تطالب فنزويلا بين الحين والآخر بالعودة للعمل ب​النطاق السعري​ المستهدف والذي كان معمولاً به قبل العام  2005،  في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، واليوم جددت طلبها على لسان وزير طاقتها "رافاييل راميريز"  وأن تكون الآلية محددة ما بين 80 و120 دولاراً للبرميل، وذلك بهدف احتواء الآثار التي قد تنتج عن تقلبات الاسعار في الاسواق العالمية.

لماذا تلحّ فنزويلا على هذا الطلب، وتوافقها في الرأي كل من ​ايران​ و​العراق​ وحتى الجزائر، فيما تعترض على ذلك الدول الخليجية الأخرى الأعضاء في "أوبك"؟

المعروف أن "أوبك" كانت تعتمد نطاقاً سعرياً يتراوح ما بين 22 و30 دولاراً ما بين الأعوم 2000  و2005، وعلى أساسه تلجأ الدول الأعضاء  الى تحديد نسب الإنتاج اليومية زيادة او نقصاناً، والهدف من ورائها السيطرة على الأسعار.

أسبابكسر الآلية

لكن بعيد التطورات العالمية المتتالية، وتنامي الاقتصادي العالمي، والذي رافقه زيادة في الطلب العالمي على ​النفط​، ما دفع بأسعار النفط الخام الى مراكز قياسية بشكل متسارع، سيما في ظل الحرب الأميركية على العراق  التي بدأت عام 2003، و​ارتفاع اسعار​ العملات، ونسب التضخم، لذلك لم تتمكن "أوبك" الاستمرار في  الالتزام بهذه الآلية.

وخلال أوج الاحتلال الأميركي للعراق في صيف عام 2004، بلغ سعر الخام مستويات وصفها الخبراء بال​جنوني​ة، اذ ارتفع بواقع 30 دولاراً دفعة واحدة ، لكنه واصل تذبذبه  ضمن النطاق نفسه، الى أن قررت المنظمة تحرير سعر البرميل من هذه الآلية عام 2005، وذلك تلبية لاحتياجات النمو الاقتصادي ومنعاً لتعرضه لانتكاسات محتملة نتيجة المتغيرات السياسيةالجديدة.

ولم يستبعد خبراء حينها أن يكون لهذا القرار ابعاد سياسية تتصل بالعلاقات القائمة ما بين الدول الخليجية الأعضاء في "أوبك" والولايات المتحدة،  خصوصاً في ظل الدعم الخليجي اللوجستي والسياسي للولايات المتحدة في ضربتها للعراق في ذلك الحين، سيما بعد أن وصل جيشها الى منابع النفط في العراق، حيث كان من المطلوب ان تعاود الاسعار ارتفاعها، بعد أن اصبح النفط  العراقي في القبضة الأميركية.

أسعار النفط بعد كسر الآلية

وفي قراءة مختصرة لمسيرة سعر برميل النفط منذ تحريره من الآلية، يتبين أنه بلغ مستويات عليا عام 2007 عام ذروة نمو الاقتصاد العالمي والطلب على النفط، وواصل ارتفاعه ليصل الى عتبة الثمانين دولاراً ، ورغم أنه عاود إنخفاضه التدريجي وتذبذبه خلال  نفس العام، إلا أنه جدد انظلاقه ليصل الى مستويات قياسية مع  نهاية العام نفسه مسجلاً سعر90 دولاراً في صيف عام 2008 ، ليقفل نهاية العام متراجعاً الى سعر وسطي بلغ 83 دولاراً، وذلك مع بداية تباشيرالأزمة المالية العالمية .

وفي العام 2009 ، عام تداعيات أزمة الائتمان العالمية على اقتصادات الدول، تراجع السعر الوسطي لبرميل النفط بشكل درامي، لينخفض بنسبة 28% مسجلاً 59 دولاراً، رغم انه كان يتأرجح ما بين 67 و80 دولاراً خلال العام نفسه.غير انه ومع بداية العام 2010 بدأت اسعاره مرحلة العد العكسي مجدداً، ليسجل سعراً وسطياً مع نهاية العام بلغ نحو 80 دولاراً، واستمر الارتفاع مع التبذب الى العام الماضي ليقفل على سعر وسطي بلغ نحو 95 دولاراً.

وسجل العام الحالي أرقاماً قياسية جديدة إذ وصل سعر البرميل لأول مرة منذ تموز 2008 الى نحو 128 دولاراً في آذار الماضي ، رغم أنه عاود انخفاضه ليستقر عند عتبة الـ 100 دولار الشهر الماضي، متابعاً انتكاسه متأثراً بتداعيات أزمة اليورو، وتراجع معدلات النمو العالمية والأميركية، ليصل اليوم الى سعر وسطي يقدر بـ 87 دولاراً اي بتراجع يقدر بنحو 20 % عن بداية العام.

 فنزويلا وحلفاؤها

وتعتبر فنزويلا من الدول الحليفة سياسياً  لإيران، وهي تناهض السياسات الأميركية الخارجية وخصوصاً تجاه ايران،  وتطالب بضرورة العودة الى آلية النطاق السعري للمحافظة على التوازن بالأسعار من خلال التحكم بنسب الانتاج اليومية تبعاً للسعر اليومي، غير أن الدول الخليجية وخصوصاً ​السعودية​ والامارات والكويت لا يحبذون الفكرة. كما تطالب بزيادة حصتها والتي تقدر حالياً بحوالي 3,2 مليون برميل يومياً، خصوصاً مع اكتشاف مساحات نفطية جديدة لديها.

 وكان الرئيس الفنزويلي "هوغو شافيز" أعرب الشهر الماضي عن قلقه لما وصفه انتهاكات الدول الأعضاء  لحصص الإنتاج المتفق عليها، معتبراً أن ذلك يتسبب بانخفاض حاد لأسعار الخام دون مائة دولار للبرميل وهو مستوى تراه كراكاس غير عادل، فيما تعتبر ان إبقاء السعرما بين 100 و120 دولاراً للبرميل سعراً مقبولاً، وهو ما يشجعه ايضاً وزير النفط العراقي عبد الكريم لعيبي الذي هو ايضاً يترأس "أوبك"، رغم أنه لم يشر الى الإجراء الذي يمكن إجراؤه في سبيل تثبيت سعره ضمن هذا الإطار.

كما توافق الجزائر من جهتها على إجراء  الالتزام بحصص الانتاج ، في مسعى للسيطرة على الاسعار، فقد اقترحت مؤخراً على لسان وزير طاقتها يوسف يوسفي أن تخفض أوبك إنتاجها الحالي وتلتزم بسقف الإنتاج المحدد، دون أن تتطرق الى الإجراء الذي يمكن اتباعه للمحافظة على توازن الأسعار.

وترى إيران وهي تعتبر حليفة لفنزويلا أن فكرة  العودة للنطاق واردة ومشجعة للحفاظ على التوازن بالاسعار، مشيرة إلى ان سعر 100 دولار للبرميل متوسط النطاق الذي اقترحته كراكاس هو ما ترغبه معظم الدول المنتجة.

التعويض عن النفط الإيراني

وتبلغ الحصة الإنتاجية لـ"أوبك" 30 مليون برميل يومياً، فيما يتم تتجاوز هذا الرقم ليصل الى حوالي 32 مليون برميل، كما تخططت السعودية وهي أكبر دولة منتجة للنفط في المنظمة الحصص المقررة لها، إذ تنتج يومياً حوالى 10 ملايين برميل، فيما حصتها المقررة هي 8,8 مليون .

وأعلنت السعودية مراراً عن  استعدادها التعويض عن إنتاج ايران من النفط  الذي سيتأثر بسبب العقوبات المفروضة عليها، أما إيران التي هبط إنتاجها إلى أدنى مستوى في عشرين عاما، بسبب تلك العقوبات، فقد  ألقت باللائمة على كل من السعودية والكويت والإمارات في انخفاض أسعار النفط المحققة أخيراً مشيرة إلى أن هذه الدول بالغت في زيادة الإنتاج.

ومن المقرر ان تبدأ حزمة من العقوبات بحق ايران من ضمنها حظر استيراد نفطها مع بداية شهر تموز المقبل. وهي تعتبر حالياً في المرتبة الثانية في "أوبك" من حيث حجم انتاجها ، اذ تقدر حصتها قبل الحظر بـ 4,110 مليون برميل يومياً.

التناقضاتبين الاعضاء

وفي ظل هذه الحقائق والمتناقضات يظهر لنا ان دول "أوبك" وخصوصاً الخليجية منها، قد وضعت ميزانياتها على اساس سعر برميل نفط يقدر بـ 60 دولار، وذلك للحفاظ على التوازن في ميزانياتها ما بين الواردات والنفقات، خصوصاً أن اقتصاد البلدان الخليجية يعتمد على العائدات النفطية. وفي ضوء هذه الواقع يرى خبراء انه حتى لو انخفضت اسعار النفط الى نحو 80 دولاراً سوف تظل هذه الدول تحقق فائضاً في موازناتها.

ويعتقد خبراء أنه ليس من مصلحة الدول الخليجة وضع آلية من شأنها أن تؤدي الى لجم أسعار النفط، فهي فضلاً عن اعتمادها على النفط  كمصدر رئيسي لاقتصاداتها، غير أن تغطية النقص في النفط الايراني يبقى الاعتبارالأبرز لدى هذه الدول، وآلية مماثلة لا تخدم هذا الغرض، خصوصاً  وأن ايران دولة لا تحظى بمودة هذه الدول، ليس على خلفية ملفها النووي وحسب، بل الخلافات المتعلقة بالجزر الثلاث المتنازع عليها بينها وبين الامارات.

ويرى خبراء أن الشركات العالمية المضاربة في الاسواق، سوف لن يسرها آلية مماثلة، فهي أشبه بتدخل المصرف المركزي للحفاظ على سعر صرف عملة ما، وبالتالي فإن هامش الارباح قد يضيق في ظل هذه الآلية، بل ويذهب خبراء الى أبعد من ذلك في تقديرهم، وهو ما يتعلق بالسوق الموازية او ما يسمى "السوداء" والتي يتوقع أن تنشاْ مباشرة بعد البدء في تطبيق الحظر النفطي على ايران.

وفيما تحتل فنزويلا المرتبة الثالثة في "أوبك" من ناحية نسب الانتاج، 3.2 مليون برميل يومياً، تسعى  لزيادة حصتها المصدرة نحو الصين، من 500 الف برميل يومياً، الى مليون برميل يومياً، وذلك بحلول عام 2015،  ولعل مساعيها لزيادة حصتها في المنظمة من جهة والمطالبة في وضع الآلية يقع في هذا الإطار.

إذن في نهاية المطاف يبدو جلياً أن هناك أشبه بمعسكرين داخل "أوبك" يتناقضان في المصالح وفي التحالفات، يجمعهما النفط، وتفرقهما السياسة، وتبقى الأمور معلقة حتى كانون الأول المقبل حيث اجتماع المنظمة المقرر.