كان لافتاً الموقف ال​ايران​ي الذي اتخذ بالأمس  وجاء على لسان اسماعيل الكوثري رئيس لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في البرلمان الإيراني، والذي  لوح فيه بأنه ليس من المسبتعد أن تلجأ طهران الى أعمال عسكرية قد تؤدي لإقفال ​مضيق هرمز​، في حال تعرضت صادراتها ​النفط​ية  للإعاقة، وذلك في رد أولي على بدء سريان ​الحظر​ ​الأوروبي​ على تصدير النفط الايراني ، رغم أنه أوحى أيضاً أن اقتصاده قد لا يتضرر كثيراً، ولكن الخوف من ان تمارس ضغوطات غربية على النفط الذي تقوم ببيعه ايران للدول المستثناة من الحظر.

وبدأت أمس مفاعيل ​العقوبات​ الغربية على إيران هذا البلد الذي يحتل المركز الرابع في إنتاج النفط عالمياً، على خلفية الملف النووي، وبعد فشل عدة اجتماعات ومؤتمرات دولية كان آخرها اجتماع دول الـ (5+1) في 18 و19 من حزيران الماضي في موسكو، والذي فشل في التوصل الى اتفاق حل لهذا الملف.

وكانت ​الولايات المتحدة​ قد بدأت بمقاطعة استيراد النفط الايراني الاسبوع الماضي، أما الدول الأوروبية والتي تقدر حصة إيران اليها نحو 20% من صادراتها النفطية، فقد بدأ قرار حظرها على  استيراد النفط الايراني أمس حيز التنفيذ، والذي يواكبه ايضاً حظر على التعاملات المصرفية والتحويلات المالية، فيما استثني من هذا الحظر حوالي 20  دولة أسيوية، من بينهم اليابان التي خفضت استيرادها من النفط  الإيراني بنسبة 65% و كوريا الجنوبية بنسبة 40% والهند بنسبة 11%، وتركيا  بنسبة 20%، فضلاً عن الصين وسنغافورة.

العلاقات النفطية بين ايران وآسيا

 بالنسبة للصين وسنغافورة فقد أوردت مصادر صحفية أميركية من بينها صحيفة "الجورنال ستريت"  أن سنغافورة قد قلصت استيرادها من النفط الايراني بنسب ضئيلة ، أما الصين وعلى عكس ما أوردت تصريحات وزارة الخارجية الأميركية  والتي قالت أن الصين استثنيت من ممارسة الحظر على استيراد النفط الايراني لأنها خفضت استيرادها العام الماضي منه، بل على العكس فقد تبين أنها زادت نسبة استيرادها بنسبة 30% العام 2011 ، وبما يعادل نحو 557 الف برميل يومياً، فيما تدرس الصين الى رفع هذه الكمية هذا العام الى نحو مليون برميل يومياً، وهو ما يشكل أكثر من ثلث انتاج النفط الايراني المقدر بنحو1,6 مليون برميل يومياً من أصل 3,5 مليون برميل يومياً  هي حصة ايران المحددة في "اوبك".

وتعتبر كل من الصين وسنغافورة والهند وكوريا الجنوبية من الزبائن الرئيسيين لإيران، إذ ان نحو 70% من صادرات النفط الإيراني تتوجه الى هذه البلدان والقليل لباقي الدول الآسيوية الأخرى، وفيما تعد إيران ثالث مصدر للنفط الى الصين، تعتبر كوريا الجنوبية أكبر مستورد للنفط الإيراني في العالم، إلا أنها خفضت استيرادها منه بنسبة 40 بالمئة هذا العام، فيما أعلنت الاسبوع الماضي أنها ستتوقف عن شرائه نهائياً مع بدء سريان الحظر الأوروبي اي يوم أمس، وذلك في مسعى منها لتجنب عقوبات محتملة من الولايات المتحدة.

غير أن  قرار كوريا الجنوبية لم يرُق لإيران والتي سارعت الى تحذير كوريا الجنوبية من مغبته، مهددة إياها بأنها ستراجع علاقاتها بها إذا أوقفت شراء نفطها.

تداعيات العقوبات المرتقبة

وتتضمن العقوبات الغربية  المفروضة على استيراد النفط الايراني، حظراً تأمينياً أيضاَ لأي ناقلة تحمل نفطاً ايرانياً، وفي هذا السياق نقلت معلومات صحفية منذ نحو اسبوعين أن ايران قامت بتغيير أسماء بعض ​ناقلات​ النفط من اسماء فارسية الى اسماء عربية وأجنبية، ويقول مراقبون أن هذا يقع في إطار التلاعب على القرارات الغربية بهذا الشأن، ذلك أنه بمجرد مرور تلك الناقلات تحت أعين الرادارات وأجهزة الرقابة الأميركية المزروعة في مياه الخليج وغيرها من مياه المحيطات ، فقد يتم التعامل معها على اساس انها غير ايرانية، ومع ذلك يعتقد هؤلاء المراقبون أن هذا قد يبدو مسنداً ضعيفاً، إلا اذا تم تسجيل تلك الناقلات بأسماء شخصيات وشركات عربية ورفع عليها بالتالي علم عربي او اجنبي آخر، وبهذه الحال قد تواجه ايران عمليات نصب او احتيال من نوع آخر.

لكن ما هي التداعيات التي قد تنشأ عن هذه العقوبات الغربية المفروضة؟

يرى محللون أنه إذا كان قرار كل من الصين وسنغافورة بعدم وقف شرائهما للنفط الايراني من بواعث الاطمئنان والارتياح لإيران، وإن كانت تعترف بأن عائداتها المالية من بيعها نفطها للعالم قد تراجعت بنحو 30% العام الماضي، غير أن منظمة الطاقة الدولية تقول انها تقلصت بنسبة 40%، كما أن حظرالتعاملات البنكية، سيزيد من حجم المأزق على عائداتها المالية الناتجة عن النفط ، خصوصاً إذا ما علمنا ان هناك نحو 100 مليار دولار هي حصيلة صفقاتها عن العام الماضي لا تزال في جيوب المستوردين من مختلف زبائنها في العالم، فيما كانت فاتورة عام 2011 تقدر بنحو 155 مليار دولار. غير أن ايران لجأت الى مقايضة جزء منها بمواد استهلاكية او حتى الدفع بالعملة المحلية ، أما المليارات المئة وغيرها من العائدات المنتظرة قد تكون في حكم المجهول إذ لم تتمكن ايران من إيجاد حل لتحصيلها، خصوصاً ان البنك المركزي الايراني  قد استبعد هو و37 مصرفاً إيرانياً من استخدام نظام "سويفت" (المقايضة والخصم بالتعاملات المالية)، منذ آذار الماضي، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات بهذا النظام المصرفي، مما حرمها من أي تحويلات بالعملات الأجنبية.

 ولعل هذا ما يربك طهران ويجعل عائداتها المالية في موقع محرج لا بل في دائرة الخطر، وتشكل عائدات النفط  والغازنحو 70% من موازنتها ،  ويزيد من حجم الضغوط المالية التي يمكن أن تتأثر بها حتى مستورداتها من الخارج فعائدات النفط تؤمن لها نحو 80% من العملات الاجنبية التي تحتاجها لتلبية حاجاتها التنموية وللاستيراد من الخارج ، وفي هذا الصدد يتوقع محللون أن يضيق الخناق على ايران ليس فقط بسبب تراجع حجم عائداتها المالية إنما تراجع مقدرتها على الاستيراد لتلبية حاجتها الداخلية سواء اللازمة في التصنيع او الاستهلاكية، ما قد يخلق أزمات داخلية  من نوع آخر، قد تتجلى على شكل أزمات سيولة وتراجع في قيمة عملتها الوطنية، ما قد يؤدي بدوره الى خلق مشكلات اجتماعية مختلفة.

ربما هذا ما تتوخاه وتراهن عليه الدول الغربية لكي تذعن إيران للمطالب والأوامر الغربية لكي تخفف نسبة تخصيب الاوراونيوم من نسبة 20% الى 5%، إذ أن 5% مقبولة مدنياً، بينما ال 20% تعتبر صالحة لإنتاج قنبلة ذرية وهو ما تخشاه الدول الغربية.

التهديد بإقفال مضيق هرمز

لكن هل تقدم ايران فعلا الى اغلاق مضيق هرمز في حال تعرضت ناقلات نفطها وهي تتوجه الى زبائنها في آسيا الى الأزعاج اواعتراض سبيلها او اي شيء يدل على أعمال إعاقة قد تعتبرها إيران أعمال استفزازية؟

يستبعد خبراء أن تقدم طهران على القيام بمغامرة عسكرية  مشابهة،  فهذا الممر الحيوي للسوق العالمية،  لا يمكن بأي شكل أن يكون خاضعاً لها، فرغم التحذيرات التي أطلقتها طهران على لسان الكوثري أمس، والتي يتوقع أن يستتبعها في ما بعد بحسب المراقبين تحذيرات أخرى على مستوى أعلى، إلا أنه لا شك طهران تأخذ بالحسبان الرسائل الأميركية التي ارسلت إليها في مطلع العام الحالي واعتبرها مراقبون رسائل قوية تحذر إيران من مغبة هذا العمل.

ويذهب محللون الى القول بأن الردود الإيرانية بأقصاها قد تنحصر في مقاطعة المفاوضات بشأن ملفها النووي في إطار مجموعة الـ (5+1)، والبحث عن طرق للالتفاف على الحظر والعقوبات. لكنها إذا اعتمدت  الخيار الأول، هذا يعني ردة فعل أميركية وأوروبية تقضي بمواصلة تشديد العقوبات الاقتصادية والمالية عليها،  وربما قد يفتح المجال أمام ضربة عسكرية إسرائيلية أو أميركية او من ​الناتو​، فيما يبدو أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ماضيين في التشديد على هذه العقوبات، كإجراء هو أشبه بلعبة شد الحبال بين فريق يواصل نهجه في الاستمرار بمشروعه النووي متحملاً التدهور الاقتصادي الشامل وما قد ينتج عنه من ارتفاع في النقمة الشعبية ضده، وبين فريق قوي بتعاضده وبقاعدة تحالفاته الاقتصادية والسياسية والعسكرية على مستوى العالم ضرب عرض الحائط اي اعتبار سوى مصالحه التي تخدم نفوذه العالمي.

وبانتظار النتائج ليس مبالغاَ  القول بأن العالم قد يشهد حرباً جديدة، سوف يكون حظر الصادرات النفطية في مقابل طموحات إيران النووية هو العنوان الأساسي لها، وهي حرب  تتشابك فيها المصالح الاقتصادية مع الصراعات الاقليمية والدولية.