البنك المركزي​ الأوروبي خفض سعر ​الفائدة​ الرئيسية لمستوى قياسي هو الأدنى في تاريخه، اي الى 0.75%، كما خفض الفائدة على الودائع الى الصفر. ما يعني عدة أمور أبرزها تعزيز ​الصادرات​، والاستهلاك وإطلاق المجال امام البنوك لكي تقوم بدورها في تقديم قروض استهلاكية للمواطنين وتشجيع الاستثمار،  كأولوية بدلاً من الحفاظ على قوة العملة الأوروبية.

ماذا يقول الخبراء في هذا الإجراء؟

أزمة الانكماش والاستهلاك

ويعتقد خبراء أن الانكماش الاقتصادي الذي وصلت اليه منطقة اليورو، هو الأسوأ في تاريخ هذه المنطقة منذ الاتحاد، وذلك على وقع أزمة الائتمان العالمية التي اندلعت شرارتها منذ عام 2008، وأدت الى تداعي الأحداث كحجرة الدومينو، وصولاً لانهيار القطاع المصرفي في كل من ​اليونان​ واسبانيا، بالإضافة لتراجع الأداء الاقتصادي والمصرفي في ​ايطاليا​، وما عكسه ذلك من أزمات اقتصادية ومالية واجتماعية مختلفة.

كل هذه العوامل كانت كفيلة في التسبب  بتراجع  نسبة  إنتاج وصادرات هذه الدول الصناعية، وبالتالي تأثيرها السلبي على حركة التجارة البينية، بسبب تدني الطلب العالمي والمحلي على الاستهلاك، وذلك بفعل تراجع المداخيل والقدرات الشرائية للأفراد، التي تأثرت على وقع ارتفاع نسب ​البطالة​ التي وصلت الى معدلات هائلة وقياسية في منطقة اليورو،  بلغت نحو 11.1%  بشكل وسطي في المنطقة ككل،  في حين سجلت اسبانيا وحدها نحو 24.5%، أما اليونان فقد سجلت نسبة بطالة بلغت نحو 21.9%، وذلك بحسب تقرير صدر الشهر الماضي عن  مكتب الاحصاء الأوروبي "يوروستات".

ولهذايعتقد خبراء أن المصرف المركزي كان جلياً له أن يركز على نقاط الخلل الرئيسية في موضوعين مترابطين: أولاً، تشجيع الانتاج والصادرات والذي لا يمكن أن يتحقق الا اذا كان هناك مقدرة شرائية للأفراد، أو أن قيمة المنتجات المصدرة للخارج منافسة من ناحية التكلفة والقيمة السعرية في الأسواق الخارجية، وهذا لا يمكن أن يحصل بدون النظر في موضوع تخفيض الفائدة وبالتالي عملة اليورو. ثانياً: سوف تسارع البنوك للتخلص من عبء السيولة النقدية والودائع الموجودة لديها، لكي توظفها في الدورة الاستهلاكية او في مشاريع، ذلك أن  قرار المركزي الأوروبي في تخفيض الفائدة الرئيسية ترافق أيضاً مع تخفيض الفائدة على الإيداع الى الصفر، فلن يكون هناك الكثير من الخيارات أمام هذه البنوك سوى تشجيع القروض الاستهلاكية من ناحية ، أو تقديم تسهيلات ائتمانية لتحفيز أو دعم مشاريع استثمارية او تجارية جديدة، او حتى لعب دور في تقديم إغراءات لأصحاب المشاريع للقيام بتوسعة مشاريعهم القائمة.

عملة قوية أم اقتصاد أقوى؟

ويرى خبراء أن عملة اليورو رغم تراجعها وتذبذبها في الفترة الأخيرة امام العلات الرئيسية في العالم تبقى مرتفعة بالمقارنة مع  غيرهامن العملات، وبالمقارنة مع الفترة الذهبية التي شهدها اقتصاد اليورو ما قبل الأزمة، وهذا ما تسبب بضغوطات شديدة على صادرات هذه المنطقة، التي نافستها البضائع الأميركية والاسيوية وغيرها من الدول. ولعل قرار المركزي الأوروبي يأتي في هذا السياق ليلبي نداء  الاقتصاد بالدرجة الأولى  وليس العملة، رغم أن قراراً مماثلاً  يمكن أن يتسبب بأضرار على المدى البعيد لأصحاب الودائع والمستثمرين في الأسهم وفي السندات، إلا أن جرأة المركزي الأوروبي تكشف عن قرار حاسم لدفع عجلة الاقتصاد وليس للحفاظ على سعر عملة قوي، والذي يبدو أنه كبل اقتصاد هذه البلدان من أجل الحفاظ على سوقي الاسهم والسندات وقيمة الأصول،  وهو ما عكس آثاراً سلبية على سوقي الاستهلاك والصادرات الذين تعتمد عليهما اصلاً الدول الصناعية، ورغم كل ذلك يستبعد هؤلاء الخبراء أن لا يلجأ المركزي للحفاظ على هيبة العملة الأوروبية، وذلك من خلال تدخله اليومي للحفاظ على سعر وسطي محدد سواء بائعاً أو مشترياً حتى يستقر عند حد معين.

وقد تلقت الأسواق المحلية قرار المركزي الأوروبي مباشرة، ففي أول نتائج أولية لهذا القرار انخفض اليورو اليوم الى 1.23 وهو أدنى مستوى له خلال شهر .

وكان رئيس البنك المركزي الأوروبي "ماريو دراغي" شرح أسباب القرار في مؤتمر صحافي اليوم في فرانكفورت، حيث قال: “إن التوترات الشديدة في الأسواق المالية لا تزال تضغط على النشاط الاقتصادي في منطقة اليورو، والتوقعات تظل مرتبطة بشكوك كبيرة ومخاطر محتملة".

لكن "دراغي" تجنب الحديث عن إمكانية تعزيز برنامج شراء سندات الدول المتأزمة في منطقة اليورو، وهو ما خيب آمال المستثمرين وأدى إلى تراجع اليورو مقابل العملة الخضراء.

وكان مسح أجرته شركة متخصصة أوروبية الشهر الماضي أظهر أن التباطؤ الذي بدأ في دول أطراف منطقة اليورو، مثل اليونان واسبانيا وايطاليا،  ترسخ في أكبر اقتصادات التكتل مثل ​المانيا​ وفرنسا، ما يشير إلى أن القطاع الصناعي الذي كان من العوامل الرئيسية للانتعاش في منطقة اليورو، كان سبباً في الركود الأخير وسيؤثر سلبا على النمو.

وكان مؤشر مؤسسة "ماركيت" لمديري مشتريات المصانع في منطقة اليورو  سجل انخفاضاً إلى 45.1 في أيار الماضي من 45.9 في نيسان، وهو ما يزيد قليلاً عن قراءة أولية لكنه يمثل أضعف قراءة للمؤشر منذ حزيران 2009، كما سجل انخفاضاً لمؤشر الناتج الصناعي الى 44.6.