لا شك أن "قانون الإيجارات الجديد" تسبب بخلق حالة من الانقسام بين فئتين كبيرتين من ال​لبنان​يين، مثيراً ضجةً استدعت قيام تحركات واسعة واعتصامات في صفوف المالكين من جهة، ونظرائهم المستأجرين القدامى من جهة ثانية.
 
وما لبث ان انقسم الكثير من المواطنين سريعاً حوله، فنشأ بذلك فريقين متناحرين، الاول (المالكون) يؤيد مقتضى القانون فيشيد بما جاء فيه من مواد يراها منصفة وعادلة تعيد الحقوق لأصحابها بعد سنوات طويلة من الحرمان، بينما يعتبره الفريق الآخر (المستأجرون القدامى) قانونا مجحفا ظالماً، جاء ليعطي حقوق المستأجرين لغيرهم، ويتسبب بوقوع أزمة إجتماعية تطال جميع المناطق، في كافة المدن اللبنانية.
 
من هذا المنطلق، كان للنشرة الاقتصادية جولة على عدد من المناطق، هدفت من خلالها الى التواصل مع عدد من الاشخاص المعنيين بالأمر -من مالكين أو مستأجرين قدامى على حد سواء- للنظر في أقوالهم واستطلاع آرائهم حول الموضوع. وقد لحظنا خلال جولتنا أن عدداً كبيراً من المواطنين في كثير من المناطق اعتبروا أن مواد القانون ما تزال غامضة بالنسبة لهم، بينما رأى البعض القليل أنهم لا يمكنهم الحكم على "​قانون الايجارات​ الجديد" الا بعد أن يتعاملوا معه عملياً، ويفهموه جيداً، ويطبقوه على الارض بعيداً عن التنظير.
 
 
جوزيف زغيب: القانون نافذ في 28 كانون الأول القادم من هذا العام 
 
وفي حديث جرى بهدف عرض آخر المستجدات التي طرأت على القانون، والتي كان أهمها إلغاء بعض المواد الاساسية منه، أشار نقيب مالكي الأبنية المؤجرة في لبنان جوزيف زغيب الى ان قرار المجلس الدستوري الذي قضى بالغاء (مادتين وفقرة) من "قانون الايجارات الجديد" صدر بعد طعن ثانٍ تقدم به 10 نواب من المجلس النيابي.
 
ولفت الى ان "القرار صدر لناحية رد الطعون باستثناء موضوع واحد قبِل المجلس ابطاله، فألغى به "اللجنة القضائية" التي يتضمنها القانون، والتي يرتكز عملها على مهمتين اثنتين: الاولى تتمثل بالنظر في المشكلات التي ربما تحصل بسبب عدم توافق المالك مع المستأجر القديم على تخمين سعر الشقة المؤجرة، فتعمل اللجنة بذلك على تحديد بدل الايجار الجديد أو قيمة التعويض في حال الاخلاء بحسب التخمين. أما مهمتها الثانية فهي تحديد مَن مِن بين المستأجرين القدامى له الحق في الاستفادة من صندوق الدعم، وكم نسبة الاستفادة التي قد يحصل عليها، الى جانب البحث في موضوع السنوات الثلاث الاضافية في القانون.
 
وأضاف زغيب أن "إلغاء اللجنة يحتّم على الجميع حلول "القضاء" مكانها في مهمتها الاولى التي هي فصل النزاع بين المالك والمستأجر، أما المهمة الثانية فلا يمكن لأي جهة العمل بها بدلاً من اللجنة الملغاة، ما يعني أن الصندوق يلتغي عملياً، وكذلك مدة الثلاث سنوات الاضافية. لذا فإن المتضرر الاول من هذه العملية هو المستأجر الفقير، وضرره يأتي على يد المستأجر الغني!".
 
وقال: "أما من ناحية تنفيذ القانون.. فالقانون نافذ في 28 كانون الأول القادم من هذا العام، وهو قابل للتطبيق 100%، فهو يحتوي على مكونين رئيسيين هما: قانون الايجارات، وصندوق دعم المستأجرين الفقراء. وبحال تم ايقاف الصندوق، فلا علاقة ولا ترابط بين البنود وبين قانون الايجارات، لذا فإن قانون الايجارات يصبح نافذاً وقابلاً للتطبيق"، وقد دعم نقيب مالكي الأبنية المؤجرة قوله هذا "بشهادة الدستوريين، واعضاء المجلس الدستوري -الحاليين والسابقين-، ووزير العدل، والقضاء"، على حد قوله.
 
وتابع زغيب: "مع أن تنفيذ القانون أصبح سارياً، إلا ان الرعاية الاجتماعية للفقير توقفت. ونحن بدورنا ندعو "مجلس النواب" الى ترميم هذه البنود الثلاث بطريقة دستورية، كي يعود العمل بهذا الصندوق"، واضاف: "نحن نطالب بعدم ايقافه، مع أن من يدّعون حقوق المستأجرين لا يطالبون به أصلاً!! اولئك يطالبون فقط بوقف كل شيء، وتعطيل كل ما له علاقة بـ "قانون الايجارات الجديد"، ويريدون ابقاء ما هو حاصل اليوم على ما هو عليه دون ايجاد أي حلول".
 
وأكد أن القانون سيصبح قيد التنفيذ في 28 كانون الأول، مستشهداً بكلام رئيس "مجلس النواب" نبيه بري الذي قال في جملة من التصريحات -بحسب قول زغيب- أن البديل عن قانون الايجارات الجديد هو قانون الموجبات والعقود. كما أشار زغيب الى أنهم في "تجمع مالكي الأبنية المؤجرة في لبنان" يدعون المستأجرين الفقراء للتوجه نحوهم، معلناً أنهم مهتمون بمساعدتهم وحمايتهم، والمطالبة بحقوق تدعمهم وتساعدهم "كالايجار التملكي، واعادة ترميم البنود الثلاث" ليتمكنوا بدورهم من الاستفادة مما يوفره الصندوق.
 
وختم زغيب قائلاً: "نحن لا نرضى أن نرى شخصاً مشرداً في الشارع! ونحن نهتم بالمستأجر كما نهتم بالمالك".
 
 
النائب وليد سكرية: هذا القانون غير قابل للتنفيذ اطلاقاً قبل أن يتم إصلاح المواد الملغاة
 
 
وكان للنشرة الاقتصادية حديث مع النائب وليد سكرية -وهو احد النواب العشرة الذين وقعوا على الطعن بقانون الايجارات-، حيث أكد بدوره أن "هذا القانون غير قابل للتنفيذ اطلاقاً قبل أن يتم إصلاح المواد الملغاة وهي 7 و 13 والفقرة ب4 من المادة 18، التي تعطِّل العمل بالقانون، والتي رفضها "المجلس الدستوري".
 
وقال سكرية: "هذه المواد الثلاث هي البنود الاساسية المتعلقة بـ "اللجنة القضائية" المخولة بالفصل، والتي يحتكم اليها المالك والمستأجر القديم في حال حصول نزاع بينهما".
 
واضاف: "اذا ما تم إلغاء هذه اللجنة، فلن يكون بمقدور أحد الفصل في النزاعات بين المالكين والمستأجرين القدامى.. ولن يتمكن احد من تقدير سعر ايجار المنزل، وحجم المبلغ الذي يترتب على المستأجر دفعه للمالك".
 
كما أكد ان "القانون لن يُعتبر ساري المفعول في المجلس النيابي أبداً، الا بعد أن يتم تعديل هذه البنود أو تصحيحها".
 
المحامي وسام عيد: لا يمكن تطبيق هذا القانون حالياً. فقد تم تفريغه من مضمونه، وهو معطل
 
وبعد التناقض الذي وجدناه في الاقوال من تفعيل "قانون الايجارات الجديد" أو عدمه، كان لا بد لنا من سؤال من يستطيع اعطاء التفاصيل التي توضح حقيقة الأمر من ناحيته القانونية، التي يظهر غيابها جلياً في ظل نزاعات الأقوال المتناقضة.
 
لذا لجأنا الى مؤسس "العدالة ليست وجهة نظر"، المستشار القانوني والمحامي وسام رفيق عيد، فأوضح بدوره أن: "المادة 7 والمادة 13 والفقرة ب4 من المادة 18، هي مواد تتحدث عن لجنة مؤلفة من قاضٍ عامل أو متقاعد يكون هو رئيس لجنة مكونة من 4 أعضاء، يمثل احدهم المالكين، ويمثل آخر المستأجرين، وثالث منتدب من "وزارة المالية"، ورابع منتدب من "وزارة الشؤون الاجتماعية"،  ووظيفة هؤلاء هي تخمين بدلات الايجار الخاصة بالشقق المستأجرة وتحديد المستأجرين القدامى الذين يحق لهم الاستفادة من صندوق الدعم. وقد اعتبر القانون المطعون فيه أن القرارات التي تصدر عن هذه اللجنة تعد قرارات نهائية ونافذة على أصلها، ولا تقبل أي طريق من طرق المراجعة".
 
 
واضاف: "أيضاً يوجد الفقرة ب4 من المادة 18، تفيد بأنه في حال وجود اختلاف بين التقرير الذي يقدمه الخبير المكلف من قبل المستأجر، والخبير المكلف من قبل المالك، يلجأ كلا الطرفين المتنازعين الى هذه اللجنة التي تكون ضمن المحافظة التي يتبع لها المأجور، وذلك بهدف الفصل في النزاع القائم، بحيث يكون قرارها نهائياً غير قابل للمراجعة".
 
وتابع: "المجلس الدستوري اعتبر أن الشروط والمواصفات التي تَمنح هذه اللجنة "صفة قضائية" غير متوافرة، كما رأى أنها لا تتمتع بالصفة القضائية، ولا يمكن أن تكون قراراتها مبرمة وغير قابلة لأي طريقة من طرق المراجعة، فهذا الأمر يخالف اصول التقاضي على درجتين".
 
وقال: "المجلس الدستوري أبطل المواد المتعلقة باللجنة التي هي من أساسيات "قانون الايجارات الجديد" الذي يدور حول بدلات الايجار والزيادات. والاصل في هذه الايجارات هو اللجنة، فلا يمكن –بحسب القانون الجديد المطعون فيه- لأحد أن يبتّ ببدلات الايجار والزيادات في حال النزاع الا هي، وبهذا لا يمكن تحديد الايجارات في ظل غيابها. وبمجرد إبطال "المجلس الدستوري" لهذه اللجنة، يتعطل القانون تلقائياً، ويصبح هناك حاجة لأن يدرس "مجلس النواب" الموضوع من جديد ويقوم بتعديل المواد الملغاة، ثم يتم بعد ذلك نشر القانون بعد التعديل مجدداً. عندها يمكن لأصحاب الحق الطعن فيه ضمن المهلة القانونية أمام المجلس الدستوري لكي ينظر هذا الاخير بدستوريته.
 
وختم عيد  بجملتين حصلنا من خلالهما على تلخيص للاشكالية الحاصلة، فقال: "لا يمكن تطبيق هذا القانون حالياً. فقد تم تفريغه من مضمونه، وهو معطل، ويجب عرضه من جديد على "مجلس النواب" الذي هو  اليوم هيئة انتخابية وليس هيئة اشتراعية، فبعد انتخاب فخامة رئيس الجمهورية يستعيد مجلس النواب  دوره التشريعي المتمثّل بسنّ القوانين وتعديلها واقرارها".