوم واحد ثم نعتبر أن مبلغ المليار أو مليار ونصف دولار أميركي سنستخدمها للتمويل..!! واوضح: "هذا الامر سيستهلك سنوات تتضمن تغيرات في الآراء والبرامج والمنهج والادارة. لكن مع كل ما سبقِ، نبقى في لبنان بعيدين عن هذا الموضوع، فهذه الاموال تستعمل لعدة خيارات معينة -دون تحديد- ونرى أن السياسيين يختلفون كثيراً لمواضيع سياسية معينة، بينما نجدهم متفقين فيما خص مسألة التمويل".

وختم زمكحل: "يجب أن تمر السلسلة، وأنا أثني على مقترح حاكم "مصرف لبنان"، حيث يجب أن تتجزأ بين 3 و 5 سنوات، وأن تخفّض بين 10 و15%"، واضاف: "اليوم، نحن في صف المطالبين بحقوقهم، وهم على حق، والكل يرى أن الكلفة المعيشية الى ازدياد، ولا يمكن أن ننتقد هؤلاء، لأن ما يطالبون به مفهوم وظاهر.. لكن من ناحية أخرى، ومن منظور اقتصادي لا يجوز أن تكون اجاباتنا عن طريق العاطفة والقلب، بل من واجبنا وسمؤوليتنا أنم تكون علمية ومن خلال الارقام".

غسان غصن

ومن جهته ، اشار رئيس "الاتحاد العمالي العام" غسان غصن في مداخلة ثانية خلال البرنامج ، الى ان حل مسألة الفساد المالي والهدر تحتاج الى عدة معايير، والى سياسة ثواب وعقاب"، موضحاً: "يجب أن نعاقب المرتكب، ونكافئ من يقوم بمهامه وواجباته على نحو جيد، خاصةً أن المسؤولية العامة تنبع من حس وطني وليس من اجور، ورواتب، وسلاسل... لأن الذي يتولى مسؤولية عامة، يجب أن يتولاها ضمن اطار الطوعية والمثالية بهذه الادارة، كما ينبغي أن يتمتع بالثقة، وباحترام الوظيفة العامة".

وقال غصن: "من المفترض أن نعتمد على معايير لحل أزمة الفساد المالي، وأن نسير في سياسة الثواب والعقاب، فنُخرج مرتكب الفساد من المؤسسة العامة والوظيفة العامة، لأنه مسؤول تجاه المواطن المكلّف بدوره بدفع الضريبة".

وختم قائلاً: "اذا قمنا بالحد من الهدر والانفاق غير المجدي، والغاء العديد من المؤسسات والشركات الخاصة غير المنتجة وذات المنفعة الخاصة، فحتى الضرائب الحالية يمكن أن نقتطع نسبة منها لنقدّم -بفلسفة الضريبة- اعادة توزيع الدخل والثروة من خلال تقديم الخدمات والتقديمات الاجتماعية ، حتى يتوازن كل المجتمع في مكان ما".