شبح التطورات الأمنية ونتائجها تخيم على إقتصاد لبنان، وما تزال "جلجة" القطاعات الإقتصادية تعاني من الإحتضار والتهميش تحت حجة "الأولية للأمن". ومع الكلام عن تدهور أمني كبير، قد يصبح فيه لبنان من دون أمن ومن دون إقتصاد و"جمهورية خوف " لا أكثر. فالقطاع السياحي/الخدماتي كان قد تلقى الضربة الموجعة من خلال الأحداث الأمنية في بداية الأشهر الأولى من فصل الصيف، وان كان قد بدأ يتعافى من حالة الركود التي أصابته إلا انه بحاجة للكثير من الوقت ليستعيد بريقه. أما بالنسبة للقطاع الزراعي فحالة التهميش تلازمه منذ عشرات السنين حتى وفي ظل السلام الداخلي، الى أن وصل الأمر الى مرحلة حلول الكارثة الوشيكة بالقطاع في ظل الحديث عن مخاطر شح المياه، ومدى التهديد الحقيقي الذي قد يطال المنتوجات الزراعية والقدرة الإنتاجية الزراعية.

فالمسؤولون وبحسب رئيس "جمعية المزارعين" إنطوان حويك -في حديث أجرته معه النشرة الإقتصادية- غير معنيين سوى بصفقاتهم الخاصة، والمطلوب منهم شيئاً واحد ان يرحلوا ويتركوا لأصحاب الضمير الوطني حرية العمل.

وخلال حديثه عن الحلول المناسبة لمشكلة شح المياه خصوصاً بعد استبعاد فرضية إستيراد المياه من تركيا شدد حويك على انه لا حل سوى بإعادة السماح للمزارعين بحفر الأبار لإستخراج المياه، مع العلم بأنه لا يمكننا أن ننكر بأن الينابيع المشتركة في الضيع قد شحت فيها نسبة المياه الى ما يلامس الربع.  مضيفاً: كنا قد وضعنا الحلول منذ شهر شباط لان الحل يجب أن يأتي قبل عدة أشهر والمسألة لا تحتاج الى سنوات، منها توزيع شبكات ري بالتنقيط على المزارعين وذلك لتخصيص استهلاك المياه الى نسبة الـ60 أو 70%، إضافة الى السماح بحفر الأبار وتوسيعها وتنظيفها وتعميقها. لكن للأسف شيئاً لم ينفذ من تلك الحلول، الأزمة موجودة ولكنها متفاوتة بين منطقة وأخرى وحتى تختلف في المنطقة الواحدة بين عقار وآخر. وببساطة كان من الإمكان ان نتلافيها لو طبقت الخطة واتخذت إجراءات إحترازية ولكن الحكومة غائبة ولا يمكنها وضع الحلول. والمعنيين معنيين فقط بدعم صناديق أحزابهم وتمرير الصفقات.

قال رئيس "جمعية المزارعين" أنطوان حويك إن القطاع الزراعي في لبنان الى مزيد من التراجع ويعاني من الأسباب التي باتت معروفة، فنقص المياه ومشاكل الإنتاج وعدم وجود إدارة سليمة للقطاع من قبل الحكومة، وغياب الحماية من المنافسة، وإرتفاع الأسعار، ناهيك عن المشاكل العديدة والتي لا تحصى كلها ساهمت بتردي وتراجع دور القطاع الزراعي الى ما دون المستوى.

وعن دور الإستثمارات الخارجية بالدفع نحو تنشيط القطاع الزراعي والثقة بهذا القطاع، قال حويك: بأنه منذ البداية لم يكن هناك ثقة بالقطاع الزراعي، والإستثمارات لم يكن لها دور فعال يذكر، وإقتصرت على "أهل البلد" من الذين يملكون أراضي صالحة للإستثمار أو ممن يعتاش من هذا القطاع فحسب.  مضيفاً بأن هؤلاء مولوا مشاريعهم من خلال القروض المدعومة مثل قروض "كفالات"، وأشار الى أن القطاع الزراعي في لبنان لم يشهد إستثمارات كبيرة أجنبية منذ ما يقارب العشرين عاماً.

ورداً على سؤال حول مدى تأثير الأمن الهش على الحدود اللبنانية السورية وتأثيرها على صادرات المنتوجات الزراعية أوضح حويك بأن المشكلة تقسم بحسب الأصناف  ولبنان يصدر الى سوريا ثلاث منتوجات أساسية هي البطاطا والحمضيات والموز. وبالنسبة للموز والذي يعد من الصادرات الأساسية الى سوريا قد تأثر جلياً بالازمة فانخفضت الصادرات من 90 ألف طن الى حوالي 40 ألف لم تحل الكارثة على هذه المنتوج، ما زال يعتبر منتوج تنافسي لأن الكلفة قليلة. أما بالنسبة للبطاطا فقد أصبحت أقل تنافسية بسبب إرتفاع كلفة الشحن.

وعن المشاريع المطروحة لإعادة خلق قطاع زراعي منتج، أوضح حويك: بأن جميع المشاريع جاهزة ومدروسة ومقدمة بشكل قوانين، منها السجل الزراعي، والغرف الزراعية، المؤسسة العامة للضمان الزراعي للحماية من الكوارث، اضافة الى شركة تأمين للحماية من الكوارث، مصرف الإنماء الزراعي، مشروع حماية القطاع من المستوردات، إضافة الى مشاريع أخرى مدروسة وجاهزة.

وختم قائلاً : لم نتوصل منذ 14 عاماً في الملف الزراعي الى شيء، سوى أننا منعنا المسؤولين أو المجموعة الحاكمة من تكبيد القطاع الزراعي المزيد من الخسائر. والمطلوب أن يرحلوا لنتمكن من العمل وحل المشاكل الإجتماعية والحد من الهجرة.