أشار رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد الى أنّ " لكل زمان علمه الخاص تمام كلغته الخاصة فكما كانت اللغة اللاتينية وعلوم الفلسفة والفيزياء والكمياء تشكل أساس العلوم في زمن مضى أصبحت الانكليزية وعلوم الاقتصاد والتكنولوجيا والمعلوماتية الادارية ركائز هذا الزمن ولا شك أن العولمة التي أدّت الى تلاشي الحدود السياسية والقانونية والاقتصادية بين الدول شكلت عاملاً مساعدا في ذلك"، جاء ذلك في كلمته التي ألقاها في محاضرة أقيمت في جامعة الحكمة تحت عنوان "دور حكم القانون في التنمية الاقتصادية" في حضور رئيس الجامعة الموسنيور كميل مبارك، وعميد كلية ادارة الأعمال روك انطوان مهنّا وعمداء الجامعة الروحية والسياسية والأكادمية، وطلاب الجامعة.

وتابع بعد تقديم من قبل عميد كلية ادارة الاعمال البروفسور روك انطوان مهنا : "اليوم لم تعد الدولة تشكل محور النظام بل أصبحت فرعا من النظام الاقتصادي العالمي مما أدّى الى اضمحلال الحدود بين الدول، فبعدما كان نظام الدول يشكل محور أنشطتها ولاسيما القانونية والقضائية منها أصبح هذا النظام يشكل فرعا من النظام العالمي وأصبحت مؤسسات الدولية كالبنك الدولي عبر تقارير دولية كتقرير " Doing Business"  يضع تصنيفاً للدول وتروج للنظام الانغلوساكسوني لأنه الأفضل للتنمية وبعدما كان القانون يضع اطار الأنشطة الاقتصادية أصبحت هذه الأخيرة بتطورها السريع توجب على القضاء الاجتهاد وعلى القانون التعديل للتكيف معها".

وأضاف أنه " أصبح لزاما على القضاء التكيّف مع هذه الثورة الجديدة التي تعلن منذ الآن نهاية الاقتصاد التملكي الاستهلاكي، وربما نهاية عقد البيع على غيره من العقود، وأصبح على القضاء استنباط حلول للنزاعات التي يمكن أن تطرأ على هذه العقود ريثما يقوم المشترع بقوننتها. ولكن هل ترك هيمنة الاقتصاد هامشا ما لحكم القانون في التنمية الاقتصادية؟

فقد أثبتت التجربة أن تفلّت الاقتصاد من أي رقابة قاد لمرات عدة في التاريخ الحديث الى أزمات وانهيارات اقتصادية. هذه الأزمات أكدّت حاجة المجتمعات الى حكم القانون لضمان وجود تنمية اقتصادية على أسس سليمة".

وفي كلمته أوضح القاضي فهد ما هو مفهوم حكم القانون قائلاً: " بحسب تعريف ورد في برنامج الأمم المتحدة الانمائي، حكم القانون هو نظام تؤمن فيه حماية متساوية للحقوق العائدة الى الأفراد والجماعات، كما يستلزم فرض عقوبات متساوية وفقا للقانون، وهو يسود على الحكومات ويؤمن معاملة جميع المواطنين بتساوي أمام ادارة كفوءة وأن يكونوا خاضعين للقانون وتحكم فيه بين الناس سلطة قضائية مستقلة".

ولفت الى أن "حكم القانون يلعب دوراً محوريا في التنمية الاقتصادية وهو يرتكز على التشريعات القانونية، التي يقتضي أن تكون عامة واضحة ومجرّدة تنطبق على جميع الأشخاص. ويرتكز أيضاً على الكفاءة الادارية"، مشيرا الى أنه "لا يمكن الحديث عن حكم القانون في حال كانت الدولة تفتقر الى أجهزة ادارية فعالة. بالاضافة الى احترام حقوق الأفراد، مضيفاً "ان أحد أهم الأسباب التي ادّت الى أن يصبح لبنان ملاذا آمنا هو احترام الحرية الفردية. فاحترام حقوق الفرد والاتاحة له بممارسة أي نشاط اقتصادي يؤدي حتما الى تعزيز الامكانات التنموية الاقتصادية للدولة". كما يرتكز حكم القانون على السلطة القضائية المستقلة، كوّنه لا يستقيم الا بوجود قضاء شفاف يحظى بثقة المتقاضين، ومحصن ضد جميع المؤثرات، وأن يكون مستقل ونزيه". ومن أجل تحقيق كل ذلك، أكّد أنه "لا بدّ أن تتوافر للقاضي جميع الأدوات والتسهيلات والتدريبات اللازمة لكي يتمكن من لفظ الأحكام بصورة عادلة".

في الختام، شدّد الرئيس فهد على "ان الأجهزة الادارية والقضائية في أي دولة تشكل عنصرا حيويا لتحديد امكانية التطور فيها، وبالتالي فان الادارة الكفوءة تقود الى التنمية الاقتصادية وليس التنمية الاقتصادية هي من تقود الى الارتقاء الى مستوى الأجهزة القضائية والادارية. كما لا يمكن مجاراة البنك الدولي في اعتبار أن البلدان ذات الأنظمة الأنغلوساكيونية توفر مناخا أفضل للتنمية الاقتصادية من البلدان التي تعتمد النظام الرومانوجرمانيك". وختم، بـ"انّ التطبيق الجيد للقانون هو بأهمية مضمون القانون نفسه، لأن التطبيق السيء لقانون جيد لا يؤدي الى تنمية اقتصادية، من هنا وجب توفير جميع الوسائل اللازمة لتطوير عمل السلطة القضائية وضمان استقلالها".

امّا البروفسور مهنا فأشار في كلمته الى أن "العدل هو صمام الأمان لضمان السلم والأمن والحق، أنه صمام الأمان لضمان حسن سير الاقتصاد وتحفيز سبل النمو وجذب الاستثمارات". وأضاف بأن " القضاء يفصل في كل ما يمسّ بحياة الناس وأموالهم وكل ما يعرض عليهم من نزاعات وخصومات، لذلك تعتبر هذه المهنة من أكثر المهن مسؤولية وخطورة، ومن يمارسها عليه أن يتميّز بالقيم الأخلاقية وبالضمير الحيّ وبالحس الانساني كما عليه أن يتميز بسعة الاطلاع والموضوعية ورحابة الصدر وتقدير وفهم للآخرين".